فن الخطابة والنقاش - مسابقة لمتعلمي الألمانية
٢٤ أكتوبر ٢٠١٣
رغم أن اللغة الألمانية ليست لغتهم الأم، إلا أن الشباب على خشبة المسرح يتحدثونها بطلاقة كبيرة طيلة جلسة النقاش التي يدور موضوعها حول "مدى إعطاء الأولوية للنجاحات الرياضية، حتى وإن جاءت على حساب الشعوب".
بالنسبة لديمترو البالغ من العمر 16 عاما، فإن الأمر محسوم: "يجب مقاطعة التظاهرات الرياضية في الدول التي تُنتهك فيها حقوق الإنسان". بيد أن زملائه الثلاثة المشاركين في النقاش لا يشاطرونه الرأي. وهكذا تتصاعد حدة النقاش، حيث يبدو كل متحدث مصرًّا على رأيه مستندا في ذلك على جميع وسائل الإقناع.
لكن، ما لا يعرفه الجمهور هو أن المواقف التي يدافع عنها هؤلاء الشباب، لا تعبر بالضرورة عن آرائهم الشخصية وإنما هي أدوار وُزّعت عليهم. والمناسبة هي عبارة عن مسابقة "الشباب يناقشون على المستوى الدولي"، والتي تُقام سنويا منذ عام 2007 وتجمع بين متسابقين من وسط وشرق أوروبا. والهدف من وراء هذه المسابقة، حسب منظميها ومن بينهم معهد غوته لللغة الألمانية، هو الربط بين تنمية ثقافة الحوار الديمقراطي، من جهة، وتعليم اللغة الألمانية وتقوية تبادل الأفكار بين تلامذة المدارس، من جهة أخرى.
ويُلاقي المشروع نجاحا متزايدا، في ظل ازدياد عدد التلامذة الذين يرغبون في المشاركة فيه. ففي العام الدراسي 2012/ 2013 شارك في "مسابقة النقاش" نحو 1900 تلميذ، وصل 16 منهم إلى الدور النهائي الذي أقيم في العاصمة المجرية بودابست منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.
ثمانية دول ولغة واحدة
"لا أعرف السبب الذي دفع والديّ إلى إدخالي إلى مدرسة ثانوية ألمانية في مدينتي تشيرنوفيتس"، يقول دميترو بألمانية ممتازة، مضيفا "لكنني اليوم أعرف أنها من أهم القرارات التي أثرت على حياتي". فقد رسم الشاب الأوكراني خططه المستقبلية، لافتا إلى أنه يريد دراسة الطب في ألمانيا، وأيضا ممارسة المهنة فيها بعد التخرج. وعندما سمع عن مشروع "الشباب يناقشون على المستوى الدولي" تردد في البداية، وتخوف من خوض التجربة، باعتبار أنه سيشارك في نقاش بلغة أجنبية، وهو ما اعتبره في البداية أمرا "ليس هينا". بيد أنه تفوق على منافسيه في بلاده عند كل دورة، ليمثل في نهاية المطاف أوكرانيا.
وفي النهائيات واجه زملائه من أستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وروسيا والتشيك والمجر في أجواء صداقة هادئة. ويحصل المتنافسون، الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و19، على نصائح في فنون الخطابة في النقاشات السياسية، وهم يتسامرون ويتحدثون إلى بعضهم البعض باللغة الألمانية.
المشاركة هي الأهم
وكما هو حال ديمترو، يريد يان، الشاب البولندي، الدراسة في ألمانيا. وقد شجعه والداه هو أيضا على تعلم الألمانية في سن مبكر، خاصة وأن والدته تعمل في معهد غوته للغة الألمانية في مدينة كراكوفيا، ثاني أكبر مدينة في بولندا. وكانت دائما تحضر شرائط لأفلام وقطع موسيقية ألمانية إلى البيت، حتى يطلع عليها يان.
ورغم إتقانه للألمانية، إلا أن الحظ لم يسعفه في المسابقة، فخرج في الدور نصف النهائي. وكان موضوع النقاش آنذاك يدور حول "هل يتوجب على المتخرجين من أوروبا الحاصلين على منح حكومية، العمل في بداية مشوارهم المهني مؤقتا في بلدانهم الأصلية". ورغم أنه بحث طويلا حول الموضوع، وحصل على بعض الأرقام والمعلومات في شبكة الإنترنت، إلا أن العقبة التي واجهته تمثلت في صياغة أفكاره بالطريقة الألمانية، وليس فقط الحديث بها. وتقبل يان النتيجة بروح رياضية. وهاهو ينظر إلى الأمام، فبعد خروجه من المسابقة بساعات، قال إنه يفكر في الالتحاق بجامعة هايدلبيرغ أو ماينز لدراسة القانون.
انتهى الوقت المخصص للمتنافسين، ولجنة التحكيم ذهبت للتشاور، فيما بدا القلق على وجه ديمترو. وفي نهاية المطاف حصل ديمترو على المركز الرابع، أما الأول ففازت به الفتاة دومينيكا (17 عاما) من العاصمة التشيكية براغ. وقد أصيب ديمترو بشيء من الإحباط، إلا أنه أكد في الوقت ذاته أنه استفاد بشكل كبير من المشاركة، بحيث قال: "أنا سعيد بكوني تعرفت على كل هؤلاء الناس الرائعين، وتبارزت معهم عن طريق النقاش".