لاجئون سوريون ـ فرحة بعيد الميلاد تنغصها كربة المهجر والحرب
٢٥ ديسمبر ٢٠١٦في الوقت الذي كان فيه الأولياء يحتسون مشروبات ويتبادلون أطراف الحديث مع رفاقهم من سكان المأوى الجماعي في حي كرويتزبارغ في برلين، كان ضجيج الأطفال يسمع هنا وهناك، وهم يركضون فضاء القاعة الفسيحة طولا وعرضا، كما بدا شعور البهجة على وجوههم بسبب أجواء الاحتفال بعيد الميلاد المسيحي هناك.
زينت القاعة بشجرة عيد الميلاد الملونة التي كانت تجلب بسحر ضوئها كل الأطفال، حيث كانوا يحومون حولها بإعجاب منقطع النظير، وعلى جدران القاعة عُلقت شموع كهربائية وهي تبث أضواءها الملونة المتراقصة . وكان الأطفال يقفزون ويمرحون عندما بدأوا يصيحون بأصوات عالية " با با نويل، بابا نويل، إنه بابا نويل"، إنها اللحظة التي دخل فيها بابا نويل القاعة وهو يجر عربة مليئة بالهدايا.
لم تغمر الفرحة الأطفال فحسب ،بل كانت عارمة لتطول الأولياء أيضا الذين انبهروا هم أيضا بهذا الرجل الهرم، ذي اللحية الطويلة البيضاء، والذي حل فجأة ضيفا عليهم، كما قال لنا السيد أحمد القادم من مدينة إدلب السورية :" إنها أجواء رائعة ليس للأطفال فحسب بل لنا نحن أيضا. فرحة الأطفال في الأعياد تذكرنا بأعيادنا الإسلامية وإن كانت تختلف شكلا ومضمونا. شيء جميل أن يعيش الأطفال هذه المناسبات الاحتفالية، التي باتت غائبة عنهم منذ اندلاع الحرب في بلدي سوريا" . كان السيد أحمد يتحدث إلينا وقد رسمت الفرحة على محياه. كان ينظر إلى ابنه الذي اتجه مسرعا، كبقية الأطفال إلى منصة العرض، حيث كانت شجرة عيد الميلاد وجلس قربها بابا نويل الذي أحاط به الأطفال من كل جانب.
يعيش الأب السوري أبو رامي مع عائلته الصغيرة منذ حوالي سنة في هذا المركز الجماعي للاجئين، وإن احتفل اليوم مع ابنه وزوجته بالعيد المسيحي، إلا أن صور جحيم الحرب في مدينة حلب لم تفارقه أبدا. "أنا مثل زوجتي سعيد بهذا الحفل البهيج الذي يذكرنا نسبيا بأجواء عيد الفطر والبهجة التي تغمر الأطفال، إلا أننا نفكر بدون انقطاع فيما يحدث حاليا من قتل في مدينتنا حلب، وفي الوقت الذي يحتفل فيه أطفالنا بأسعد الأوقات في بلد آمن" .الوطن السوري الجريح كان حاضرا في القاعة، حيث كان بعض الأولياء على غرار السيد أبي رامي يتبادلون أخبار الوطن التي توصلوا بها عبر هواتفهم الجوالة.
لأول مرة في حياته يعيش أبو رامي هذه الأجواء. لكن بالرغم من شعور البهجة التي يعيشها ابنه الصغير داخل القاعة وبين الأطفال و بالقرب من بابا نويل، إلا أن اللوعة تحرق فؤاده، كما يقول، ثم استرسل قائلا :" كثيرا ما أنشغل بوضع أبناء وطني العالقين في مدينة حلب والذين تمطرهم الطائرات الحربية بالقنابل بدون انقطاع، إنهم يعيشون ظروفا لا يحسدون عليها، وها نحن هنا نحتفل مع لأطفالنا!. شعورنا ممزق بين الفرحة التي يعيشها أطفالنا وآلام الحرب التي يعيشها أهالينا في حلب". لقد كان الأب الحلبي الوسيم يتحدث إلينا وملامح الحزن والحسرة بادية على وجهه.
أطفال يسعدون بهدايا بابا نويل
" أنا سعيد بهذه المهمة التي كلفت بها نهار اليوم، كما ترون كيف سعد الأطفال بقدومي، لقد كانوا بانتظاري بفارغ الصبر" هكذا يقول بابا نويل بحماس وهو يبتسم للأطفال المحيطين به ، حيث أعجبوا بلحيته البيضاء الطويلة ولباسه الأحمر والأبيض.
"بابا نوال" في واقع الأمر ما هو إلا موظف في إدارة المبيت الجماعي في هذه المنطقة من العاصمة برلين. لقد أصر على أن يضطلع بدور بابا نويل حتى يبعث الفرحة والبهجة بين سكان المأوى وبالخصوص الأطفال المصدومين بأحداث الحرب ورحلة اللجوء، ثم أضاف:" لا شك أن الطفل الألماني يسعد برؤية بابا نويل الذي يأتي بالهدايا كل سنة، إلا أن الفرحة هنا لدى هؤلاء الأطفال أكبر بكثير. يبدو لي وكأنهم يرونه لأول مرة ويعتقدون بأني قادم من كوكب آخر."
كانت بهجة الأطفال أكبر حينما أخذ بابا نويل يتحدث مع كل طفل بمفرده ثم يقدم هدية لكل منهم، فلا يسمع المرء سوى شدو وزهو الأطفال الذين انتشروا في فضاء القاعة الرحب وهم يلعبون بهداياهم، غير عابئين بما يحدث حولهم.
الهدايا التي وزعت على الأطفال جاءت من لدن متبرعين، فقد أرادوا إدخال البهجة في قلوب هؤلاء الأطفال، كما يقول مدير المأوى ألكسندر باسدورف، ثم أضاف:" لقد قمنا جميعنا هنا في إدارة المأوى بتنظيم فعاليات هذا اليوم الذي أردنا أن يكون يوما مميزا" وحول مساهمة الأولياء في تنظيم الحفل أضاف قائلا:" لقد كان دور الأولياء إيجابيا جدا، حيث قاموا بتوفير المشروبات والحلويات الشرقية فشاركوا في إنجاح هذه الحفلة ، كما رأيتم، والتي كللت بالنجاح من خلال تزويق القاعة. وقد ترجمت هذه المشاركة رغبتهم في الاحتفال مع الغير والانفتاح على كل ما هو جديد."
شكري الشابي - برلين