كيف يتعامل كبار السن في ألمانيا مع كورونا ؟
٢٢ مارس ٢٠٢٠فيرنر رويتر في حيرة من أمره. كان مٌعلم الفنون السابق يخطط لأمسية حافلة لعدد من الفنانين والمسنين. يقول رويتر: " فكرت كثيراً فيما إذا كنت أريد تحمل هذه المسؤولية". فمن ناحية بدأ رويتر التخطيط لهذه الاحتفالية منذ فترة طويلة بدعوة الفنانين والمشاركين وحجز قاعة في المدينة القديمة بمدينة بون. لكن من ناحية أخرى وفي ظل انتشار فيروس كورونا يٌمثل الأمر خطراً مضاعفاً على ضيوفه كونهم جميعاً فوق سن الستين.
يعلم رويتر إنه ايضاً من الفئة المٌعرضة لخطر أكبر في حالة الإصابة بالفيروس، فهو في الثانية والسبعين من العمر. لكنه قرر في النهاية عدم إلغاء حفل "المسرح المفتوح"، حيث أن السلطات الالمانية منعت فقط الفعاليات التي يزيد عدد المشاركين على ألف شخص. في نفس الوقت يتخذ رويتر بعض الإجراءات الاحترازية لتقليل خطر العدوى، فجميع المشاركين عليهم ترك بياناتهم حتى يستطيع رويتر إبلاغهم في حالة تأكد إصابة أحد الحاضرين بفيروس كورونا فيما بعد. كما تعطيه زوجته بعض النصائح للوقاية من العدوى ومنها منع الأحضان والحفاظ على مسافة بين كل شخص وأخر.
الخوف من الوحدانية
خالف رويتر نصيحة زوجته مرة واحدة فقط عند رؤيته لصديق عزيز احتضنه بحرارة. لكنه حاول ألا يكرر ذلك مع الأخرين وحياهم ضاحكاً "تحية الكورونا"، وهي طريقة السلام بكوع اليد التي انتشرت مؤخراً بدلاً من المصافحة بالأيدي. فجميع الحاضرين يعلمون أن إصابتهم بالعدوى قد لا تنتهي بالشفاء. ورغم ذلك لم يرد الكثيرون منهم البقاء في المنزل. أحد هؤلاء ماريون ذات الـ 72 عاماً. فهي تكتب الشعر و ستعرض بعض كتاباتها في الحفل. ماريون أيضاً تعاني من أحد أمراض الجهاز التنفسي المزمنة وتقول: "حذرتني ابنتي من القدوم، ولكني لم أرد إلغاء عرضي."
لوتار هاينريش ايضاً من الحاضرين. جاء للحفل بعد إجراءه عملية جراحية منذ فترة واضطراره للبقاء في المنزل مدة طويلة مما أشعره بالملل. يقول لوتار:" لا أريد المكوث في المنزل مرة أخرى". ثم يضيف بابتسامة تحدي: "سأموت في جميع الأحوال يوماً ما". يتفهم فيرنر رويتر الأمر تماماً، فهو يعلم تأثير الوحدانية على كبار السن: "يصبح الأمر سيئاً بالنسبة لهم عند عدم تمكنهم من مقابلة أخرين". ولكن الخوف من كورونا كان واضحاً في هذه الأمسية، ففي العادة يأتي نحو سبعون شخصاً، أما اليوم جاء حوالي ثمانية عشر فقط. يضيف رويتر ضاحكاً:" من الجيد إنني أحضرت القليل من المقاعد."
"المانيا العجوز"
في ظل تصاعد انتشار المرض ليس في المانيا فقط، بل في العالم كله كذلك، أصبح على العديد من كبار السن أخذ الأمر على محمل الجد. فالخبراء يجمعون على أن تبعات المرض أشد خطورة كلما زاد سن المريض. ووفقاً لتحليل حالات الوفاة في إقليم "هوباي" في الصين قامت به المؤسسة الإخبارية فوكس "Vox" في الفترة بين يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط من هذا العام أظهرت الأرقام أن نسبة الوفاة لدى مصابين تحت سن الستين بلغت أقل من 2 بالمئة. بين سن 60 و 69 زادت نسبة الوفاة لتبلغ 4،6 بالمئة، و بلغت النسبة 9،8 بالمئة لدى المصابين بين سن 70 و 79. أما الأشخاص فوق الثمانين فبلغت نسبة الوفاة لديهم 18 بالمئة.
وتوصل عالم الفيروسات الألماني كريستيان دورستين لنتيجة مشابهة في أبحاثه. فهو يتوقع نسبة وفيات ما بين 20 و25 بالمئة لمن هم فوق سن الثمانين. حتى حالات الوفاة الأولى في ألمانيا أكدت صحة هذه النتائج، ففي ولاية شمال الراين- ويستفاليا توفت سيدة في التاسعة والثمانين من العمر وثلاثة أشخاص أخرين فوق سن السبعين. يُعد الوضع في هذه الولاية هو الأسوأ في المانيا، فحتى الأن توجد أكثر من 1400 حالة مؤكدة، منها 20 حالة في بون التي يعقد فيها فيرنر رويتر أمسية "المسرح المفتوح."
بشكل عام يزداد القلق في المانيا من انتشار فيروس كورونا لهذا السبب، حيث يوجد فيها حوالي 18 مليون شخص فوق سن الستين. وتُعد نسبة كبار السن في ألمانيا أعلى من جميع الدول الأوروبية عدا إيطاليا التي تأتي في المركز الأول.
التعامل في دور المسنين
دور المسنين بشكل خاص عليها مسؤولية كبيرة في هذه الأزمة. فألمانيا تريد تفادي السيناريو الكارثي الذي حدث في بروكسل حيث انتشرت العدوى بين 34 نزيلاً في إحدى دور الرعاية. في النظام الفيدرالي الألماني تقرر الولايات على حدة الإجراءات الوقائية التي تتخذها للحد من انتشار الفيروس. في هذا السياق قامت ولاية بافاريا بتقييد أوقات زيارات العائلات لذويهم في دور الرعاية بشكل كبير. وكانت بافاريا أول ولاية تتبع هذه الإجراءات القاسية لحماية كبار السن من العدوى.
لكن في مدينة بون أيضاً تستعد دور المسنين للمرض. يقول مارسيل زيلينسكي، مدير دار رعاية المسنين "دومهوف": " قيدنا تماماً دخول الغرباء مثل الحرفيين وغيرهم إلى دار الرعاية. كما طلبنا من الأهل عدم زيارة ذويهم إذا لم يكن الأمر طارئاً". ويضيف زيلينسكي أن العديد من الفعاليات تم إلغائها: "نحاول الأن تقديم عروض تسلية فردية للنزلاء بدلاً من العروض الجماعية حتى لا يشعروا بأنهم لوحدهم. جميع النزلاء مشغولون بالوضع، لكن لا يوجد لديهم حتى الأن سبب للفزع."
الشعور بالوحدة من أكبر المشاكل التي تواجه كبار السن. يقول مدير دار "اليزابيث هاوس" إنهم أيضاً قيدوا الزيارات في الدار، ويعترف بصعوبة هذا القرار :"فالنزلاء بالطبع يريدون رؤية ذويهم، هذا مهم جداً لهم." ولذلك تم إبلاغ الأهل أن الزيارات ممكنة فقط في حالة عدم ظهور أعراض الإصابة بنزلة برد عليهم، والتي تتشابه مع أعراض مرض كورونا. كما يتم التشديد على استخدام المواد المعقمة للجميع. فيما يتعلق بالإجراءات الأخرى تتبع دور الرعاية توصيات هيئة الصحة في بون. بشكل عام منعت الولاية بأكملها الزيارات عن المستشفيات ودور الرعاية الخاصة بالمسنين.
حرص بدون خوف
يضحك فيرنر رويتر عندما يتذكر عدد المرات التي يغسل فيها يديه في اليوم: "عندما أعود الى المنزل أغسل يداي مباشرة. ثم الاحظ إنني لم أخلع حذائي، فأقوم بذلك ثم أغسل يداي مرة أخرى". رويتر ليس الوحيد الذي بدأ إتباع الإجراءات الوقائية بحرص أكبر. فالكثير من المتعاملين مع كبار السن بدأوا يلاحظون تغييراً في سلوكهم. تقول أحد العاملات في إحدى خدمات الرعاية ببون:" في الماضي كان المسنون يأتون معنا للتسوق، أما الأن فإنهم يعطوننا فقط قائمة الطلبات ويظلون في بيوتهم". التسوق بشكل خاص شديد الأهمية بالنسبة للمسنين الذين لا يستطيعون الخروج بشكل مستمر. بعضهم بدأ يذهب للمتاجر في غير أوقات الذروة لتفادي الاحتكاك بالأخرين. كما يمكنهم طلب المساعدة من الأهل او الجيران في شراء احتياجاتهم. بالإضافة إلى ذلك تقدم العديد من المتاجر خدمة التسوق الإلكتروني لتسهيل الأمر. ينصح الخبراء الجميع بالاطمئنان على الجار المُسن بين الحين والأخر، سواء عن طريق الهاتف أو بشكل شخصي، ومساعدتهم في هذه الظروف، خاصة أنه لا أحد يعرف متى ستنتهي الأزمة.
"لن يهزمنا كورونا"
حتى الأن كان العديد من المسنين لا يأخذون الأمر على محمل الجد، كما تقول الخبيرة الاجتماعية في الجامعة الكاثوليكية للعلوم الاجتماعية في برلين كلاوديا شاكه. يعود السبب في ذلك إنهم قد مروا بالعديد من الخبرات في حياتهم وعاصروا أزمات أخرى من قبل. كان هذا واضحاً أيضاً في أمسية "المسرح المفتوح" في بون، حيث قرأ فيرنر رويتر قصيدة كتبها كخطاب من فيروس كورونا للإنسان أضحكت الحاضرين. لكن رغم أخذ الأمور ببساطة، إلا أن رويتر يعلم إنه من غير المنطقي الاستمرار في إقامة هذه الفعاليات في ظل الظروف الحالية، خاصة وأن عدد الحضور قليل. لكنه لا يستسلم للأمر الواقع، ويتمنى بعد انتهاء الأزمة "إقامة احتفال كبير والتواصل مع بعضنا البعض أكثر من قبل".
جيكوش شيمانوفسكي/ خ.س