في "اليوم المفتوح" ـ المساجد بعيون غير المسلمين
٤ أكتوبر ٢٠١١الثالث من أكتوبر من كل عام يعني للكثيرين في ألمانيا، العيد الوطني، أو يوم الوحدة الألمانية، ولكنه منذ خمسة عشر عاما أصبح يعني يوم المسجد المفتوح، حيث تفتح مساجد ألمانيا أبوابها لجميع الزوار بصرف النظر عن دياناتهم واعتقاداتهم.
وفي كل عام يتم اختيار محور معين يركز عليه المنظمون لهذه الفعالية لتعريف الناس به. وفي هذا العام (2011) اختار المجلس التنسيقي للمسلمين في ألمانيا: "محمد نبي الرحمة" شعارا للفعاليات.
دويتشه فيله، توجهت إلى مسجد دويسبورغ، أو كما يطلق عليه بالتركية "المركز" في حي ماركس لوه في مدينة دويسبورغ، وتابعت فعاليات هذا اليوم عن كثب.
المنظمون كانوا منهمكين بالاهتمام بضيوفهم، حتى يكون كل شيء على ما يرام. وبدأ برنامج الاحتفال بتلاوة سورة الفاتحة وبعض الآيات من القرآن عن نبي الإسلام محمد باللغة العربية، تتبعها ترجمة باللغة الألمانية.
بعد ذلك كان هناك محاضرة قصيرة للتعريف بنبي المسلمين محمد، يتبعها جولة في أرجاء المسجد لكي يتعرف الزوار على المسجد جيدا. وقد تكرر ذلك ثلاث مرات خلال اليوم.
والأمر المثير للكثيرين كان فترة الأسئلة التي تلي المحاضرة، فتتاح الفرصة لكي يسأل الزوار ما كان بودهم أن يسألوه دائما.
العديد من غير المسلمين، اغتنموا الفرصة لزيارة المساجد في هذا اليوم، للتعرف على ثقافة المسلمين وعلى ديانتهم.
مانويل بوسيه (26 عاما) جاء من دوسلدورف إلى مدينته التي ولد فيها، ولكنه يعيش منذ سنين في دوسلدورف، حيث يدرس الاقتصاد هناك. يرافقه زميله في الجامعة توماس. في هذا المسجد كان مانويل مرة واحدة من قبل، وذلك بعيد افتتاح المسجد قبل سنوات.
وأراد اليوم أنا يرى المسجد في اليوم المفتوح. فيقول: "جئت هنا لأشاهد ما الذي يفعله الناس في المسجد، واخترت هذا اليوم، وأجد أن الأمر جيد للغاية بأن تم اختيار يوم المسجد المفتوح في يوم الوحدة الألمانية. لتكون الوحدة عيدا لا يوحد شرق ألمانيا مع غربها فقط، وإنما عيدا يوحد الأديان في ألمانيا أيضا".
ويهتم مانويل بالأديان بشكل عام، ويحب التعرف عليها، وقد زار بعض الكنائس المسيحية وكذلك دور العبادة اليهودية. وبرأيه أن هذا الأمر مهم جدا حتى يتعرف الناس على بعضهم وعلى الأديان الأخرى، من أجل تفاهم أفضل بين أتباع هذه الديانات.
كاترين (25 عاما)، كانت قبل يومين في حديقة الحيوانات في دويسبورغ، وقد شاهدت مع صديقها بيتر إعلانا في المدينة، عن يوم المسجد المفتوح، فقررا أن يزورا المسجد في دويسبورغ.
وتقول كارترين: "تعلمت أشياء كثيرة اليوم عن المسلمين؛ كيف يصلون مثلا. وقد كان لدي بعض الأسئلة قبل ذلك، مثل: لماذا لا يوجد صور في المسجد، كما هو الحال في الكنيسة. فحصلت على الجواب اليوم. وهذا الأمر يهمني شخصيا، لأني أدرس تاريخ الفنون".
صديقها بيتر (27 عاما) يدرس التاريخ في جامعة دوسلدورف أيضا، وقد عبر عن سعادته بزيارة المسجد، وقال: "فاجأني الترحاب الموجود هنا، لم أكن أعرف بأن المساجد مفتوحة للجميع. وأنا أرى بأن المساجد ضرورية في ألمانيا، لأن هناك الكثير من المسلمين الذين يعيشون هنا، وخاصة في إقليم الرور. وعندما قال رئيس ألمانيا بأن الإسلام هو جزء من ألمانيا، أرى أن ذلك الأمر قد أصبح واقعا".
الحضور لم يقتصر على الشباب فقط، وإنما كان هناك الكثير من كبار السن. السيدة ماريا وصديقتها بريغيتا يزوران المسجد لأول مرة، وأبديا إعجابهما بالمسجد؛ فتقول ماريا: "إنه رائع جدا، وقد أدهشتنا المناظر الموجودة هنا. يعطيك المسجد انطباعا مميزا". بريغيتا قالت: "أعتقد أن المكان ليس له مثيل في ألمانيا، وأتمنى أن يتاح لي الأمر مستقبلا لأرى مثل هذه المساجد". كما أبدت إعجابها بالكتب الموجودة هنا.
معظم الزوار علموا بالأمر عن طريق الانترنت، كما هو الحال مع زابينة، التي رأت صباحا إعلانا في الانترنت، بأنه يوم المسجد المفتوح، فقررت أن تأتي مع ابنتها لزيارة مسجد دويسبورغ. وقد اختارتا هذا المسجد لأنه قريب من دوسلدورف، حيث تعيشان. وتقول زابينة: "رغم أن هناك مساجد في مدينتنا، ولكني سمعت مسبقا عن جمال مسجد دويسبورغ".
بالنسبة لزابينة لم تكن هذه المرة الأولى التي تدخل فيها أحد المساجد، فقد كانت في تركيا قبل سنوات، وهناك رأت فن العمارة الإسلامي وأعجبت كثيرا بروعة المساجد. وبعد أيام ستسافر مع ابنتها لاورا إلى تركيا في إجازة سياحية.
لاورا، التلميذة في الصف الثامن قالت: " أنا سعيدة لوجودي هنا في هذا المسجد. أعجبنا كل شيء هنا، وخاصة الخطوط العربية التي تزين جدران المسجد. والآن، بعد هذه الزيارة، ازداد حماسي للرحلة إلى تركيا".
الحضور، من غير المسلمين، لم يقتصر على الألمان وحدهم فقط، وإنما كان هناك العديد من الزوار من جنسيات أخرى. فيليب وزوجته أنيتا، ينحدران من بولندا، ويعيشان في ألمانيا منذ فترة طويلة. الزوجان البولنديان، كان بودهما أن يزورا المسجد منذ زمن طويل، ولكنهما كان يعتقدان بأنه من غير المسموح لغير المسلمين بزيارة المسجد، لأنهما كانا في أحد البلاد العربية، وأرادا أن يدخلا أحد المساجد، ولكن الناس منعوهما من ذلك.
"اليوم صحح لنا القائمون على المسجد هنا، بأن زيارتنا إلى المسجد في البلد العربي، كان عند إقامة صلاة الجمعة، والتي يأتي إليها الكثير من الناس، وبعض المساجد تمتلئ بالمصلين فيصلي الناس في الشارع. لذلك لا يوجد مكان للسياح أو للزوار، ولو أننا ذهبنا في يوم آخر، غير الجمعة، لدخلنا المسجد بدون مشكلة".
أنيتا وفيليب جاءا من مدينة إيسن إلى مسجد دويسبورغ، لأنهما سمعا سابقا عن جمال هذا المسجد. الزوجان ملتزمان بتعاليم الكنيسة الكاثوليكية، وبعد رؤيتهما للمسجد اليوم، وللمسلمين وهم يقيمون الصلاة، بدأا يقارنان بين الكنيسة والمسجد.
أنيتا كان تسأل باستمرار، ومن أسئلتها للمحاضرة في المسجد: "في الكنيسة ندخل بأحذيتنا، أما هنا فيجب أن نخلع الأحذية خارجا قبل الدخول إلى المسجد، فما هو سبب ذلك"؟ فتشرح لها بتول (الفتاة التركية) بأن الصلاة عند المسلمين تتضمن الجلوس على الأرض و السجود، وبالتالي يجب أن يبقى المكان نظيفا تماما.
رجل آخر التقيناه هناك، هو السيد هوانغ جاء مع زوجته إلى هنا، فيقول: "أردنا اغتنام الفرصة لرؤية المسجد. لأننا لم نكن في أي مسجد قبل ذلك. أنا أحب التعرف على ثقافات الآخرين، لأن الأرض أصبحت كالقرية الصغيرة، ويجب أن نعرف أكثر عن بعضنا البعض. أنا أحب التاريخ جدا. تاريخ الشعوب الأخرى. وأحب أن أقرأ عن ثقافات الآخرين ودياناتهم.
السيدة هوانغ لا تدين بأي ديانة، ولكنها أخبرتنا بأنها من أصول إسلامية، فوالدها ينحدر من الأقلية المسلمة في الصين، ولكنه لم يكن متدينا. وتضيف هوانغ بالقول: "في مخيلتي بعض الذكريات القليلة عن جدي وجدتي ... كانا يرويان لي بعض الأمور عن الإسلام، عندما كنت صغيرة". ولدى هوانغ رغبة كبيرة لكي تبقى على اتصال مع الإسلام. ولذلك قررت أن تقرأ ترجمة القرآن باللغة الصينية.
اليوم جاء القسيس ميشائيل كيمبر إلى المسجد، لكي يقوم بجولة مع مجموعة من أعضاء كنيسته، ويزوروا من خلالها دور العبادة الموجودة في حي ماركس لوه هنا في دويسبورغ.
القسيس كيمبر، من كنيسة بيتر وباول المجاورة للمسجد، يعرف المسجد جيدا، حتى قبل أن يبنى. ويعجبه كثيرا أن يوم المسجد المفتوح تم اختياره مع يوم الوحدة الألمانية. فهو يرى في ذلك إشارة مهمة للغاية على وحدة الناس في ألمانيا بغض النظر عن انتمائهم الديني، وبهذه الإشارة يرغب المسلمون في إظهار أنفسهم على أنهم جزء من هذا المجتمع وبأنهم مستعدين للعمل من أجل ألمانيا للجميع. وما أثير مؤخرا من نقاش عن كون الإسلام جزء من ألمانيا هو نقاش هام، "وأنا أرى بأنه لا يمكن تصور ألمانيا بدون الإسلام".
فلاح الياس
مراجعة: عبده جميل المخلافي