فرص إسبانيا في التعافي من أزمتها المالية
١٤ يونيو ٢٠١٢وصف ماريانو راخوي رئيس الوزراء الإسباني المساعدات الأوروبية التي تقررت مؤخرا للقطاع المصرفي الإسباني بأنها "نجاح" لأوروبا. واتفق وزراء مالية مجموعة منطقة اليورو على تقديم مساعدات بقيمة مائة مليار يورو لتغطية نفقات رسملة المصارف الإسبانية التي تمر بأزمة كبيرة جراء انهيار القطاع العقاري. والهدف من طلب المساعدة الأوروبية هو استعادة المصارف الإسبانية القدرة على منح قروض. وأشار راخوي إلى أنه "بدون قروض لن يكون هناك استثمارات وبدون استثمارات لن يكون هناك خلق لفرص العمل". وأكد راخوي على أن المساعدات الأوروبية المقررة هي جزء من خطة شاملة لإصلاح الاقتصاد الإسباني، مشيرا إلى أن هذه المساعدات لن يكون لها تأثير على عجز الميزانية، إذ أنها عبارة عن قروض للمصارف الإسبانية ستلتزم بردها.
ويجدر الإشارة إلى أن الحكومة الاسبانية ترددت طويلا في طلب مساعدة الدول الأوروبية الأخرى أملا في تجاوز أزمتها المصرفية بقدراتها الذاتية. فلماذا رضخت حكومة مدريد في النهاية لضغوط أسواق المال رغم الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها اسبانيا؟ ميشاييل هوتير من معهد الاقتصاد الألماني بكولونيا يقول في هذا الشأن بأن "المستثمرين على ما يبدو غير مستعدين لاقتناء سندات إسبانية، لأنهم يعتقدون بأنهم ربما لن يحصلوا عليها مجددا باليورو. وهذا التخوف سائد بوجه خاص في إسبانيا".
الحكومة الاسبانية تفادت الحديث عن خطة "إنقاذ"
وفور إعلان الحكومة الاسبانية أنها قررت طلب مساعدة مالية أوروبية، استخدمت الصحف المحلية على صفحاتها الأولى كلمة "إنقاذ"، وهي عبارة رفضت الحكومة استخدامها. والهدف من خطة الإنقاذ هو تنقية البنوك الاسبانية التي اختنقت بسبب تعرضها لازمة القطاع العقاري، إذ بلغ حجم قروضها التي تثير مشاكل، وخصوصا القروض التي قد لا تسترجع 184 مليار يورو بنهاية 2011.
وسيحصل الصندوق الاسباني هذا العام على القرض بقيمة مائة مليار يورو لمساعدة القطاع المصرفي الذي يتولى بدوره تقديم هذه الأموال إلى "البنوك التي تطلب" مساعدات. وشدد وزير المالية لويس دو غيندوس في هذا السياق على أن "الشروط ستفرض على البنوك، وليس على المجتمع الاسباني".
لحظة الاختبار تتمثل في خفض نسبة العجز الحكومي إلى 3.5 في المائة
ونجحت الحكومة الإسبانية في تفادي أكثر ما كانت تخشاه، وهو خطة مساعدة شاملة لاقتصادها كانت ستستدعي خطة تقشف جديدة، في الوقت الذي تتحمل فيه البلاد أصلا تضحيات كبيرة.
وإذا كانت إسبانيا ضمنت دعم أوروبا وتفادت حتى الآن خطة إنقاذ أوسع، فإنها أصبحت تحت المراقبة الأوروبية، ولم يعد من المسموح لها ارتكاب أي خطئ ولو لمرة واحدة. وأشارت صحيفة إلموندو مؤخرا إلى أن مجموعة منطقة اليورو أكدت على احترام أهداف مقاومة العجز والاستمرار في الإصلاحات الهيكلية، ومن بينها زيادة في ضريبة القيمة المضافة، الأمر الذي ترفضه حكومة مدريد وسوق العمل وقطاع معاشات التقاعد.
وسيكون الوضع دقيقا جدا في الوقت الذي تحاول فيه إسبانيا التي عادت إلى الانكماش، خفض عجزها العام من 9,8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2011 إلى 3.5 في المائة للسيطرة على الخلل في الميزانية في مناطقها ال17 ذات الحكم الذاتي، وخفض نسبة البطالة التي تطال 24،44 بالمائة من قوة العمل الفعلية، وهو رقم قياسي بالنسبة للدول الصناعية. إذن ما هي فرص إسبانيا للنجاح في إصلاح قطاعها المصرفي العاجز عن منح القروض؟ ميشاييل هوتير من معهد الاقتصاد الألماني يجيب بقوله "بالنسبة إلى إسبانيا لست متشائما. لدينا هناك ـ بخلاف بلدان أخرى مثل اليونان ـ إدارة فعالة ودولة قادرة على التحرك، كما أن الإصلاحات قطعت أشواطا، الوضع هناك مختلف. لدينا مشكلة خاصة تتمثل في قطاع العقار انطلقت قبل الأزمة المالية والاقتصادية العالمية..."
هل المساعدة الأوروبية كافية لتجاوز عجز القطاع المصرفي؟
والسؤال المحوري الإضافي هو هل هذا الدعم الأوروبي الممنوح للبنوك الإسبانية سيكفي لإزاحة شبح إنقاذ شامل يخشاه الجميع، لأنه سيكلف مئات مليارات اليورو. وقال الخبير الاقتصادي شارل ديبل "نحن إزاء مفهوم جديد وهو الإنقاذ "المخفف" دون شروط مالية بالنسبة إلى الديون ويقتصر فقط على البنوك التي تطلبه".
وبعد إصلاحات عدة للقطاع المصرفي، حجر الزاوية في الاقتصاد الاسباني منذ انهيار القطاع العقاري في 2008، تدهور الوضع فجأة مع الإعلان في بداية أيار/مايو عن إنقاذ مصرف بانكيا، ثالث أكبر بنوك البلاد لجهة الأرصدة، بقيمة 5.23 مليار يورو.. وتعد إسبانيا الآن رابع دولة تتقدم بطلب للحصول على مساعدة مالية من مظلة الإنقاذ الأوروبية، مما يثير التساؤلات حول محدودية الإمكانيات المالية المتاحة للمجموعة الأوروبية. وفي هذا السياق يقول ميشاييل هوتير "وصلنا تقريبا إلى حدود الإمكانيات المتاحة. على خلاف البرتغال وإيرلاندا واليونان فالأمر في اسبانيا لا يرتبط بمديونية الدولة أو بإعادة جدولة ديون الدولة، بل إن القضية تتمثل في تحقيق استقرار البنوك. الهدف هنا أكثر وضوحا، ولدينا مجال تحرك أيضا في بلدان أخرى، وعليه لم نستنفد رصيدنا بعد".
و"حتى وإن بدا الأمر نجاحا لكون الإنقاذ لا يتضمن شروطا إضافية، فانه جزئيا سطحي وتجميلي"، كما لاحظت صحيفة إلموندو الإسبانية التي انتقدت أيضا تكتم رئيس الوزراء راخوي، وعلقت بالقول "إذا كان الخبر سيئا في حد ذاته، فان سياسة الاتصال السيئة للحكومة أسهمت في جعله أكثر سوءا".
محمد المزياني
مراجعة: عبدالحي العلمي