لاجئون عرب: مآسي أوطاننا وهمومها تلاحقنا إلى بلاد الملجأ
٣١ أغسطس ٢٠١٦جمال البهادلي شاب عراقي لجأ إلى ألمانيا، ورغم استقراره بعد حصوله على اللجوء، إلا أنه رفض التنازل عن قضية تؤرق وطنه، بل قرر الانخراط في تدشين مجموعة من الأنشطة بهدف التنديد بالعمليات الإرهابية التي تقع في بلده العراق.
خلال وجوده في العراق عمل جمال بائعاً لكتب نقد الدين والتراث. ويؤكد في حديثه مع DWعربية أن ظروف عمله وتدويناته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي ونقد الدين والحكومة دفعته إلى الهجرة في رحلة شاقة من العراق إلى ألمانيا، مروراً بتركيا.
مختلفون عقائديا لكن متحدين ضد الإرهاب
يهتم جمال بأنشطة تعنى بالدعوة إلى وقف الحرب في العراق، ووقف جميع الأعمال الإرهابية التي تؤدي إلى إراقة دماء الأبرياء، كما يوضح. ومن ضمن هذه المبادرات تنظيمه بمساعدة أصدقائه مظاهرة سلمية منتصف آب/ أغسطس في مدينة كنيتلينغن الألمانية، لطالما فكر في تنظيمها حسب قوله. "عندما كنت في العراق لطالما تساءلت: لماذا لا نرى استنكاراً أو تعاطفاً من قبل العرب، عندما يحدث عمل إرهابي جبان في الغرب؟ بعد وصولي إلى ألمانيا تحول التساؤل إلى فكرة دخلت حيز التطبيق"، لتبديد صورة هذا الحياد السلبي.
ويضيف جمال أن من "المفارقات الجميلة" التي صادفته أثناء تنظيمه لهذه المظاهرات وغيرها من الأنشطة، "هي أن معظم العائلات التي خرجت معه مختلفة عقائدياً: عائلة مسيحية وإيزيدية وعائلة مسلمة سنية وأخرى مسلمة شيعية"، بالإضافة إلى جمال الذي لا يؤمن بأي دين، كما يصف نفسه، فهو يرى أن محاربة الإرهاب والدعوة إلى وقف الحروب "تظل قضية إنسانية لا يجب أن تعيقها الاختلافات الدينية والإثنية".
كما أشار أثناء حديثه، أنه غير راض على ما يجري من عبث بحياة الناس في العراق."فرق الموت لا زالت تعبث بالمدنيين وسط فشل حكومي. أيعقل لهذا الحد الإنسان رخيص؟ تؤلمني صور الخراب والدمار في سوريا، يبدو أن كل هذا لا يدعوا العالم للتدخل. في العالم العربي عموماً هناك تكميم للأفواه، وعدم احترام حق الفرد بالحياة".
"الكرامة الإنسانية لم تخلق للعبث والتنكيل بها"
إلى جانب جمال هناك أشخاص كثر، قرروا تكثيف جهودهم لمواجهة الأعمال الإرهابية التي تستهدف بلدانهم الأصلية وألمانيا وجميع دول العالم على حد سواء. نذكر من هؤلاء السيد الجبوري، وهو من اللاجئين العراقيين في ألمانيا. الجبوري المنحدر من أسرة شيعية يشعر بالقلق أيضاً تجاه ما يحصل في العراق، كونه يفكر بأصدقائه وأقربائه. وسبب اشتراكه رفقة أفراد أسرته بالمظاهرات هو شعورهم بخطر الإرهاب الذي كان سبب هجرتهم.
من العراق أيضاً نجد عائلة السيد رمضان، وهي عائلة سنية، الأب يقول إنه بعد قدوم "داعش" وضع أمام خيارين: الهرب أو القتال معهم. فاختار الهرب، مؤكداً في حوار مع DWعربية أنه وعائلته يرفضون العيش تحت رحمة الحرب والتنكيل بالكرامة الإنسانية.
"لا حياة لمن تنادي لكن... سنستمر"
حورية مشهور، وزيرة سابقة في اليمن، لكن الظروف التي تمر بها بلادها حولتها إلى لاجئة في ألمانيا أيضاً. تؤكد مشهور في حوار مع DWعربية أنها تحرص - كناشطة في مجال حقوق الإنسان – "على الدعوة للسلام والأمن من خلال المطالبة بإقرار الديمقراطية والحكم الرشيد وإرساء موازين عادلة في توزيع السلطة والثروة"، معتبرة أن ذلك هو الخلاص من الإرهاب في اليمن وجميع دول العالم. وأيضا لاستقرار الشباب، ولتحقيق موارد بشرية، ستكون الحاجة ماسة إليها في مراحل البناء والتنمية، بعد تحقيق السلام وتجاوز مرحلة الحرب.
كما أشارت مشهور إلى أن "القدرة على التأثير في المجتمع اليمني، لازالت محدودة"، مؤكدة أنه حينما "تلعلع أصوات الرصاص، ويصاب دعاة الحرب بالسعار، يرفضون الإصغاء لدعاة السلام. لكن الاستمرار ضرورة".
عزة الشيخ، كاتب سوري يعيش في ألمانيا منذ 20 عاماً، يشير في هذا الصدد إلى أن دور كل فرد في محاربة الإرهاب بسوريا ومختلف الدول، "مرتبط بمرجعيته الفكرية. وإلى أي مدى تحمل هذه المرجعية أفكارا أساسية، تجد ضالتها في الإنسان. هذا يعني أن كل إنسان يتمسك بإنسانيته سيقف حتما ضد الإرهاب". ويستنتج قائلا "ﻻشيء يعادل الوطن، والوطن ملك لا يعرض للبيع".
معظلة الخلط بين اللاجئين والإرهاب
يقول محمد جاسم، الخبير في شؤون الإرهاب والاستخبارات، ورئيس المركز الأوروبي العربي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، في حوار مع DWعربية: "عندما تتحدث معظم الدول عن الإرهاب، لابد من أن نعي أن هذا الموضوع كان مطروحاً للنقاش قبل قدوم اللاجئين العرب، لكن مع الأسف غالباً ما يحصل خلط بين اللاجئ الهارب من الإرهاب، وجماعات داعش التي تنشط عن طريق إرسال لاجئين إلى الدول الأوروبية".
ويؤكد الخبير في شؤون الإرهاب أن "هناك صورة سلبية قائمة عن اللاجئ العربي، مما يحتم تفعيل حزمة من القوانين الجديدة، من خلال تطبيق المراجعات السياسية التي تم تحديثها في هذا الصدد". مشيراً في الوقت ذاته إلى واجب اللاجئ في الانخراط في المجتمع الألماني بشكل عادي، "بهدف إعطاء صورة معاكسة لما تمت مراكمته مسبقاً"، وأيضاً بهدف نبذ الكراهية، والحديث عن المآسي التي تؤرق بلدانهم التي لازالت تعيش الحرب، "ليتمكنوا من نشر الحقيقة المعاشة كما هي، خصوصاً وأن هؤلاء اللاجئين يفقهون مجموعة من الطروحات المرتبطة ببلدانهم والتي يطرحها المحللون للنقاش".
نبيل يعقوب، عضو سابق بمجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان، يقول في هذا الموضوع "إن معظم اللاجئين أبرياء من تهمة الإرهاب كونهم هاربين من الموت في بلدانهم، بل معظمهم غرقوا في رحلة اللجوء، ولهذا أصبح مطمحهم الأول هو البحث عن حياة بسلام، بالرغم من كونهم أصيبوا بأذى في إطار ظروف سياسية ونفسية صعبة. لكن هناك مجموعة من اللاجئين تأثروا بأفكار إرهابية وعدائية. لكن هذا ليس سبباً كافياً يدعو للتعميم والقول أن اللاجئ العربي هو مصدر الإرهاب بالدول الغربية".
كما أشار المتدخل ذاته، إلى أن هناك مجموعة من اللاجئين العرب الذين يقومون في ألمانيا بأنشطة فردية، يعرضون من خلالها أفلاماً مدبلجة، ومعارض فنية، بمساعدة من المجتمع المدني، للتعريف بشكل واضح بالأوضاع السياسية والاقتصادية، كوسيلة للتعايش والدعوة للحوار لفهم الغضب العربي اتجاه الغرب، واتجاه الدول الكبرى خصوصاً التي تغذي الديكتاتورية في بلدانهم.