فك حصار سنجار واستعادة تلعفر.. بداية تراجع داعش؟
٢٣ ديسمبر ٢٠١٤سجلت الحكومة المركزية ببغداد وقوات البيشمركة سلسلة انتصارات مهمة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف إعلاميا بـ "داعش"، حتى بات الأكراد يتحدثون عن "ملحمة تاريخية" حسب وصف رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، إثر نجاح قوات البيشمركة يوم السبت (20 ديسمبر/ كانون الأول 2014)، في فك الحصار عن جبل سنجار والذي دام نحو أربعة أشهر، تتويجا لعملية عسكرية بدأت الأربعاء الماضي، بإسناد من طائرات التحالف الدولي.
موازاة لذلك، أعلنت "الفرقة الذهبية" التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب في القوات العراقية بدعم من قوات البيشمركة عن تقدمها في قضاء تلعفر واستعادتها السيطرة على مطار القضاء غربي الموصل إلى جانب تحرير أكثر من عشرين بلدة في محيط القضاء من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية".
تقدم "نوعي"
هذه الأخبار إضافة إلى أخرى حول مقتل قادة بارزين للتنظيم الإرهابي وعلى رأسهم حاجي معتز، نائب زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، في غارات جوية للتحالف الدولي حسبما أعلن عن ذلك البنتاغون، دفعت بالمتفائلين من متابعي المشهد العراقي إلى اعتبار أن الحرب الدولية ضد داعش في العراق دخلت منعطفا نوعيا وفق وصف صلاح التكمجي مدير المرصد العراقي للإعلام في لندن، وهو ما يبشر بالمزيد. ويعيد الإعلامي العراقي العوامل التي ساهمت في هكذا تقدم إلى وحدة الموقف السياسي بين القوى السياسية العراقية، في ظل وجود "تناغم" بين الأكراد والحكومة الاتحادية، مع اقتناع جميع مكونات الشعب العراقي بخطر داعش وضرورة التحرك المشترك لدحره. ويضيف صلاح التكمجي في حوار DWعربية،أنه وبعكس السابق لم نعد نر "قصفا جويا بسيطا يعتمد على معلومات استخباراتية، وإنما بدأنا نشهد مقر عمليات مشتركة تنسق بشكل أكبر فيما بينها".
وما قد يعزز هذا الطرح المتفائل، هو أنباء عن إقدام تنظيم داعش على قتل مائة من عناصره أرادوا الانشقاق، حسبما جاء في تسجيل مصور بثه التنظيم وتضمن عمليات إعدام شملت حتى قادة قيل إنهم أرادوا التراجع في مناطق بسنجار. وذهب البعض إلى اعتبار عملية إعدام مائة مقاتل، وإن كانت صحيحة، انعكاسا لحالة من الارتباك أصابت التنظيم، فاتجه إلى إجراء استباقي قبيل دخول مرحلة جديدة من المعارك، محذرا كل من "سولت له نفسه بالخروج عن بيت الطاعة". وبغض النظر عن القراءات المتعددة لتلك الإعدامات، فإن المؤكد هو كونها تخدم بالأساس أهداف التنظيم الوحشية في نشر الذعر في قلوب مقاتليه قبل معارضيه.
وأمام هذا الطرح هناك أيضا من يشكك في جدوى هذا التقدم الميداني وتأثيره على قوة التنظيم، خصوصا وأنه خسر مناطق في الشمال لكنه سيطر على أخرى في جهة الغرب. وفي هذا السياق يشير سعد سلوم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المستنصرية في بغداد، إلى تقدم في جبهة سنجار وتلعفر، مقابل تقدم لداعش في بيجي وتحذيرات من قبل عشائر البونمر السنية من سقوط الرمادي بيد التنظيم بسبب عدم تسليح المقاتلين، ما يفند نظريات التقدم الميداني "النوعي" ضد داعش.
الخصوصية العراقية
وفي حديثه مع DWعريبة، اعتبر سلوم التحديات الكبرى في الحرب على داعش، مرتبطة بطبيعة التركيبة العرقية والعقائدية لمحافظات العراق. فإذا كانت القوات الكردية قد نجحت بالفعل في التقدم نحو تلعفر، إلا أنها ومراعاة منها لحساسية المدينة التي تقع خارج إطار المادة 140 من الدستور العراقي، لن تتقدم خطوة واحدة إلى داخلها، ما لم يكن هناك تنسيق مع الحكومة المركزية. والشيء ذاته يسري على مدينة الموصل الواقعة تحت سيطرة داعش، والتي أعلنت بغداد أن العد العكسي لتحريرها قد بدأ.
وقال مسعود البرزاني في مقابلة مع قناة "العربية"، إن قوات البيشمركة مستعدة للمساعدة في استعادة الموصل، شريطة أن يتم ذلك بإشراف من حكومة بغداد وبمشاركة قواتها الأمنية، محذرا من أن أيّ تحرك كردي منفرد قد يؤدي إلى حرب بين الأكراد والعرب. ومن هذا المنطلق يشير المحلل السياسي صلاح التكمجي المقيم بالعاصمة البريطانية لندن، إلى ضرورة مشاركة جميع المكونات العراقية في هذه الحرب، سواء تعلق الأمر بالأكراد أو السنة أو الشيعة أو التركمان أو غيرهم، مشددا على أنه وقبل كل هذا وذاك يتوجب على "الحواضن" المشاركة أيضا. والمقصود هنا بالحواضن الطائفة السنية من أبناء المناطق الخاضعة لداعش في الأنبار وصلاح الدين والنينوى وغيرها، المتهمة بتقديم الدعم للتنظيم للقيام بجرائمه ومواصلة بطشه في حق باقي الطوائف العراقية. ويطالب التكمجي هذه الحواضن بإظهار إرادة فعلية حقيقية للمساهمة في دحر التنظيم الإرهابي، والوقوف جنبا إلى جنب مع مقاتلي الحشد الشعبي والجيش والبيشمركة.
داعش و"حواضنه"
وردا على هذه الاتهامات، عقدت قوى سنية الخميس الماضي (18 كانون الأول/ ديسمبر) مؤتمرا في أربيل، عاصمة إقليم كردستان، لمحاربة الإرهاب وتطرف داعش، وحدد هدفه في رغبة "السنة العرب بفك الارتباط بداعش أمام أنظار الحشد الشعبي ومؤيديه"، حسب تصريحات أدلى بها شعلان الكريم، عضو البرلمان العراقي عن محافظة صلاح الدين، لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) قبيل انطلاق أعمال المؤتمر.
بيد أن التكمجي انتقد عدم حضور الشخصيات السنية الفاعلة على الأرض في هذا المؤتمر كشيوخ العشائر، بقوله إن "كل من تحدثوا في هذا المؤتمر هم من رموز الدولة ومن الحكومة، ولهم آراء واضحة ومعروفة. كنا ننتظر أن يظهر شيوخ العشائر ويكشفوا عن مواقفهم بشكل علني، ما يعني أن المؤتمر انحصر في طيف واحد فقط ولم يكن شاملا، وهذا إخفاق بحد ذاته".
من جهته، انتقد أستاذ العلوم السياسية سعد سلوم، الأطروحات الرسمية التي تتحدث باسم سنة العراق، معترفا في الوقت ذاته إلى وجود صراع تمثيلي بين قوى هذه الطائفة.
وأمام تعقيدات المشهد يؤمن سلوم أنه لا يمكن تحقيق أي انتصار على داعش لو لم يرتبط التحرك الميداني بإجراءات إعادة الثقة على المستوى الاجتماعي والسياسي بين الفرد والدولة. وفي هذا الإطار يطالب سلوم بمقاربة واستراتيجية شاملة لتحرير العراق برمته من داعش، مع إرسال إشارات تطمينية لسكان المحافظات السنية، حول فترة ما بعد دحر داعش والكيفية التي سيتم من خلالها إدارة تلك المناطق، دون الزج بالسنة في خانة "شركاء داعش". وشدد سلوم على ضرورة النظر إلى هذا الفصيل كضحية لتنظيم إرهابي يحكم المناطق التي يصادرها بالحديد والنار، ونظام قبله مارس ظلما كبيرا في حقه، وهو ما استثمره بعد ذلك تنظيم ما يسمى بـ"الخلافة" لحشد مناصريه، ويتابع "لا يمكننا القضاء على فراكنشتاين العصر دون محاربة الظروف التي أنتجته".