كيف غيّرت أوروبا سلوك المهاجرين؟
٩ سبتمبر ٢٠١٨"لم أعد أغضب.. ولم أعد أخاف"، هكذا تصف علا السيدة الثلاثينية، الصفات التي اكتسبتها من العيش في أوروبا، تقول علا لمهاجر نيوز "منذ قدومي إلى ألمانيا قبل أكثر من 3 سنوات، تخليت عن شعور الخوف على الحدود، شعرت بطمأنينة لم أكن أشعر بها وأنا بين أهلي وأقاربي في دمشق، وهذا انعكس على طبيعتي فلم أعد أغضب، كل شيء في حياتي أصبح إيقاعه أهدأ، ليس أبطأ بل فقط أصبحت هادئة".
علا التي تعيش بمفردها في ألمانيا، تعتبر أن تجربتها هنا ليست بالسهلة أبدا، فهي تعيش بمفردها في قرية بالريف الألماني تقول "لقد علمتني ألمانيا أن أعيش بمفردي، أن أتأقلم مع الوحدة، وهو ما لم أكن أتخيله يوما أن أدرب نفسي على ذلك. أن أشعر بأهمية الناس من حولي لندرتهم، أكسبتني كما أفقدتني حياتي هنا، لكن الذي لم يتغير فيّ ولا يمكن أن أغيره، هو قناعاتي التي أصبحت أعيشها بحرية أكبر هنا".
عاداتي اليومية تغيرت
علا واحدة من آلاف الناس الذين اضطروا لتغيير الكثير من شخصيتهم وسلوكهم، عن قناعة أو لأنهم مضطرون، أو من دون أن يعوا ذلك، كما يصف أمجد الشاب العشريني الذي يقيم في ألمانيا منذ 3 سنواتٍ تقريبا، يشرح أمجد الأمر لمهاجر نيوز بقوله إن "أهم ما أكسبتني إياه ألمانيا هو قيمة الوقت، أو ربما احترام الوقت بتعبيرٍ أدق. ولقد تعلمت ذلك بصعوبة، فعندما كنت أتأخر عن موعد قدوم الباص كنت أضطر للمشي لنصف ساعة تقريبا تحت المطر. كما أنني أصبحت مرتاحا أكثر مع نفسي، لم أعد مضطرا لشرح معتقداتي وأفكاري لأحد. لم أعد مضطراً لإعطاء مبررات لأي شيءٍ أقوم به. كما أنني تعلمت تقبل الآخر أكثر، وخفّ تعصبي".
لكن أمجد لم يستطع تغيير أشياء كثير في شخصيته، كشعوره الدائم أنه مسؤولٌ على أسرته، مع أنهم مستقلون بشكل تام، ويتابع "أحيانا أحاول إقناع نفسي بأني ولدت من جديد هنا عام 2015، وكل ما كان قبل ذلك كان غير موجود".
أما أحمد الذي يحاول التأقلم مع حياته الجديدة في فرنسا، منذ عدة أشهر، يرى أن هناك تغيرا طرأ على حياته من دون أن يشعر، ويوضح ذلك لمهاجر ينوز بأنه غير عادته اليومية "بشكل تلقائي، إيقاع حياتي، بدأت أقوم بفرز القمامة بشكل تلقائي دون تفكير، الالتزام بإشارات المرور. تعلمت الانضباط في إيقاع الحياة، أن أخرج على موعد قدوم القطار. كلها تفاصيل تغيرت فيّ من دون أن أشعر، لكن ما الذي لا يمكن أن استغني عنه، لا يمكنني الجزم فلو لن أتغير يعني أني توقفت عن التطور".
أوروبا ليست السبب!
راما درويش صحفية سورية تقيم في قرية بالقرب من مدينة هانوفر في منذ عدة سنوات، لا ترى أن التغير الذي طرأ على حياتها سببه انتقالها إلى أوروبا، فالتغيير الذي طرأ على شخصيتها كان نتيجة العمر والتجربة وفقدان الحاضنة الاجتماعية، وتقول راما لمهاجر نيوز "هنا بدأت أركز على نفسي، لأعرف أكثر ما الذي أريده، وما زلت أحاول. ربما تغيرت أمور في يومياتي، أصبحت أعيش وفق النظام الأوروبي للمواعيد، إجازة مركزة بدلاً من عطل متكررة. تفاصيل صغيرة، لكن ما لاحظته هو أني بدأت أهتم بأخبار أوروبا وأقرأ أكثر عن الحياة في ألمانيا والسياسة هنا، طبعا بالإضافة إلى ما يحصل في سوريا".
وترى راما انه ليس هناك شيء غير قابل للتغير في الحياة، لكن عادةً ما تميل إلى فعل أشياء اعتادت على القيام بها، على سبيل المثال لم تكن تحب الشراء من المحلات الكبيرة، وما زالت تبحث عن الداكاكين الصغيرة في ألمانيا. لكن هذا، كما تؤكد راما، له علاقة "بشخصيتها هي ولا علاقة لأوروبا أو للمكان بتغييره أو اختفائه".
منذ سنوات عندما كان مجد طبيب الأسنان يقيم في بيت والديه في دمشق، لم يكن يتذكر تناول طعامه إذا لم يكن هناك من يعده له، ولم يكن يقوم بأي شيءٍ من مهام المنزل، لكن بعد سنوات من العيش في أوروبا، تعلم كيف يتخلى عن "اتكاليته" كما يصف ذلك لمهاجر نيوز ويقول "لم أعد اتكاليا وأصبحت أعتمد على نفسي، هذا أول ما تعلمته هنا، الحياة بمفردي، كذلك اكتسبت التقبل غير المشروط للآخر". ويرى مجد أنه لن يغير طريقته في كسب أصدقاء جدد، مهما قيل عن برود العلاقات في أوروبا، "ما زلت أقوم بالمبادرة، وقيادة الحديث، وهذه الطريقة تنفع هنا، فلدي أصدقاء ألمان أكثر من سوريين".
"الصدق.. والمساواة"
يمان التي تعيش مع عائلتها منذ ثلاث سنوات في ألمانيا تقول "لقد تعلمت الكثير واستفدت من تجربتي هنا، بدأت باستخدام لغتي الانكليزية التي لم أكن أعطيها أهمية في حياتي، تعرفت على أناس من ثقافات مختلفة. لم أعد أستمع لفيروز صباحًا مع فنجان القهوة، فلم يعد لدي وقت. لكن الأهم أني تناصفت أدوار الحياة مع زوجي بعدالة، لم يعد الطبخ مهمتي فقط، وهو شراء الحاجيات، أصبحت كل المهمات متقاسمة بيننا بحسب وقت كل منا. فنحن الاثنان نعمل، تعلمنا أن نقوم بكل شيء بيدينا، تركيب الأشياء، الدهان، تنظيف البيت، فهذه أمور لا يوجد من يقوم بها عنك هنا". وترى يمان أن ما لا يمكن أن تتخلى عنه هو "اللغة العربية"، حيث ستستمر بتعليم أولادها لغتهم الأم، كذلك حجابها.
أما كندة الصبية العشرينية القادمة من سوريا، فترى أن ما تعلمته في ألمانيا قبل كل شيء هو "الصدق، وتقول لمهاجر نيوز "لم أعد أكذب، أصبحت أكثر انضباطا وأكثر صراحة ومباشرة. لكني لم أتخل عن الدفء بمشاعري، ولم أتخل عن حس الفكاهة السوري".
بينما يرى طالب أن ما أكستبه إياه أوروبا هو نفسه ما تخلى عنه إذ لم يعد متحيزا لسوريته، وقوميته على حساب باقي القوميات والجنسيات، ويتابع "كما سمحت لي بالتقرب من ثقافات مختلفة، لم يعد لدي إيمان بالقوة ولا بالحدود. لكن في نفس الوقت لن أتخلى عن شعوري بأني سوري، ولن أتخلى عما هو جميل من تقاليدنا وعاداتنا".
ثورة وليس تغيير
لكن العيش في أوروبا، كان بمثابة فرصة لإنشاء ثورة على حياة ومعتقدات خالد السابقة، والذي وصل إلى ألمانيا عام 2014، أعاد التفكير بكل جوانب حياته هنا، ويرى اليوم نفسه شخصا آخر، مختلف عن ذاك تماما. و"ربما كانت فرصة العيش من دون أن يحكم عليك أحد ويحاكمك" هي السبب في إحداث هذا التغيير في حياته. ويقول خالد لمهاجر نيوز "لم أعد مقتنعاً بكل العادات القديمة، تغيرت كثيرا حتى معتقداتي الدينية تغيرت. أصبحت أشعر بالآخرين أكثر، أحب مساعدة الآخرين لأني كنت مثلهم يوما ما، اختلفت نظرتي للحرية، وقيمة الإنسان". ويختم خالد حديثه مع مهاجر نيوز "ما لم يتغير في حياتي ربما فنجان قهوة الصباح وصوت فيروز، وعلاقاتي بمن أحب".
المصدر: مهاجر نيوز