كيف فاقم قانون الجمعيات الجديد محنة النشطاء في مصر؟
١٥ يناير ٢٠٢٢
ضربة كبيرة تلك التي تلقاها المجتمع الحقوقي في مصر هذا الأسبوع، وذلك بعد إعلان الشبكة العربية لحقوق الإنسان، المعروفة اختصارا بـANHRI عن توقيف نشاطها بسبب "غياب الحد الأدنى من سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان " إثر استمرار الملاحقات الأمنية والتهديدات ضد فريق الشبكة.
"كان هناك كذلك محاولات لأجل توظيف عدد من أعضاء فريقها بالقوة، لأجل أن يعملوا كمخبرين وجواسيس ضد الشبكة"، يقول جمال عيد، مؤسس بـANHRI لموقع DW.
القرار جاء في اليوم الأخير من الأجل الذي حددته السلطات المصرية للمنظمات غير للحكومية، أو الجمعات الأهلية حسب الوصف المحلي، لأجل تسوية وضعها القانوني تحت قانون جديد مثير للجدل خاص بهذه المنظمات، وهو القانون الذي من المنتظر أن يدخل حيز النفاذ هذه السنة.
تمّ إعداد هذا القانون عام 2019 ويضع معايير صارمة لعمل المنظمات المدنية كما يعطي صلاحيات كبيرة للسلطات حتى تراقب وتتحكم في عمل هذه المنظمات وكذلك في تمويلها، كما يمنعها من التعاون مع المنظمات الأجنبية ومن إنجاز استطلاعات رأي أو نشر نتائجها دون إذن حكومي.
وأكثر ما أثار النقاش، هو منع هذه المنظمات من أيّ عمل "سياسي" من شأنه أن "يهدّد الأمن القومي"، وهو ما يعتبره متابعون بندا فضفاضاً قد يمنع أنشطة هذه المنظمات تحت اجتهادات من السلطة. ويضع القانون عقوبات مالية باهظة في حال خرق بنوده قد تصل إلى مليون جنيه مصري حوالي (52,500 ألف أورو).
الدولة تدافع
في بيان مشترك، طالبت 17 منظمة مصرية ودولية، منها معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، البرلمان المصري بسحب هذا القانون، والعمل المشترك مع المنظمات المستقلة لحقوق الإنسان لأجل صياغة إطار قانون جديد يضمن حرية تكوين الجمعيات بما يتوافق مع القوانين والمعايير الدولية.
لكن السلطات المصرية ترفض الانتقادات الدولية، ويقول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسين إن القانون الجديد "سيحمي حقوق الإنسان وسيتيح تأسيس المنظمات غير الحكومية من خلال تقديم إشعارات للسلطات بدلا من الحصول على إذن حكومي"، متحدثا في كلمته بالمونديال العالمي للشباب عن أن هذا القانون يندرج في سياق مقاربة تدبير مجال حقوق الإنسان في مصر.
ومن المفارقات أن آخر أجل لتسجيل المنظمات في إطار القانون يأتي أياما قليلة قبل إحياء الذكرى الـ11 للثورة المصرية التي يحييها المصريون يوم 25 يناير، ففي هذا اليوم من عام 2011، أدت المظاهرات الواسعة إلى تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك.
دخلت مصر في فترة حكم المجلس العسكري لمدة 18 شهرا، وشهدت صيف 2012 تنظيم أول انتخابات رئاسية بعد الثورة، فاز فيها مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، لكن عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، قاد انقلابا عسكريا مدعوما من فئات واسعة في مظاهرات 30 يونيو 2013، قام من خلاله بعزل مرسي، وتحول لاحقا إلى رئيس للبلد في انتخابات 2014، وأعيد انتخابه عام 2018.
وشهدت مصر خلال السنوات الأخيرة تراجعا كبيراً في حقوق الإنسان، من أكبر أوجهه ارتفاع أعداد المعتقلين السياسيين والصحفيين، وتضع لجنة حقوق الإنسان مصر ضمن أكثر الدول سجناً للصحفيين في العالم.
وترى حفصة حلاوة، باحثة زائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في حديث مع DW أن قرار الشبكة العربية لحقوق الإنسان، هو نتيجة لسنوات من الهجمات ضد المجتمع المدني في مصر.
رسالة إلى بقية المنظمات
وتقول حلاوة: "في الوقت الذي يعدّ فيه القانون عاملاً مساهما، فالأجواء التي أُجبرت فيها المنظمات الحكومية على العمل خلال العشرية الأخيرة كانت خطيرة، ونوايا النظام -التي ظهرت في الحملات والاحتجاز والتحقيقات القضائية بدلاً من الإغلاق القسري- كانت تدفع عدد من هذه المنظمات نحو اتخاذ قرارات مشابهة وتوقيف أنشطتها بنفسها".
كلام الخبيرة يظهر في قرارات اتخذتها منظمات حقوقية منذ مدة بمغادرة القاهرة، والاعتماد على تقارير ومعطيات الشبكة العربية لحقوق الإنسان ونشطاء حقوقيين في الميدان.
"إغلاق ANHRI وهي واحدة من أقدم منظمات حقوق الإنسان في مصر ومن أكثرها مصداقية، يعدّ مثالاً على التهديد المتواصل الذي تعيشه هذه المنظمات، يقول حسين بيومي، باحث في الشأن المصري بمنظمة العفو الدولية، لـDW.
ويعرب بيومي عن أمله في أن يواجه المجتمع الدولية حملات "القمع الشرسة" في مصر، عبر إجراءات منها آلية للرصد والإبلاغ عن حالة حقوق الإنسان في مصر في جلسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في مارس / آذار القادم. ويتحدث أنه في حال عدم وجود هذا الضغط، فلن تكون ANHRI الوحيدة التي ستوقف نشاطها.
العمل الحقوقي المستقل صارا تقريبا مستحيلا
هذا ما تقوله هيومن رايتس ووتش في تقريرها السنوي الأخير، مطالبة قادة الغرب "بعمل أفضل" ضد الأنظمة الأوتوقراطية. ويتحدث ممثل من المنظمة لـDW أن على المجتمع الدولي "ألا يسمح للسلطات المصرية بتدمير المجتمع المدني، الذي كان نابضا بالحياة، دون دفع الثمن".
كما تشير منظمة لاين ديفيندرز، ومقرها دبلن، في تصريح لـDW إلى أن ANHRI كانت شريكا رئيسياً ومصدرا ذي مصداقية، وكانت تتواصل مع المنظمات الدولية حول قضايا نشطاء حقوق الإنسان الأكثر تهميشا وغير المعروفين لدى بقية المنظمات الدولية.
يذكر أن مصر أعلنت عام 2022 عاما للمجتمع المدني، كما أعلن الرئيس السيسي عن استراتيجية وطنية لاحترام حقوق الإنسان، لكن الوضع لا يبدو مبشرا. ومع ذلك يرفض جمال عيد التوقف عن الدفاع عن حقوق الإنسان.
"سأعمل محامياً مستقلاً في القضايا المتعلقة بسجناء قضايا الرأي والتعبير، كحمد أكسجين وعمر إمام والعشرات من المعتقلين الشباب غير المعروفين، من مدن أخرى غير القاهرة بالضرورة" يقول جمال عيد.
ويضيف أن إيقاف عمل الشبكة ليس هزيمة أو استسلاما، بل هي استراحة محارب حسب تعبيره، مضيفا: " لا يمكننا الاستسلام للديكتاتورية والحرمان من دولة العدل وحقوق الإنسان".
جينفير هوليس/إ.ع