كيف نحمي النحل من الحر ونؤمن إمدادات الغذاء العالمية؟
٢٨ سبتمبر ٢٠٢٢فيما انتهى الصيف رسميا في نصف الكرة الأرضية الشمالي، وبدأ الربيع قبل أيام في جنوبها، تواصل الفراشات والنحل، بالتعاون مع جيوش أخرى من الملقحين، بدءا من الوطاويط وحتى الخنافس، بذل قصارى جهودها لتلقيح الزهور، التي تتحول فيما بعد إلى الطعام الذي نأكله. فهي تلعب دورا حيويا في تأمين امتلاء رفوف المتاجر سنويا بالفواكه والخضروات المغذية.
وفي المقابل، لا تقف النباتات مكتوفة الأيدي في هذه المسألة، بل تقدم بدورها بعض "المغريات"، كالزهور المفعمة بالرحيق عالي الطاقة، وحبوب اللقاح الثمينة، لضمان اجتذاب النحل إليها وغيره من الملقحين.
ولكن كما نعانى نحن من درجات الحرارة العالية في فصل الصيف، تواجه النباتات والملقحون المعاناة ذاتها. فكل المحاصيل الزهرية، بدءا من السلجم وحتى التوت البري، تصارع من أجل إنتاج الرحيق وحبوب اللقاح بنفس الكيفية والجودة، التي اعتادت عليها، لضمان استمرار جذب النحل إليها، ومن ثم ضمان تكاثرها بأمان.
في الوقت ذاته، يضطر النحل للبحث والسفر لمسافات أطول، بحثا عن المواد الغذائية المناسبة، التي تضمن له أيضا تكاثرا آمنا. إنها حلقة مفرغة.
وبينما يعد الحد من استهلاك الوقود الأحفوري على المدى الطويل، هو الحل الضروري والأكثر فاعلية في مواجهة درجات الحرارة المرتفعة، لاتزال هناك بعض الإجراءات التي يمكنها التخفيف من وطأة حرارة الجو.
حماية النحل والمحاصيل في الحر
تعد استراتيجية "تظليل المحاصيل" واحدة من الاستراتيجيات القادرة على تنظيم درجة حرارة التربة مع اشتداد الحرارة في ذروة فصل الصيف، إذ أثبتت فاعليتها في زيادة إنتاجية محاصيل الخضروات الزهرية، مما يعنى أنه تم الحفاظ على مستوى إنتاج حبوب اللقاح بتلك النباتات.
أيضا، تساعد عملية تغطية التربة بطبقات من نشارة الخشب في الحفاظ على مستوى رطوبتها، والتقليل من درجة حرارتها خلال فترات الحر الشديد.
وبشكل عام، ينصح الخبراء بالحد من استخدام الأسمدة مع ارتفاع درجات الحرارة، بحيث يتم توجيه الطاقة لإنتاج رحيق عالي الجودة، بدلا من استهلاكها في مسألة حماية النبات نفسه.
على الصعيد نفسه، يؤكد الباحثون أن زراعة محاصيل متنوعة وراثيا تساعد النباتات على التطور بشكل أفضل، لتصبح أكثر تكيفا مع تطرف المناخ. فهذه الاستراتيجية فعالة في الحفاظ على تنوع الملقحين على النباتات، فضلا عن مكافحة الآفات والأمراض، والحفاظ على صحة التربة، والتنوع البيولوجي.
كيف يؤثر الحر سلبا على رحيق الأزهار وحبوب اللقاح؟
تعتمد نحو 80٪ من مجمل المحاصيل الزراعية والنباتات البرية الزهرية في الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على تلقيح الحيوانات لها. فنحو 3,7 مليار يورو ( 3,8 مليار دولار) من إجمالي الناتج الزراعي السنوي للاتحاد الأوروبي قائم بشكل مباشر على نجاح جيوش الملقحين، كالنحل، في مهمتهم.
وفى دراسة، تعود لعام 2021، حول مدى تأثير تغير المناخ على تعامل النحل مع المحاصيل، وجد الباحثون أن "ارتفاع درجات الحرارة، والإجهاد المائي يؤثران على كل من كمية ومحتوي موارد الزهور في المحاصيل، التي تعتمد في تلقيحها على النحل".
وذكرت الدراسة أنه "لدى ملاحظة تأثير الحرارة والإجهاد المائي على نبات لسان الثور، مثلا، الذي ينمو على نطاق واسع في أوروبا، تبين انخفاض مستويات السكر، ومحتوى الحمض الأميني في رحيق زهرته، بل وتراجع حجم الرحيق بشكل عام بنسبة بلغت 80٪".
وتراجع نسبة السكر في رحيق الأزهار يعنى بالتبعية "مغريات أقل" بالنسبة للملقحين، كالنحل المنتج للعسل، الذي سيفضل على الأغلب تجاهل مثل هذه الأزهار، وعدم الالتفات إليها.
تكاثر النحل يعتمد على حبوب اللقاح
كمية أقل من السكر في رحيق الأزهار تعنى التأثير بالسلب على أداء النحل خلال تحليقه، وفقا لتأكيدات الخبراء.
وفي هذا، توضح جينا والترز، الباحثة في جامعة ولاية ميشيغان الأميركية، والمتخصصة في دراسة التفاعلات بين النحل والنبات، أن "النحل يميل إلى تفضيل الرحيق الغنى بالسكر عن الغنى بالبروتين خلال بحثه عن الغذاء، على اعتبار أن السكر يمده بالكربوهيدرات والطاقة اللازمة للطيران والتحليق". كما أن حبوب اللقاح لا تستخدم فقط في تخصيب النباتات، بل في إطعام يرقات النحل أيضا، وهي واحدة من أبرز المشكلات التي تواجه النباتات المجهدة بفعل ارتفاع درجات الحرارة، حيث تنتج كميات أقل منها.
ولا تقتصر مشكلة محدودية حبوب اللقاح على نسل أقل في المستقبل، بل قد يتسبب ذلك أيضا في ارتفاع أعداد الذكور في الأجيال الصاعدة، مقارنة بالإناث. فالمشكلة تكمن، وفقا لوالترز، في أن "الإناث هي الملقحات الأولية للنباتات، ومن ثم فإن تراجع تعدادها يعنى محاصيل أقل في المستقبل، بل ونحلاً أقل أيضا، حيث لن توجد إناث كافية للتزاوج، ووضع البيض".
ومع تواصل تراجع "خدمات التلقيح الأنثوية"، ستستمر دورة تراجع المحاصيل الزراعية دون توقف.
إنشاء أنظمة زراعية مقاومة للحرارة
ارتفاع درجات الحرارة بشكل مستمر، أوجد حاجة ملحة لتطوير محاصيل أكثر مقاومة للحرارة، وسلالات مختلفة من حبوب اللقاح، لضمان استمرار مهام النحل في التلقيح والتكاثر. وفى هذا، أثبتت دراسة علمية أن النباتات البرية تتميز بكونها أكثر مقاومة للحرارة، مقارنة بغيرها، حيث تأثر محتوى الرحيق في زهورها، رغم الإجهاد المائي والحرارى، بشكل أقل.
لذا ينصح الباحثون بزراعة مثل تلك الزهور بالقرب من غيرها من المحاصيل، حيث أثبتت تلك الطريقة فاعليتها في التحسين من إنتاجية المحاصيل بشكل عام، بعدما عززت الزهور البرية من زيارات النحل للمنطقة بشكل عام.
في الوقت نفسه، يعمل العلماء على تطوير سلالات جديدة من حبوب اللقاح أكثر مقاومة للحرارة، وجينات نباتية قادرة على مقاومة الإجهاد بشكل عام، لضمان الحفاظ على جودة عملية التكاثر والتلقيح.
فبالنسبة لوالترز، يعد الفهم الجيد لتأثير الإجهاد الحراري على ملقحات المحاصيل أمرا أساسيا لخلق ما تسميه هي وفريقها ب "أنظمة زراعية مستقبلية مقاومة للحرارة".
ستيورات براون / م.إ