قرون من التبادل الفكري بين الشرق والغرب
١٦ أبريل ٢٠٠٦لا يختلف اثنان على أن الطبيب المشهور ابن سينا والفيلسوف ابن رشد استطاعا إنقاذ الثروة الفكرية للعصر الإغريقي (اليوناني القديم) من الضياع. كان ابن سينا يعيش في بلاد الفرس (إيران حاليا)ً، أما ابن رشد فكان يقطن في قرطبة في الأندلس (إسبانيا حالياً). وكانت آلاف الكيلومترات تفصل بينهما، لكن أمراً واحداً جمع الاثنين ألا وهو ولعهما بالفلسفة الإغريقية التي كانت تعاليمها منتشرة في آسيا الصغرى ومنطقة بلاد الشام والرافدين وبلاد الفرس.
الفلسفة الإغريقية كانت مجهولة في أوروبا
لم تكن الفلسفة الإغريقية معروفة في أوروبا في العصور الوسطى، وكانت كتب الفلسفة اليونانية مترجمة إلى العربية ومنتشرة في معظم أرجاء العالم الإسلامي آنذاك . وقد وصلت إلى الأندلس عن طريق شمال أفريقيا عندما بدأ ابن رشد بتفسير كتب أرسطو ودراستها وألف كتبا عديدة عنها، وبعد ذلك ترجمت هذه الكتب في الأندلس إلى اللغة اللاتينية ومن ثم وصلت إلى باريس. ويقول دومينيك بيرلر البروفسور الألماني في تاريخ الفلسفة من جامعة هومبولت في برلين إنه لولا العرب لما علمت أوروبا بالكثير عن الحضارة الإغريقية. فقد كان مصي كتب كثيرة من مؤلفات الفلاسفة الإغريق الضياع. وتعد الترجمات والدراسات العربية عنها هي المصادر الوحيدة التي بقيت في متناول العلماء. ولم ينحصر هذا الأمر على العلوم الفلسفية، بل شمل علوماً أخرى كالطب والرياضيات والفلك. ونجح التبادل الفكري لأن العلماء كانوا يطرحون الأسئلة ذاتها: كيف يمكن تعليل ظاهرة ما؟ وما هي إمكانية إثبات نظرية معينة؟ وتابع بيرلر قائلاً إن العلماء "لم يكونوا يسألون إن كان الجواب إسلامياً أو مسيحياً أو يهودياً"، وما كان يثير انتباههم هو التحصيل العلمي والمضي قدماً في أبحاثهم.
خمود عصر الازدهار
تراجع التبادل الفكري بين الشرق والغرب بشكل كبير منذ عصر النهضة في القرن الثامن عشر حيث بدأت تنحسر أهمية الدين في المجتمعات الأوروبية لتحل مكانه العلوم الطبيعية، وأصبح العلمانيون وأنصار عصر التنوير لا يصدقون كل ما يقوله ممثلو الكنيسة عن ظهر قلب، بل كانوا يستفسرون عن الأسباب الحقيقة وراء أي حدث. وتم فصل الدين عن الدولة ومؤسساتها ونصوص الحقوق المدنية التي سرت على كل المواطنين دون النظر إلى اعتقادهم أو مذهبهم. ولكن يبدو أن "التنوير" يشكل حالة استفزازية في نظر بعض العلماء الإسلاميين الذين يعتبرون الفصل بين الله والمعرفة أمرا خاطئا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل بإمكان البشر دراسة العالم والكون والتعرف على طبيعة الذات الإلهية دون استخدام الإنسان لعقله واتباع تفكير منطقي في تحليل الظواهر الطبيعية؟
صحيح أن الشريعة الإسلامية تعطي الحقوق والواجبات ذاتها لكل المسلمين لكن ماذا عن الفروق الشاسعة في التأويل والاختلافات المذهبية والجدل القائم حول الإسلام السياسي لعصرنا الحالي بعد مضي 1400 عام على نشوء الإسلام؟ وما هي خطورة تسلم متشددين للسلطة في بلد ما واستغلالهم الدين لمصالحهم السياسية؟ كل هذه الأمور تحتاج إلى أجوبة منطقية كي يفهما المجتمع الغربي الذي حظر تدخل المؤسسات الدينية في حياة الناس اليومية. فهل يحتاج الإسلام إلى عصر تنوير جديد؟ ويجيب بيرلر على ذلك قائلاً: "نعم الإسلام بحاجة إلى إلى إمعان النظر في كل ما ينتجه كل مسلم من خلال التفكير المنطقي، ومن جهة أخرى لا يحتاج الإسلام إلى تنوير غربي لأن أفكار الفيلسوف الألماني "كانط" على سبيل المثال لا الحصر لا يمكن تصديرها إلى البلدان الإسلامية،. ويبرر بيرلر فكرته متابعاً: "بأن التنوير يجب أن يأتي من داخل المجتمعات الإسلامية."
من هي أوروبا؟
انتعش التبادل الفكري والثقافي مجددا في القرن العشرين بين أوروبا والعالم العربي وبدأت حركة الترجمة تنشط من اللغة العربية إلى اللغات الأوروبية وبالعكس، لكن الأحكام المسبقة لا تزال حاضرة لدى قسم كبير من الطرفين. فبعض الأوروبيين يقول إن المسلمين متخلفون ومتشددون وبعض المسلمين يقول إن الأوروبيين ملحدون وأهملوا الأخلاق. ولذا نشاهد تجمعات إسلامية في أوروبا منعزلة على نفسها ويرفض أفرادها عادات وتقاليد الدول التي يعيشون فيها وعملية الاندماج هناك بطيئة جداً. ويقول البروفسور بيرلر إن ذلك لا يتحمل مسؤوليته المهاجرون وحدهم. ولذا يطرح السؤال التالي: كيف يجب علينا التعامل مع الدين؟ وكيف نستطيع تربية أطفالنا بحيث يتعرفون على أديان أخرى؟ ويقترح أن يقدر كل شخص قيمة عاداته وثقافته وفي الوقت ذاته يتعرف على ثقافات وأديان أخرى.
إنغون أرنولد، إعداد: سمير مطر