العراة اللمان
٢١ أغسطس ٢٠١٠الكل يعرف الأماكن المخصصة لعشاق "ثقافة التعري" أو أندية العراة في المنتجعات الصيفية على سواحل البحار أو على ضفاف الأنهر أو البحيرات في ألمانيا وفي العديد من المدن الأوروبية. أشخاص يجولون ويتحركون ويمارسون أنشطة مختلفة وهم عراة ( ربي كما خلقتني). جزر سيلت ورويغن واوزديم بشمال ألمانيا ما تزال تحتضن رواد هذه الثقافة وتعتبرها جزءا من معالمها السياحية. وعشاق هذه الظاهرة يسمون أنفسهم بأتباع مبدأ التعري في الهواء الطلق أو أتباع ثقافة الجسد الحر. والمصطلح الأخير دخل حيز التداول منذ بداية القرن الماضي.
تقول احدى السيدات في أحد المسابح العامة المخصصة للعراة :"أن تكون طوال النهار على المروج الخضراء عاريا دون أن تلبس شيئا، حيث يلامس جسدك الهواء الطلق من كل جهة وتشع الشمس عليك بكل حرية دون عائق، إنه أمر رائع وببساطة إنه شيء جميل تطيب له النفس". وفيما يفتخر رجل آخر في المكان نفسه بكونه من رواد ثقافة العراة منذ أن كان شابا يافعا. ويبرر ذلك بالقول "كلنا جئنا إلى الدنيا عراة". ويضيف أن الأمر صحي للغاية، فالمرء لا ينبغي له أن يتحمل ملابس السباحة الرطبة.
"ثقافة التعري" في التاريخ
فهل الأمر طبيعيا كما يقول عشاق التعري؟ ولكن إذا راجعنا كتب التاريخ فإننا نجد الإنسان دوما مع ملابسه وذلك منذ بدء الخليقة وحتى اليوم. فآدم وحواء طردا من الجنة بسبب انكشاف عورتهما. ميشائيل تسيمرمان أحد الناشطين في "رابطة هامبورغ للعراة" وجدة صعوبة في البداية حتى بات الأمر له مألوفا و يتحدث عن تجربته بالقول إن المرء لا يتجول في حياته اليومية عاريا.
لكن العراة يتواجدون في أماكن مخصصة لهم. ويشير تسيمرمان إلى أنه وجد في بداية انتمائه لحركة العراة صعوبة بالغة. فالمرء يتعرض للإثارة الجنسية خصوصا عندما يصادف وجود امرأة جميلة عارية في المكان. هكذا الأمر دوما مع الرجال. وهو ما شكل لي مشكلة حقيقة في البداية، كما يتابع تسيمرمان.
مشكلات صعبة
ورافقت حركة العراة في أوروبا مشاكل عديدة منذ نشوئها. لكن الحركة شهدت ومنذ النصف الثاني من القرن 19 تطورا كبيرا وذلك كرد فعل على ظهور الصناعات الكبيرة ونشوء المدن العمالية بعد تراجع حدود الريف. وفي خضم هذا التطور الاجتماعي والاقتصادي الهائل في أوروبا برزت شعارات تدعو إلى العودة إلى الطبيعة أطلقها إصلاحيون ومبدعون وشملت معظم جوانب الحياة بما في ذلك تغيير الطعام صوب النباتيين والعلاج الطبيعي وتغيير الملابس خارج الإطار الرسمي المألوف وأخيرا انتشار ثقافة العراة.
وتبدو ادعاءات إصلاحيي الأمس اليوم ضربا من الخيال. لكن دعاة ثقافة التعري نجحوا في تحقيق هدفهم وهو الاعتراف المجتمعي بهم وإن جاء متأخرا. فقد انتشرت الأندية المعنية بالعراة وظهرت المسابح الحرة في الهواء الطلق. ففي مطلع الثلاثينات من القرن الماضي كان هناك أكثر من 100 ألف من رواد ثقافة التعري بشكل منظم في أحد الأندية المسجلة رسميا.
ثقافة التعري في ظل النظام النازي في ألمانيا
سمح النظام النازي في ألمانيا بالأندية المعنية بالتعري بالعمل العلني بشرط أن يطبقوا القوانين العنصرية بحق الأعضاء. بعبارة آخر أن النادي ملزم بطرد كل عضو لا تنطبق عليه المعايير العرقية النازية التي وضعها النظام النازي. لكن حركة العراة شهدت انتعاشا ورواجا كبيرين بعد الحرب العالمية الثانية. فقد انتشرت من جديد أندية العراة وشكلوا رابطة اتحادية في عموم ألمانيا. ويحدثنا فولفغانغ فاينريش، وهو أحد نواب رئيس الرابطة الألمانية لرابطة أندية العراة في ألمانيا ولفترة طويلة عن تلك الفترة بالقول إن الرابطة تعمل على خلق جو من التسامح فيما يخص التعري والعراة في البلاد والسماح بممارسة هذه الثقافة بحرية، ولكلا الجنسين معا.
ويضيف فاينريش أن حركة العراة كانت دوما مرتبطة بالشأن العائلي ولذلك ندافع عن حركتنا بشأن التهم الموجهة إلينا والتي تقول بأن الحركة مرتبطة بأهداف تتعلق بالجنس والممارسة الجنسية. ويشير فاينريش إلى أن شعار كل ناشط في الحركة هو من ينضم إلينا فهو يأتي بكامل عائلته وإما أن يبقى في بيته. ولهاذ تسمى الأندية اليوم رابطة الرياضة العائلية أو نادي الرياضة العائلية. وتباينت المواقف في شطري ألمانيا من أندية العراة، ففي الوقت الذي كان فيه الغربيون يستهزئون من العراة بنكات خبيثة كما يقول فاينريش، شهدت الحركة في ألمانيا الشرقية وقتذاك إقبالا منقطع النظير.
هايدي زولتاو/ حسن ع. حسين
مراجعة: هشام العدم