كنوز التراث العالمي من باد هومبورغ إلى ريغينسبورغ
١٧ سبتمبر ٢٠١٢
نبدأ رحلتنا من مدينة باد هومبورغ، حيث يوجد هناك أطول مبنى يعود للعصر الروماني في المدينة، الطريق يمر بنا على ميسيل إحدى المواقع الأثرية وأغناها من ناحية الأثريات التي عُثر عليها هناك والتي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ. ثم ننتقل جنوباً إلى مدينة ريغينسبورغ، حيث البلدة القديمة التي تعتبر أكبر مدينة ألمانية تعود إلى العصور الوسطى ومازالت قائمة ومحافظة على شكلها الأصلي.
قبل حوالي ألف وتسعمائة سنة سكن الرومان في هذه المنطقة الواقعة الآن بين مدينتي كوبلينس وريغينسبورغ. وهنا شيّدوا أطول مبنى في تاريخ حضارتهم، حيث يمتد هذا الحصن، أو الجدار المانع والذي يطلق عليه الألمان "أوبر غيرمانيشه ريتيشه ليمس" ويعود مع كل قلاعه الحدودية إلى عصر الأنتيكة، على طول خمسمائة وخمسين كلم، وقد انضمت هذه التحفة المعمارية إلى لائحة كنوز التراث الثقافي العالمي عام 2005.
وكان هدف الإمبراطورية الرومانية المتقدمة آنذاك بناء حصن منيع يردع القبائل الجرمانية البربرية عن أماكن الاستقرار الروماني. والجدير بالذكر أنه خلال الحفريات وعمليات التنقيب الأثري في القرن التاسع عشر عُثر على بقايا كثيرة من هذا الحصن الحدودي.
واليوم يستطيع المرء أن يزور بعض مواقع المخيم العسكري الروماني المحصن التي اُكتشفت على امتداد الجدار المانع، "أوبر غيرمانيشه ريتيشه ليمس" عند قلعة زالبورغ بالقرب من مدينة باد هومبورغ.
ويذكر أن قلعة زالبورغ مع القرية المحيطة والحمامات التابعة لها هي القلعة الحدودية الرومانية الوحيدة في العالم كله أعيد تشييدها من جديد على شكلها الأصلي.
شواهد على تاريخ طويل
كيف كان شكل العالم في العصور القديمة؟ يمكن للمرء أن يأخذ نظرة على ذلك في ميسيل، فحفرة ميسيل هي ما تبقى اليوم من بحيرة بركانية عمرها قرابة سبعة وأربعين مليون سنة. وحفرة ميسيل البركانية التي تحيطها غابة كثيفة، هي الآن موقع احفوري فريد لحثييات النباتات والحيوانات من عصور ما قبل التاريخ. وقد اكتشف العلماء إلى الآن قرابة الثلاثين ألف وديعة أثرية، من بينها أربعون نوعاً مختلفاً من عظام الثدييات. جعلت اكتشافات مثيرة وفريدة من نوعها تعود إلى عصور ما قبل التاريخ الإنساني، مثل خفافيش الحقل وأحصنة وتماسيح، حفرة ميسيل تندرج على لائحة منظمة اليونسكو لكنوز التراث الطبيعي العالمي سنة 1995.
وفي مدينة فورتسبورغ على مسافة ساعة ونصف الساعة باتجاه الشرق تقع حديقة القصر ومقر أسقف مدينة فورتسبورغ، هذا المبنى الذي شُيد بين عامي 1720 و1744 تحت إشراف المهندس المعماري بالتازار نويمان بالتعاون مع أشهر المعماريين العالميين آنذاك والرسامين والنحاتين والحرفيين وخبراء الديكور. وشيّد قلعة فريدة من نوعها على الطراز الباروكي.
الجدير بالذكر أن الرسام الزخرفي جيوفاني باتيستا تيبولو من مدينة البندقية ترك في هذا البناء بصمة من روائعه الفنية التي تعتبر بلا منازع من التحف الأجمل في العالم، ألا وهي الجدارية في صالة الإمبراطور واللوحة السقفية الضخمة التي تغطي سقف بئر السلم في القلعة. كل هذا البناء الضخم وما يتبعه من تحف فنية أدرج على لائحة كنوز التراث العالمي لمنظمة اليونسكو سنة 1981.
سيناريو السلطة
محطتنا التالية هي مدينة بامبرغ التي تقع على بعد مئة كيلومتر إلى الشرق من فورتسبورغ. هاينريش الثاني قيصر الإمبراطورية الرومانية المقدسة اتخذ من مدينة بامبرغ مقراً لإقامته وإدارة سلطته سنة 1007.
كان الحديث آنذاك عن بناء مدينة كبيرة تضاهي مدينة روما بالشكل والمكانة التاريخية، لكن بامبرغ أصبحت مدينة ذات ميزة خاصة من خلال مخططها المعماري، الذي شيّدت على إثره وجعلها مثالاً فريداً من نوعه للطراز المعماري الروماني الأول.
في نقطة نهاية تقاطع طرق يشبه شكل الصليب المسيحي شيدت أربع من كنائس البلدة القديمة، التي تتقاطع مركزياً مع كاتدرائية البلدة. في هذه الكاتدرائية يوجد أشهر معالم المدينة وهو فارس بامبرغ. هذا التمثال الحجري للفارس وحصانه شُيد في القرن الثالث عشر بهدف تكريم القيصر هاينريش الثاني وزوجته كونيغوندا اللذان دُفنا في الكاتدرائية.
في عام 1983 أُدرجت البلدة القديمة لمدينة بامبرغ وكل ما يتبعها من أبنية أثرية مثل المقر السابق لأسقف المدينة ودار البلدية الذي يلتف حوله نهر ريغنيتس على لائحة التراث الثقافي العالمي.
وما أن نبتعد سبعين كيلومتر من بامبرغ حتى نصل إلى أحدث موقع من كنوز التراث الثقافي العالمي في ألمانيا وهو دار الأوبرا في مدينة بايرويت، الذي أُدرج على هذه اللائحة منتصف عام 2012. هذه الدار التي تعتبر من المسارح القليلة المتبقية من القرن الثامن عشر في أوروبا، شُيدت خلال أربع سنوات وافتتحت سنة 1750. ويعتبر الأثاث والديكور الداخلي لدار الأوبرا فريداً من نوعه على الإطلاق، حيث يوجد فيها زخارف الجص الفخمة وخلفيات جدارية رُسمت باليد ومنصات محفورة ومنقوشة على الطراز الباروكي.
بقايا معمارية من العصور الوسطى
وما أن ننطلق باتجاه الجنوب الشرقي من مدينة بامبرغ حتى نصل بعد ساعتين من السفر إلى مدينة ريغينسبورغ، بلدة هذه المدينة القديمة أُدرجت سنة 2006 على لائحة كنوز التراث الثقافي العالمي.
في هذه البقعة الصغيرة يوجد قرابة الألف نصب أثري يعود إلى العصور الوسطى، وهذه الآثار تشمل كاتدرائية المدينة "سانت بيتر" التي شيّدت على طراز الكاتدرائيات الفرنسية. وتضم المجموعة التي تعتبر من كنوز التراث العالمي بعض من الأبنية السكنية وأخرى التجارية التي كانت تخص الطبقة العليا.
وتعتبر البلدة القديمة في مدينة ريغينسبورغ أكبر مدينة ألمانية تعود إلى العصور الوسطى ومازالت قائمة ومحافظة على شكلها الأصلي إلى يومنا هذا.