فيلم "قائدي": تجسيد لشخصية هتلر في ثوب كوميدي ساخر
٩ يناير ٢٠٠٧ارتبط ذكر اسم هتلر بفظائع المحارق والملاحقات التي قام بها نظامه النازي ضد اليهود وغيرهم، ولكن بعد مرور أكثر من ستين عاماً على حدوث كل تلك الأعمال تجرأ المخرج اليهودي داني ليفي على تناول شخصية هتلر بطابع كوميدي ساخر. مثل هذا الأمر دفع بعض النقاد السينمائيين للحديث عن خرق للمحظور. ويرى ليفي أن فيلمه "قائدي"، الذي يبدأ عرضه في دور السينما الألمانية في 11 كانون الثاني/ ينايرالجاري، يظهر الحقيقة الأكثر صحة عن شخصية أدولف هتلر، الذي يقوم ببطولته الممثل الألماني هيلغي شنايدر. فالدكتاتور النازي يظهر في الفيلم كرجل عاجز ويتبول بشكل لا إرادي، كما أن الفيلم يصوّره على أنه مدمن على الكحول.
كما سلط المخرج ليفي الضوء على طفولة هتلر في إطار كوميدي وذلك من خلال التطرق إلى علاقة هتلر بوالده، الذي لم يمنحه ما يكفي من العطف. وقال المخرج ليفي على هامش عرض خاص لهذا الفيلم: "مررت بأزمات كثيرة تساءلت خلالها فيما إذا كنت أملك الحق في القيام بعمل من هذا النوع". جدير بالذكر أن المخرج داني ليفي، السويسري الجنسية، يقيم في العاصمة الألمانية برلين. وقد حقق نجاحا كبيرا أيضا من قبل في فيلم له بعنوان "السيد زوكر"، الذي اعتبر أول فيلم هزلي يهودي ألماني بعد الحرب العالمية الثانية.
قصة الفيلم
يروي الفيلم الجديد كيف أن المسؤول عن الدعاية النازية جوزف غوبلز أمر ممثلا يهوديا كان في معسكر اعتقال بتدريب هتلر على خطاب رأس السنة عام 1945، بينما الألمان يعدون للهجوم الأخير في الحرب. وبعد إعداد ديكورات الشوارع، التي تظهر أن ألمانيا لا تقهر، يواجه غوبلز مشكلة مرض هتلر، الذي يصاب بالاكتئاب، الأمر الذي يمنعه من الكلام. ومن أجل حل هذه المشكلة يستدعي غوبلز أستاذ التمثيل اليهودي السابق ادولف غرونبام من أحد المعتقلات، وذلك لمساعدة هتلر على استعادة قدراته الخطابية.
وتتوالى أحداث الفيلم ليحصل الممثل ادولف غرونباوم لدى وصوله مقر هتلر على شطيرتين من لحم الخنزير، الذي يحظر على اليهود تناوله. غير أنه ينجح قبل وصول "القائد" بإزالة اللحم من الخبز وإخفائه تحت سجادة، حيث تلتهمها كلبة الدكتاتور الألماني "بلوندي". ويتأثر هتلر بعد ذلك بغرونباوم الذي يبحث في ماضي الدكتاتور وطفولته الحزينة، سعيا إلى إعادة إطلاق قدراته الخطابية التي قضت عليها الهزائم العسكرية. جدير بالذكر أن الممثل اولريش موي قام بأداء دور الأستاذ ادولف غرونبام. كما أن هذا الفنان قد حاز على جائزة الفيلم الأوروبي عام 2006 عن دوره في فيلم "حياة الآخرين"، الذي يتناول الاستخبارات الألمانية الشرقية السابقة (شتازي).
الفيلم تجسيد لجزء من الحقيقة والواقع
يستند هذا الفيلم في حيثياته إلى أساس تاريخي، فالوقائع والأحداث تشير إلى أن هتلر لجأ فعلا إلى الألماني بول ديفرينت، لتحسين أدائه الخطابي في الثلاثينيات، لكن كل ما تبقى فهو محض خيال. وتتخلل الفيلم مشاهد يقوم خلالها هتلر بإخراج مخدرات من الكرة الأرضية العملاقة التي يملكها ويلهو بسفينة حربية بلاستيكية خلال الاستحمام. كما أنه يلاعب الكلبة "بلوندي" التي ترتدي لباسا عسكريا وتعرف كيف تؤدي التحية الهتلرية.
مشاهد التصوير تثير دهشة أهل برلين
تم التصوير في الشتاء الماضي في عدة مناطق من العاصمة الألمانية برلين. وخلال التصوير انتاب الكثير من سكان مدينة برلين الدهشة، لاسيما وهم يقفون أمام الصلبان المعقوفة الضخمة، رمز النازية، التي انتشرت في وسط المدينة. ويبدو أن هتافات أكثر من 700 من الكومبارس بعبارة "يحيا هتلر!" زادت من هذه الدهشة. وعن هذا يقول مخرج الفيلم: "إن من المهم أن يكون هناك استعداد للقيام بأشياء ممنوعة ومحرمة أخلاقيا. إنها الطريقة الوحيدة لمواجهة هذه المسائل".
ويشير ليفي إلى أن أفلاما مثل "الدكتاتور" (1940) لتشارلي شابلن تلهمه أكثر من فيلم ستيفن سبيلبرغ "لائحة شيندلر" (1993) الذي يروي قصة صناعي ثري يحاول إنقاذ عماله اليهود من بطش النازية. ويرى أن هذا الفيلم الأخير يتمتع بمستوى جيد، من خلال السعي إلى "شرح الحقيقة"، كما قال المخرج ليفي.
انتقادات موجهة للفيلم
في معرض توجيهه لانتقادات فيلم "الأفول"، الذي يعتبر نجاحه عالميا ويروي بواقعية الأيام الأخيرة "للفهرر" في مكان اختبائه، أوضح المخرج ليفي بأن "كل هؤلاء النازيين يعطون هالة في السينما لا بد من تحطيمها". غير أن هذا الفيلم ٌقائدي" قد تعرض أيضا للانتقادات. فقد أورد موقع "دي برسه" الألماني عن الصحفية الألمانية ليا روش قولها بأنها لا ترى إمكانية لإخراج هتلر بصورة مثيرةً للسخرية، لأنها "تعتقد أن الفيلم يهون من الفظائع التي ارتكبها الدكتاتور النازي". وتعلق روش على ذلك بالقول: "رأيت في بعض مشاهد الفيلم هتلر وهو يلهو خلال الاستحمام بسفينة حربية. غير أن الواقع يختلف عن ذلك تماماً، فقد كان هتلر دموياً". وفي السياق ذاته تساءلت مجلة "دير شبيجل" الألمانية الواسعة الانتشار عن هذه الواقعية النقدية والتاريخية بقولها: "هل يجب تقديم المحرقة على أنها قصة مضحكة".