لاجئون في بيوت ألمانية .. إثراء متبادل وخطوة للاندماج
٢ مايو ٢٠١٧"أقطن في غرفة الطالب توماس لدى والديه منذ حوالي شهرين. أتمتع في هذه الغرفة وإن كانت مساحتها صغيرة بالراحة والاحترام المتبادل مع أبويه". هكذا تحدث الشاب السوري سامر، البالغ من العمر 30 عاماً، وقد بدت البهجة على محياه. سكن هذا الأخير لأشهر عديدة في إحدى مراكز الإيواء الجماعية بحي شارلوتنبورغ البرليني التي تعجّ باللاجئين وتسودها الفوضى، بحسب ما يصفها الشاب الثلاثيني.
ويرى سامر، الذي ينحدر من مدينة حلب السورية، في فكرة إيجار بعض الطلبة الألمان لغرفهم الفارغة لدى منازل آبائهم مبادرة تستحق الشكر، إذ يقول لـDW عربية: "إنها فكرة رائعة، فمن خلالها تمكنت من التعرف على العادات والعقلية الألمانية التي كنت أجهلها ولم أكن أعرف سوى بعض الأفكار المسبقة عن الألمان، مثل أنهم يشربون الكثير من البيرة ولا يفتحون أبوابهم للغرباء".
لكن الاحترام المتبادل بينه وبين العائلة الألمانية، التي بات اليوم يسكن لديها، والانضباط في المواعيد، مثل مواعيد الفطور عند نهاية الأسبوع أو العشاء مع الأصدقاء الجدد، كانتا من الصفات التي انبهر بهما سامر أثناء سكنه لدى عائلة توماس. تتألف عائلة توماس من والدين متقاعدين كانا يعملان في قطاع التعليم، وأخت تكبره سناً تعيش مع صديقها خارج البيت.
تحسن في مستوى اللغة
جانب اللغة، كما يروي الشاب السوري، كان له دور كبير في هذه التجربة المتميزة، إذ تمكن من أن يخطو خطى كبيرة نحو الأمام: "الكل يلاحظ هنا أنني بتّ اليوم أتكلم الألمانية أفضل من أي وقت مضى. كانت اللغة بالنسبة لي نظرية ومكان تطبيقها لم يتعد فضاء المدرسة. هنا أضحيت مجبراً على استعمالها اليومي دون انقطاع لأتواصل مع سكان البيت". كما أعرب سامر عن سعادته بهذه التجربة الإيجابية للغاية وتمنى أن يستغلها الكثير من أبناء وطنه في المهجر الألماني.
محمد الخطاب، الرجل الأربعيني، عاش هو الآخر هذه التجربة الفريدة من نوعها في برلين عبر إعلان قرأه في جامعة برلين التقنية، حيث كان يزور صديقاً له في مقهى الجامعة: "لقد سئمت الحياة في مراكز الإيواء لما فيها من ضجة . كنت أعيش على هامش المجتمع الألماني جاهلاً بما يجول في أذهان الألمان. لا أعرف سوى أفكاراً مسبقة عنهم لم أعشها شخصياً".
كان السكن الجماعي بالنسبة لمحمد جحيماً ولم يكن يعود إليه سوى عند ساعات الليل المتأخرة للنوم. أما اليوم، فهو على غرار مواطنه سامر بات ينعم بسكن مريح لدى عائلة ألمانية في حي شبانداو البرليني. تقطن هذه الأخيرة في بيت كبير لوحدها بعد أن تحولت ابنتهم بريتا إلى الجامعة وشاركت هي أيضاً في مبادرة إيجار غرفتها للاجئين. محمد فخور وسعيد جداً بهذه التجربة، وفي حديثه مع DW عربية كان دوماً يتطرق إلى إعجابه بمساعدة أبوي بريتا له، حيث قال: "لا أشعر بأني غريب عن هذه العائلة نظراً لمعاملة سكان البيت لي كلاجئ، فهم يقدمون لي يد العون كلما طلبت منهم ذلك، لاسيما إذا ما تعلق الأمر بالأمور الإدارية".
أما اليوم، فيرى محمد أنه أصبح يعيش داخل المجتمع الألماني وليس على هامشه، كما كان عليه الحال سابقاً، ويمضي إلى القول: "لقد تمكنت من خلال هذه التجربة من التعرف على ما مر به الألمان من محن أثناء وعقب الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى العادات والتقاليد الألمانية، التي كانت من المواضيع التي كثيراً ما تحدثت حولها معهم".
من أجل اندماج سلس وناجح في المجتمع الألماني
"تبلورت لدي الفكرة حينما كنت في حديث مع مجموعة من رفاق الدراسة في الجامعة. لاحظنا أن اللاجئين السوريين يعيشون بمنأى عن المجتمع الألماني ولكنهم مطالبون في نفس الوقت بالاندماج فيه، وهذا غير ممكن بل مستحيل. وحتى يدخل السوريون المجتمع الألماني من أوسع الأبواب، بادرنا في تأجير غرفنا الفارغة لدى منازل عائلاتنا". هكذا يروي الطالب الألماني توماس قصة نشأة المبادرة التي أطلقها.
ويرى توماس أن المنفعة ليست فقط للسورين فحسب، بل تطال كذلك عائلات الطلبة الألمان الذين غالباً ما يكونون لوحدهم ولا يعرفون شيئاً عن السوريين. قبل انطلاق هذه المبادرة منذ عدة أشهر، حمل المتحمسون لهذه المبادرة مبتغاهم إلى أوليائهم، فكانت المفاجئة الكبرى كما يقول توماس: "لقد انبهرت بالرد الإيجابي لوالديّ، الذين رحبا بهذه الفكرة وأعربا عن ترحيبهما بالضيف الجديد ورأيا أن عليهما كألمان أن يقدما خدمة للاجئين السوريين".
الرد الإيجابي من قبل أولياء الأمور كان مرده الدافع الإنساني وليس المالي المتمثل في الإيجار الزهيد، وهذا ما تم استنتاجه من قبل غالبية عائلات المجموعة المؤسسة لهذه الفكرة. ثم يضيف الطالب البرليني بالقول: "عقب الترحيب الفوري من قبل المجموعة، سارعنا في تعليق عروض الغرف على لوحات الإعلانات في الجامعة. كان الرد سريعاً من قبل الراغبين من السوريين، وهو ما شجعنا وجعلنا نتوسع في عروضنا على نطاق الجامعات البرلينية ككل".
من جانبه، يرى بيتر بيرغر، والد توماس والبالغ من العمر 65 عاماً، والذي فتح بابه لشاب سوري بات اليوم يقطن معه، الفكرة متميزة وهامة للطرفين كما يقول لـDW عربية: "نحاول بهذه الطريقة إدماج بعض السوريين في مجتمع جديد لا يعرفونه من قبل. هاهم اليوم يعيشون معنا في فضاء عائلي مشترك وبكل احترام لتقاليدهم ودياناتهم. أساهم مع زوجتي في تعريفهم بثقافتنا وتاريخنا الذي ترك بصماته على المجتمع الألماني عموماً". ويتابع بيرغر بالقول إنه يسعى من خلال استضافة أصدقاء للعائلة توسيع حلقة التعارف، مؤكداً على أنه شغوف جداً بالتعرف على الثقافة العربية التي لا يعرف عنها سوى القليل.
شكري الشابي - برلين