كأس العرب في قطر.. بروفة لكأس العالم بحماسة متواضعة!
٣ ديسمبر ٢٠٢١تظهر العاصمة القطرية الدوحة اليوم كأنها ورشة لتشييد بناء ضخم، فأكوام التراب المعدّة للبناء توجد في كل مكان، وشوارع جديدة يتم مدها على مدار اليوم، وفندق جديد يصعد بين كل حين من الأرض الصخرية.
أعمال بناء المستمرة بين المجمعات السكنية ومراكز التسوق الجديدة لا تجعل حركة المرور تسير بانسيايبة وتعقيها أحيانا كثيرة. حتى آليات البناء من شاحنات وحفارات تجد صعوبة في التنقل بين فوضى التراب هاته. التنقل بالأقدام بدوره ليس سهلاً، والأفضل أن تأخذ حافلة أو سيارة أخرى، أو أن تستعين بخدمات المترو الجديد.
الأعمال الفردية الخاصة أخذت مكاناً إلى الخلف هذه الأيام في قطر، فالكل متأهب لاستقبال نهائيات كأس العالم في قطر، أو بالأحرى، في الدوحة، حيث تم تشييد ثمانية ملاعب جديدة لأجل هذه البطولة التي تقام لأول مرة في بلد عربي. ملاعب مزودة بأحدث التقنيات والتجهيزات، والآن هناك سباق مع الزمن لإكمال البنى التحتية الثانوية، إذ لم يتبق سوى أقل من عام على انطلاق النهائيات.
التجربة بكأس العرب
بدأت قطر بروفة تجريبية لاختبار قدراتها لاستقبال نهائيات كأس العالم، عبر احتضان بطولة كأس العرب، التي تُقام من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى غاية 18 ديسمبر/كانون الأول، ويشارك فيها 16 منتخبا. تأتي هذه البطولة بعد غياب دام تسع سنوات، وهي كذلك بديل لقطر عن كأس العالم للقارات، التي كانت بطولة تجريبية تنظم قبل المونديال، وذلك قبل إعلان فيفا إلغاءها عام 2019.
لا يوجد نقص في التمويل، فالاستثمار المالي لا يعد مشكلاً في إمارة قطر التي تحتضن مخزونا مهما من النفط والغاز، ما يؤمن لها تدفقاً ثابتاً من مليارات الدولارات، لكن السؤال الأكبر هو هل سيمشي كل شيء كما تخطط له هذه الإمارة حتى تقوي حضورها في العالم؟
لأجل النجاح في الرهان، جلبت قطر مئات الآلاف من العمال المهاجرين من دول في جنوب آسيا لبناء الملاعب، جلهم من بنغلادش والهند والتيبت وباكستان، حيث لا تتمتع كرة القدم بشعبية كبيرة، وجلهم لا يعرفون شيئا عن بطولة كأس العرب، إذ أجاب أحدهم عندما تقدمنا بسؤاله هل سمع ببطولة مشابهة: "لا، ما هو كأس العرب؟ لم يسبق لي أن سمعت به"، وكذلك حرك صديقه الجالس بقربه رأسه نفياً.
نقص في الأجواء الحماسية
كي تقضي يوما من النزهة في الدوحة، عليك حتما النزول إلى الكورنيش الذي يبلغ طوله سبعة كيلومترات. هنا ترسو المراكب الشراعية القديمة التي كانت تُستخدم سابقا في الصيد أو البحث عن اللؤلؤ، اليوم هي مناطق جذب للسياح لكن بالكاد تزدهر الأعمال التجارية، لأسباب منها جائحة كورونا، كما يؤكد أحد أصحاب هذه المراكب.
ليس مفاجئاً بشكل كبير أن عمال تشييد الملاعب غير مهتمين لمنافسات كأس العرب بسبب عملهم في ورش البناء طول اليوم، فعندما تبدأ الشمس في المغيب، يظهر العياء على آلاف منهم وهم يتجهون إلى الحافلات التي ستنقلهم إلى مساكنهم. هناك سيتناولون عشاءهم ويسترجعون قوتهم استعداداً لعمل يوم الغد.
حتى في أول أيام البطولة، التي شهدت مباراة المنتخب القطري ضد نظيره البحريني، لم تظهر تلك الأجواء التي عادة ما نراها في البطولات الكروية: لا يوجد مشجعون في الشوارع، لا قمصان، ولا أوشحة ولا أعلام، ولا شاشات كبيرة، ولا حتى شاشات صغيرة، فقط إعلان هاتف محمول على جنبات الشارع يُظهر مجموعة من اللاعبين.
بالإضافة إلى 2.5 مليون عامل، تحتضن قطر حوالي 300 ألف من السكان "المحليين"، جلهم ميسوري الحال منذ مولدهم، لكن حتى بالنسبة لهم، فكرة القدم هي شأن خاص، وهي هواية غالباً ما تحدث على شاشات التلفزيون، وفق ما يؤكده مقاول ألماني يعمل في مجال الفنادق والمطاعم والمنتزهات، مشيرا إلى أنه لاحظ أنه خلال إحدى المباريات في الدوحة، أن عدد الجماهير كان قليلاً للغاية.
لكن ماذا عن الحانات؟ المكان الثاني المفضل لمشاهدي كرة القدم في أوروبا لمشاهدة المباريات بعد الملعب بطبيعة الحال. لا توجد ثقاقة الحانات في البلد، حيث يهمين على الحياة تدين صارم، ومن ذلك حظر المشروبات الكحولية، والنظر باستهجان إلى الحفلات "المتهورة".
الحياة الاجتماعية هنا غالباً ما تشمل أمسيات سخية في المطاعم أو جلسة دردشة في مقهى خلال شرب الشاي أو تدخين الشيشة، ومن يتجه منهم إلى ملاعب كرة القدم لمشاهدة المباريات يحجز غالبا في مدرجات الزبناء المميزين (VIP)، فالمدرجات العادية ليست جزءا من الخطة.
نهاية المدرجات الفارغة؟
لكن مع ذلك، فالعالم العربي لديه تاريخ وثقافة كروية، وهناك منتخبات تتابعها الجماهير بشكل كثيف، سواء منها تلك التي لعبت سابقا في كأس العالم أو حققت إنجازات قارية كالسعودية والمغرب والجزائر وتونس ومصر، أو تلك التي لم يسبق لها ذلك كالأردن ولبنان، وهناك ديربيات متوقعة في هذه الكأس بيعت تذاكرها بالكامل، وتمثل المنتخبات المشاركة مزيجاً مختلفا من الثقافات المختلفة رغم وجود اللغة العربية كخط ناظم بينها.
لكن ماذا عن قطر بالتحديد؟ يملك البلد بطولة اسمها دوري نجوم قطر، من 18 ناديا، تُلعب جل مبارياتها في الدوحة. وإذا ما كان القطريون عموما لديهم قرب من هذا الفريق أو ذاك، فالأمر لا ينطبق على العمال المهاجرين والمهاجرين عموما، ما يجعل الملاعب شبه فارغة في مباريات الدوري، بشكل أقل حتى من مباريات درجات الهواة في كرة القدم الأوروبية.
لكن هناك أمل لكرة القدم بمزيد من الشعبية، ففي أحد مراكز التسوق بالدوحة، يظهر جمع من الناس ينتظرون أدوارهم لأجل الحصول على تذاكر من اثنين من المتطوعين في تنظيم كأس العرب.
فهل تتحول كرة القدم إلى شغف جماهيري في هذه الإمارة الصغيرة التي حقق منتخبها الوطني لقب آخر نسخة من كأس آسيا؟
أولاف يانسن من الدوحة/ع.ا