كيف يمكن مواجهة الازدحامات في المدن مستقبلا؟
٢٤ سبتمبر ٢٠١٣يعتبر الخبير في قانون السير والتنقل، الأستاذ بالجامعة التقنية في دريسدن، أودو بيكر أن حرية التنقل أو حرية السفر حق من حقوق الإنسان الأساسية، وهذا "لا يعني بالضرورة حقه في استخدام وسائل نقل معينة"، وكل دول العالم ملزمة باحترام ذلك، حيث تشير المادة الثالثة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن "لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود البلد".
ورغم وجود نقاشات عديدة في مختلف أقطار العالم بشأن آليات تطوير الطريقة المثلى لضمان حق التنقل بشكل مستمر، فإن الواقع اليومي يتميز بوجود ازدحامات معرقلة لحركة السير في مختلف مدن العالم، مما يؤدي الى حدوث شلل تام في حركة النقل والتنقل. ويظهر للعيان حجم ازدحام السيارات خصوصا خلال ساعات الذروة. ويعزو الخبراء ذلك إلى ضعف بنية الطرقات في تحمل ذلك السيل الهائل من السيارات وغيرها من وسائل النقل.
ومن يرغب في استخدام وسائل النقل العمومي، فعليه أن يأخذ بعين الإعتبار أن الرحلة قد تستمر لوقت طويل بسبب التأخر الذي يحصل في أوقات عملها ونتيجة ضعف مستوى التنسيق في إدارتها. أما بالنسبة للدراجات الهوائية، فهي عادة ما غير محببة لدى أغلبية الناس، فمن يرغب في الذهاب إلى مكان عمله مبللا بالعرق أو بالأمطار؟
حركة المرور
لا يتسبب الإزدحام في عرقلة حركة المرور فحسب، بل يؤدي أيضا إلى ضجيج أقوى والى ارتفاع مستوى الغازات السامة المضرة بالإنسان والبيئة. وفي هذا الإطار، يحذر الخبير أودو بكير من أن "استخدام سيارات الدفع الرباعي للسفر إلى وسط المدينة ساعات الذروة، والبحث عن مكان لركن السيارة فقط لاكتساح فنجان من القهوة سلوك لا يتماشى نهائيا مع متطلبات العصر".
فما هو الحل إذن؟ هل يتوجب حظر استخدام السيارات التي تنتج نسبا عالية من الغازات السامة؟ إنه تماما الإجراء الذي اعتمدته المدن الألمانية قبل سنوات، وذلك عبر إطلاق نظام بطاقات المناطق الخضراء التي لا تمنح إلا للسيارات أقل ضررا بالبيئة. غير أن ذلك الإجراء لم يعط أكله، حيث لازالت السيارات المضرة بالبيئة تتحرك في الطرقات.
ويعتقد خبير حركة المرور ميشائيل شريكنبيرغ من جامعة دويسبورغ-إيسن أن إقرار ضريبة المرور داخل المدن لن يجدي نفعا، مشيرا في ذلك الى تجربة مدينة سان باولو البرازيلية في هذا المجال، وهي تجربة لم يكن لها مفعول، حيث سرعان ما ارتفع عدد السيارات بعد أن تقلص في البداية بفعل القانون. ومن ثمة يرى الخبير أن الحل الأمثل يكمن في تشجيع الناس على استخدام وسائل بديلة عن السيارات الخاصة.
أوضاع مختلفة
وخلافا لألمانيا فيبدو أن دولا أوروبية حققت بعض النجاح في هذا القطاع. ففي العاصمة الإستونية تالين على سبيل المثال، بات ركوب الحافلات العمومية والمترو بالمجان. مما أدى إلى تراجع مستوى حركة المرور بنسبة خمسة عشرة بالمائة. ويجب الإشارة هنا الى أن مدينة بورتلاند الأمريكية، اعتمدت منذ عام 1975 سياسة النقل العمومي بالمجان ، غير أنها اضطرت في السنة الماضية إلى التخلي عن ذلك بسبب التكاليف الباهضة.
ورغم أن النقل العمومي في ألمانيا يتلقى دعما حكوميا، فإن الدراسات الأخيرة أكدت أن سعر تذكرة القطار أو المترو أغلى بكثير من تكاليف استخدام السيارة الخاصة. ولذلك يطالب حزب القراصنة الألماني بمجانية النقل العمومي. غير أن الديون التي تثقل كاهل البلديات والمدن الألمانية لا تسمح بتحمل مثل هذه النفقات الإضافية.
بين التقليص وتوسيع الشوارع
بالنسبة لمدينة كيمنيس الواقعة شرق ألمانيا فإنها تعاني مشاكل مختلفة، تتمثل في تراجع عدد سكانها ويدفع هذا التطور المسؤولين إلى تقليص شبكة النقل بها. وتقول بيا ساكس من مجلس التخطيط بالمدينة "نحن نفكر بالأحرى في تضييق الطرق، حتى نتمكن من توسيع المدينة القديمة ونجعل منها فضاء سكنيا جذابا".
في المدينة تمّ تطوير ما يسمي بـ"النموذج الكيمنيسي"، الذي يربط بين سكان كيمنيس ومحيطهم القروي، اعتمادا على شبكة نقل تدمج خدمات المترو بالقطارات. ويعني ذلك أن المترو يندمج في شبكة النقل لربط سكان المدينة بالضواحي، فيتم الاستغناء عن القطارات. كما تنوي أجهزة التخطيط في إزالة جميع الحواجز بمحطات المترو بما في ذلك السلالم، حتى يتمكن المسنون من ركوب المترو بسهولة.
ويطالب الخبير أودو بيكر بضرورة اعتماد أفكار جديدة، إذ يقول "نحن دائما نسعى إلى إيجاد حلول قليلة التكلفة، وتجعل التنقل أكثر سرعة. غير أننا ننسى على المستوى الاجتماعي الحفاظ على جاذبية قطاع النقل العمومي". ويضيف الخبير أن بناء الطرقات الكبيرة والواسعة سيدفع بالمواطن إلى التسوق في المراكز التجارية الكبيرة البعيدة، عوض الاكتفاء بالمحلات التجارية الصغيرة القريبة من بيته. وهو ما يعني حسب الخبير "أننا نساهم بذلك في انتاج حركة مرور حتمية".