بوش في مواجهة الديموقراطيين
٨ نوفمبر ٢٠٠٦حقق الحزب الديموقراطي فوزا انتخابيا هاما ينبئ بإنتهاء سيطرة الحزب الجمهوري على مجلس النواب الاميركي بعد انتظار دام 12 عاما وذلك بعد حصوله على 435 مقعدا في إنتخابات الكونغرس. وفي الوقت ذاته، سيدخل المجلس للمرة الأولى نائب مسلم هو كيث اليسون. وقد استطاعت هذه الانتخابات الكشف عن قدرة الديموقراطيين على اقتحام معاقل الجمهوريين والسيطرة عليها. فعلى سبيل المثال، سيطر الديموقراطيون على ثلاثة مقاعد في بنسلفانيا ومقعدين في اريزونا ومقعدين في فلوريدا ومقعدين في نيويورك ومقعدين في نيوهامشر ومقاعد في ايوا وكنساس وكنتاكي ونورث كارولاينا واهايو وتكساس.
وفي سابقة تاريخية أمريكية ستتولى امرأة رئاسة مجلس النواب الأمريكي وهي نانسي بيلوسي. واعتبر كثير من المراقبين أن موقفها من الحرب على العراق قد ساهم بشكل كبير في انتزاعها مقعد في مجلس النواب، حيث رأت أن الحرب على العراق "لم تجعل بلدنا أكثر أمانا ولم تمكننا من تحقيق التزاماتنا بالنسبة لقواتنا ولم تجعل المنطقة أكثر استقرارا". كما أضافت: "الاميركيون صوتوا اليوم من أجل التغيير وصوتوا لصالح الديموقراطيين لأخذ بلدنا في اتجاه جديد وهذا بالضبط ما ننوي فعله."
البيت الأبيض يقر بالخسارة
وفي غضون ذلك اعترف البيت الأبيض بفوز الديموقراطيين في مجلس النواب الأميركي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، فقد قال توني سنو المتحدث باسم البيت الأبيض بأن نتيجة الانتخابات "ليست ما كنا نرجوه." كما أعرب البيت الأبيض عن رغبته في العمل مع الأغلبية الجديدة حول العديد من القضايا. وفي هذا السياق قال سنو: "نعتقد ان الديموقراطيين سيسيطرون على المجلس ونتطلع إلى العمل مع القادة الديموقراطيين على القضايا الأساسية ومن بينها الحرب في العراق والحرب الأوسع على الإرهاب." ومن المقرر أن يعقد بوش اليوم مؤتمرا صحفيا حول الانتخابات، سيدعو فيه إلى تعاون الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وقد عبر دان بارتليت، مستشار البيت الأبيض، عن تلك الرغبة بقوله: "الرئيس عرك تجربة العمل مع أحزاب لها الأغلبية في المجلس التشريعي وهذا ليس بجديد عليه. سيذهب إلى المدى المناسب ليوضح للرأي العام وللحزب الديموقراطي انه متلهف بشكل عام للعمل معهم ويأمل ان يلتقيا في منتصف الطريق."
ردود الأفعال الأوروبية
في أول رد فعل أوروبي على نتائج الانتخابات اعتبر رومانو برودي، رئيس الحكومة الإيطالية، أن سياسة بوش في العراق هي السبب "وراء خسارة حزبه، بالإضافة إلى مشاكل داخلية أخرى والتي كانت نتاجا للحرب على العراق." كما عبّر رئيس الحزب الليبرالي الديموقراطي الألماني جيدو فيستر فيله عن "سعادته وفرحته الكبيرة" بفوز الديموقراطيين، واعتبر ذلك فرصة "للإدارة الحالية من أجل أن تتصرف بطريقة أكثر حكمة وعقلانية في المسائل الخارجية."
وعلى الصعيد اعتبر فيرنر هوير، نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الليبرالي الديموقراطي المعارض، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "ساربروكر تسايتونج" أن نوعا من "التغيير" قد يطرأ على السياسة الخارجية الأمريكية وخاصة فيما يتعلق بالعراق. وأشار البرلماني المختص بالسياسة الخارجية في الوقت ذاته إلى أن أوروبا وألمانيا يجب أن تستعدا لسياسة أمريكية جديدة قد تكون "انعزالية" وخاصة فيما يتعلق بالتجارة الحرة والأسواق. كما يمكن أن تزداد المطالبات الأمريكية بمشاركة ألمانية "عسكرية" أقوى في جنوب أفغانستان. وعلاوة ذلك، يرى هوير أن "أزمة دارفور" ستصبح أكثر حضورا في السياسة الخارجية الأمريكية المرتقبة. وعلى صعيد الأسواق الاقتصادية، اعتبر هولجر شميدينج، المستشار الاقتصادي لبنك أمريكا في أوروبا في مقابلة مع تلفاز دويتشه فيله بأنه لن يكون لنتائج انتخابات الكونغرس تأثير"كبير على أسواق المال."
هل أصبح بوش "بطة عرجاء"؟
يرى العديد من المحللين أن التغيير في تركيبة الكونغرس الجديدة أصبح مجرد "بطة عرجاء" وسيجد نفسه في مواجهة تحقيقات سيجريها الكونغرس بشأن توجهاته السياسية عامة وفي العراق خاصة ووضع قراراته من جديد تحت المجهر والمراقبة، لأن خيارات بوش أصبحت محدودة وهامش المناورة عنده بات ضيقا، فلا سبيل أمامه إلا مد يد التعاون للديموقراطيين. وفي هذا السياق، يقول بروس بوكانان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة تكساس، الذي عاصر تعاون بوش مع الديموقراطيين في تكساس: "هذا يسمح له بأن يكون أكثر من مجرد بطة عرجاء. لكن إذا تشدد في اللعب فلن يحصل على شيء." كما أوضح نورمان اورنستاين، الخبير السياسي بمعهد أمريكان انتربرايز، سيعقد الديموقراطيون "جلسات استماع في كل مكان ويجعلون حياة بوش صعبة." أما توماس مان، أحد الخبراء المتابعين لشؤون الكونغرس فعلق من جانبه على نتائج الانتخابات قائلا: "أتوقع أن يستغل الديموقراطيون سلطتهم في تحديد جداول الأعمال لإخضاع خطة بوش الراهنة في العراق لتدقيق أشد وطرح بدائل أخرى."
هل سيكون تغيير حقيقي؟
على الرغم من حصول الديموقراطيين على الأغلبية في مجلس النواب، إلا أن المراقبين والمحللين لا يتوقعون تغيرا كبيرا في السياسة الخارجية الأمريكية وخاصة فيما يتعلق بقضية الشرق الأوسط. لكن ستكون استراتيجية بوش في العراق من أكثر الملفات مراجعة. وهذه المراجعة الأمنية والسياسية في العراق لن تصل إلى حد الانسحاب من العراق في فترة قريبة أو إلى خفض الدعم المالي لأن هذه الخطوة قد "تعرض القوات الأمريكية هناك للخطر"، كما أوضح اورنستاين، الذي أضاف أيضا: "ليس بوسع الديموقراطيين فعل الكثير. ليس بوسعهم تطبيق سياسة تجعل بوش يغير ما يفعل." وفي الوقت ذاته فإن الديموقراطيين يتطلعون إلى انتخابات الرئاسة القادمة عام 2008 وهم بحاجة إلى إظهار مواطن قوتهم في قضايا الأمن القومي الأمريكي التي طالما كانت محط نقد من قبل الجمهوريين.
ومن غير المتوقع أيضا أن تؤدي نتيجة الانتخابات لإحداث تغيير فوري في سياسة بوش في العراق، فكما قال ديك تشيني لشبكة "ايه.بي.سي نيوز" إن الأمور"ستسير بأقصى سرعة في العراق، لأننا لا نخوض سباقا على المنصب. لكن نفعل ما نراه صوابا."