كنوز التراث العالمي في ألمانيا: من هيلدسهايم إلى آيزناخ
٣١ يوليو ٢٠١٢تبدأ رحلة الكشف عن معالم التراث العالمي من مدينة هيلدسهايم في الجنوب الشرقي لولاية سكسونيا السفلى. في هذه المدينة الجذابة تم عام 1985 إدراج اثنتين من روائع الفن الروماني على لائحة كنوز التراث العالمي: كاتدرائية المدينة وكنيسة القديس ميخائيل البازيليكية، إضافة إلى كل ما تضمانه من كنوز فنية قيمة.
كنيسة القديس ميخائيل البازيليكية، وهي بناية معقدة بأبراج ركنية ودائرية، تُسمى أيضاً بـ"هيملسبورغ" أي "برج السماء". وداخل هذه الكنيسة، التي شيدت عام 1022 وتطل على المدينة التاريخية القديمة، توجد لوحة سقفية من الخشب، تُعد فريدة من نوعها ويزيد طولها على ثلاثين متراً ومحفور عليها شجرة عائلة السيد المسيح.
أما الكاتدرائية التي شيدت عام 1061، فلا تخلو هي الأخرى من كنوز قيمة، حيث يحفظ أهل المدينة في داخلها الكثير من الكنوز الفنية البرونزية القديمة. ويعتبر غصن الورد الذي يمتد على السور الخارجي للكاتدرائية، معلماً مهماً من معالم هيلدسهايم. ويُقال إنه مازال منذ ألف عام يمن على المدينة بأزرار الورود الجميلة. وهناك أساطير كثيرة حيكت حوله وما زالت قائمة حتى يومنا هذا، ويعرفها الكثير من سكان المدينة عن ظهر قلب.
معالم أثرية من التاريخ الصناعي
المحطة الثانية في رحلتنا لم يكن بيتاً من بيوت الله، وإنما زرنا معلماً من معالم التاريخ الصناعي في ألفيلد، ألا وهو مصنع الأحذية فاغوس. ويعتبر هذا المصنع الذي صممه الفنان المعماري فالتر غروبيوس عام 1911 أول مبنى صناعي حديث في العالم. فمظهره الخارجي الأنيق، بسبب واجهاته الزجاجية التي تسمح بدخول الضوء إلى ورش العمل الداخلية، يعطيه سمة الخفة المعمارية. لقد أراد غروبيوس بذلك، ومن وجهة نظر اجتماعية، توفير ظروف عمل صحية ومريحة للعمال من دخول أشعة الشمس إلى داخل المصنع. وهذا ما تجاوب مع متطلعات صاحبه كارل بينشايد. والجدير بالذكر أنه تم إدراج هذا المصنع عام 2011 على لائحة كنوز التراث العالمي.
أما الكنوز الأسطورية التي تعود إلى حقبة ما قبل الثورة الصناعية يمكن العثور على بعضها في مدينة غوسلار التي تبعد ساعة واحدة شرقاً من مدينة هيلدسهايم. وتعتبر أسطورة الحصان الذي حفر بحوافره الأماميتين في الثلج وكشف عن منبع المواد الخام من فحم ومعادن في جبل راميسبيرغ، عندما كان ينتظر فارسه رام الذي كان في طريقه ليصطاد أحد وحوش الغابة خير مثال. وتعتبر هذه القصة بمثابة بداية استخراج الفحم والمعادن في المدينة. ومازالت أكوام الحفريات في جبل الفحم الذي أدرج على لائحة كنوز التراث العالمي، تدل على ماض مديد من استخراج الفحم والمعادن دام قرابة الألف عام.
كل هذه الكنوز الطبيعية من المواد الخام لعبت دوراً مهماً في تطور وازدهار المدن، وتعتبر الأبنية القديمة الرائعة في مدينة غوسلار ودار البلدية المشيد على الطراز المعماري القوطي من دلائل هذا الازدهار. وفي عام 2010 أضيف معلم جديد على لائحة كنوز التراث العالمي في مدينة غوسلار، ألا وهو "أوبر هارتسَر فاسر فيردشافت" أي شبكة الموارد المائية التي استخدمت في عملية استخراج الفحم والمعادن. وكان المقولة التالية سائدة آنذاك: "بدون الطاقة – والمقصود هنا الطاقة المائية- ليس هناك عمل في المناجم".
واليوم تحتوي شبكة الموارد المائية المستخدمة في نظام التبريد الذي بدء عمله في القرن الثالث عشر، على 107 بركة مائية، وعلى 310 كيلومترات من القنوات المائية الكبيرة، وعلى 31 كيلومترا من القنوات الصغيرة. وهذا ما يجعل نظام الطاقة المائية في منطقة "أوبرهارتس" واحداً من أكبر شبكات الطاقة المائية العالمية قبل الثورة الصناعية.
طراز معماري فريد
ومثل غوسلار فإن مدينة كفيدلينبورغ أسسها أيضاً حكام عائلة "أوتونيا"، وتتميز كفيدلينبورغ بطراز معماري رائع يتجسد في البيوت الألمانية التقليدية ذات الهيكل الخشبي والجدران الترابية والقضبان الخشبية البارزة والملونة. كما تقوم فيها كنيسة القديس سيرفاتيوس، التي تبرع ببنائها الملك هاينريش الأول وشيدها عام 1129 على سفح جبل القلعة. وهذه الكنيسة التي أُدرجت عام 1994 على لائحة كنوز التراث الثقافي العالمي، هي عبارة عن تحفة معمارية صممت على الطراز المعماري الروماني.
وأيضاً البلدة القديمة في كفيدلينبورغ التي تحتوي على قرابة ألف وثلاثمائة بيت من البيوت التقليدية ذات الهياكل الخشبية والتي شُيّدت عبر ستة قرون، بدءاً من الحقبة القوطية إلى عصرنا هذا، وأدرجتها منظمة اليونيسكو على لائحتها للتراث الثقافي العالمي في 1994 أيضاً.
والجدير بالذكر أن مدينة كفيدلينبورغ تستقطب سنوياً قرابة مليوني سائح، وإذا تجولت ساعات عديدة في شوارع هذه المدينة القديمة فلا تشعر بالملل، لأنك سوف تكتشف في كل زاوية منها أشكالاً كثيرة ومختلفة من البيوت ذات الهياكل الخشبية، فالمدينة القديمة هي بمثابة معرض دائم، حيث المقاهي ومحال التجارة الصغيرة تتوزع داخلها وتعطيها حيوية مستمرة. لذلك تم منع مرور السيارات في شوارع البلدة القديمة، لتكون متاحة للمارة فقط.
محطتنا الأخيرة هي مدينة آيزناخ. هنا يقع معلم من أبرز معالم الفترة الإقطاعية في أوروبا الوسطى، ألا وهو قلعة "فارتبورغ" التي تنتمي إلى كنوز التراث العالمي منذ عام 1999. ويرتبط اسم هذه القلعة باسم المصلح البروتستانتي مارتن لوثر. فبعدما طُرد لوثر من الكنيسة الكاثوليكية من قبل البابا ونبذه الإمبراطور آنذاك لجأ عام 1521 إلى القلعة. وفيها ترجم لوثر العهد الجديد من لغته اليونانية الأصلية إلى اللغة الألمانية، خلال 11 أسبوعاً فقط. والجدير بالذكر أن الحجرة التي كانت تخص لوثر في القلعة أصبحت منذ وفاته عام 1546 وإلى يومنا هذا وجهة للسياح وخلوة للحجاج والمؤمنين.
فريدريكه مولر/ فؤاد آل عواد
مراجعة: عماد غانم