قائمة مسعود – من ضحية لـ"داعش" إلى صائد للإرهابيين
١٩ أكتوبر ٢٠١٧اُحتجز الكردي مسعود عقيل (24 سنة) لفترة طويلة في ملعب لكرة القدم في معقل داعش في الرقة، وهناك قضى مئة يوم في سجون "داعش" تنقل خلالها بين أقبية تعذيب سبعة سجون.
وحتى سبتمبر/ أيلول 2015 كان قد أمضى 280 يوماً إلى أن تم الافراج عنه ضمن صفقة تبادل وبعدها هرب الى أوروبا. وكان لديه ما يكفي من الوقت للتعرف على أعضاء من تنظيم "داعش". وفي أوروبا ادعى أنه تعرف على بعضهم.
تمكن على الأقل من جمع معلومات دقيقة عن ثلاثة منهم، وتابع بحثه على الإنترنت وأعد قائمة تضمنت عشرات الاشخاص سلمها للشرطة الألمانية. عمل عقيل طيلة سنتين كمصور صحفي في سوريا وكان يعد تقارير يتضمنها الشريط الوثائقي "قائمة مسعود" الذي أنتجته دويتشه فيله.
كما نشر كتاباً عن تجربته تضمن معلومات تعتبر هامة لهيئة حماية الدستور الألمانية.
أدلة دامغة
أنشأ جهاز المخابرات الداخلية خطاً هاتفياً مخصصاً لتلقي المعلومات من مخيمات اللاجئين، وقد وصلته حتى الآن مئات الأدلة من المعلومات التي قدمها طالبو اللجوء في عموم ألمانيا.
"ننطلق في الكثير من الحالات من وجود أدلة دامغة، يجب دراستها وتتبع خيوطها"، كما قال هانس – غيورغ ماسن رئيس المكتب الإتحادي لحماية الدستور في حوار مع DW، مضيفاً أن "80 بالمائة من المعلومات شبه مؤكدة".
وهذا يعني أن الأمر لا يتعلق بمجرد تكهنات، وإنما بخطر حقيقي يتمثل بوجود مجموعات إرهابية لـ"داعش" مكلفة بعمليات في أوروبا. ويضيف ماسن بالقول إن "هناك 20 شخصاً على الأقل ممن تعرفنا على هوياتهم يخططون فعلياً للقيام بعمليات إرهابية. أما الآخرون فهم من عناصر داعش الذين أرادوا الابتعاد عن ساحة المعركة وربما اقترفوا جرائم حرب خطيرة، فأتوا إلى هنا كلاجئين من أجل تنفيذها ببساطة".
وبسبب هذا يلتقي الجناة بضحاياهم وجهاً لوجه اليوم أيضاً في مخيمات اللجوء في ألمانيا.
معلومات من داخل مخيمات اللجوء
يقول الكردي – السوري مسعود عقيل بأنه عاش معزولاً إلى أبعد حد على مدى شهور عدة في أحد مخيمات اللجوء في شمال ألمانيا عام 2016. والمثير في الأمر هنا "هو أن مسعود قال إنه تعرف على جلاديه هناك"، كما يقول المحلل السياسي غيدو شتاينبيرغ من معهد العلوم والسياسة في برلين.
وتستعين المحاكم الألمانية أيضاً بشتاينبيرغ، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، لتقييم العديد من القضايا المتعلقة باللاجئين. والمعلومات التي تقدم بها مسعود حسب رأيه ليست الوحيدة. "خلال موجة اللجوء من الشمال السوري بين عامي 2014 و2015 دخل ألمانيا العديد من أعضاء التنظيمات المسلحة إلى ألمانيا".
ويضيف الخبير الألماني بالقول: "ومنها داعش وغيرها من التنظيمات. كما أن هناك حالات كثيرة تعرف فيها سكان مخيمات اللجوء على عناصر من "داعش" وأبلغوا السلطات الأمنية الألمانية عن عناصر مفترضين وأحياناً حقيقيين من داعش".
لكن لا توجد أي ضمانات على صحة هذه المعلومات، كما يقول شتاينبيرغ، الذي يعبر عن شكوكه بهذه المعلومات بعكس رئيس المخابرات الداخلية.
ويحذر الخبير الألماني بالقول: "كم كبير من المعلومات التي يقدمها اللاجئون ليست سوى وشايات أو أو بيانات غير صحيحة، ولهذا السبب يجب التعامل بحذر مع هذه الاتهامات".
نظام التنصت في ألمانيا
منذ الحرب الباردة جمعت وحدة تابعة لجهاز المخابرات الخارجية في جمهورية ألمانيا الاتحادية وبرلين الغربية معلومات من اللاجئين، وبشكل خاص من الكتلة الشرقية آنذاك. وكانت التحقيقات معهم تتم من خلال وحدة مرتبطة بمكتب المستشارية مباشرة. وكان مخبرو هذه الوحدة يعملون مع المؤسسين الأمريكيين لها، عمل مشترك دام عقوداً من الزمن ونتج عنه أيضاً التزود بمعلومات لنظام ما يسمى بحرب الطائرات بدون طيار الذي كان يعمل بشكل غير شرعي على الأراضي الألمانية.
لهذا السبب تم عام 2014 إغلاق مكتب التحقيقات الرئيسي بعد الضغوط التي مارسها البرلمان الألماني آنذاك. واليوم تقوم هيئة حماية الدستور بهذه التحقيقات. والى جانب المكتب الاتحادي للهجرة يشارك في التحقيقات جهاز المخابرات الداخلية. وحتى عام 2019 سيتم إنشاء 250 مكتباً للتحقيقات. "وهو أمر ضروري"، كما يقول رئيس هيئة حماية الدستور ماسن.
تضليل مستهدف
لكن الحصول على المعلومات من اللاجئين يواجه انتقادات خصوصاً فيما يتعلق بمناطق النزاع في سوريا والعراق. "وذلك لأسباب لها علاقة بالمصالح السياسية"، كما يقول فولفغانغ كاليك الأمين العام للمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، ويحذر من الاعتماد على تلك المعلومات دون التحقق منها.
فمن بين اللاجئين هناك أعضاء من مختلف اطراف الصراع في سوريا، "ويريد هؤلاء تصفية حساباتهم كما هو الحال بعد نهاية كل حرب من الحروب"، يقول كاليك.
ويمثل المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان إضافة إلى منظمات أخرى أعضاء سابقين من الشرطة العسكرية السورية تحت اسم "القيصر" وهؤلاء هربوا معهم الكثير من الصور التي تظهر التعذيب الذي يحدث في سجون نظام الأسد.
وبالتعاون مع مجموعة "القيصر" رفعت المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان دعاوى قضائية ضد كبار ضباط المخابرات السورية والشرطة العسكرية أمام المدعي العام الألماني في كارلسروه أدت الى إجراء عمليات بحث مطولة منها تطابق الصور مع المعلومات المتوفرة حولها .
"المعلومة الخاطئة قد تقود بسرعة إلى اتهام الأبرياء ووضعهم تحت المجهر أمام السلطات الأمنية في أوروبا"، كما يقول كاليك. ويتابع: "أخشى من استغلال المعارضين لسياسة الهجرة للمتهمين بين السوريين على الرغم من أن غالبية هؤلاء اللاجئين ضحايا للعنف".
أما اللاجئ الكردي – السوري مسعود عقيل فمتمسك بقناعته بسبب معاناته في سجون داعش وسيتابع مهمته إلى النهاية. ويقول في هذا السياق إن "محاربة داعش هي بالنسبة لي واجب".
فرانك هوفمان
*مسعود عقيل: "في وسطنا. كيف نجوت من تعذيب داعش، وكيف لحق رعبهم بي إلى ألمانيا"، منشورات أوروبا، 2017.