فجر سقوط جدار برلين يشرق على بلاد النيل بعد بلاد الياسمين
١٢ فبراير ٢٠١١في ليلة التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر 1989 شهدت بأم العين سقوط جدار برلين مع عشرات الآلاف من سكان المدينة التي مزق أوصالها هذا الحاجز اللعين على مدى عقود. تلك الليلة المتوسطة البرودة، التي تدفق فيها مئات الآلاف من الأشخاص، منشدين الأغاني وبدموع الفرح، على بوابة براندنبورغ، عادت إلى ذاكرتي وأنا أشاهد فرحة الملايين العارمة في ميدان التحرير بسقوط نظام مبارك.
يشكل سقوط نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وقبله نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي خلال أقل من شهر حدثاً يفتح الباب على مصراعيه أمام فجر جديد من الحرية والديمقراطية في العالم العربي. ويعيد هذا السقوط إلى الأذهان انهيار الجدار الذي فتح طريق انهيار المعسكر الاشتراكي أو الشيوعي السابق بزعامة الاتحاد السوفيتي أواخر ثمانينات القرن الماضي ومطلع تسعيناته.
وما أشبه انتفاضة الشارع العربي ضد أنظمته الديكتاتورية والأوتوقراطية المقيتة، ومن أجل الحرية والحياة الكريمة بمظاهرات الاثنين الشهيرة في مدينة لايبزغ الألمانية. هذه المظاهرات التي تفجرت غضباً خريف عام 1989 ضد النظام الدكتاتوري في ألمانيا الشرقية سابقاً تحت شعار "نحن الشعب"، كانت وراء انهيار هذا النظام ومعه كل الأنظمة الشيوعية السابقة في شرق القارة الأوروبية.
جلياً أرى أوجه الشبه تلك، وأنا استمع لكلمات الرئيس الأمريكي أوباما بعد سقوط مبارك: "المصريين الذين سحرونا باحتجاجاتهم السلمية لم يغيروا بلادهم وحسب، بل غيروا العالم كذلك"، وجلياً أرى أن الشرق الأوسط بات على أعتاب، وربما في خضم، زلزال سياسي لن يترك أياً من الحكام الظالمين لشعوبهم في منأى عنه.
حين يُكسر حاجز الخوف
إن شرارة ثورة الشباب التي أشعلها محمد البوعزيزي في تونس وامتد لهيبها إلى مصر تبشر بثورات أخرى في الجزائر واليمن والأردن ودول أخرى بفضل شباب التويتر والفيسبوك، وتشير إلى طريق تطور يشبه مرحلة ما بعد سقوط جدار برلين. فقد تمكن التونسيون من خلال مظاهراتهم السلمية، التي كسرت كل حواجز الخوف وسارت تحت شعارات مشابهة لشعار المتظاهرين في لايبزغ "نحن الشعب"، من إسقاط نظام زين العابدين بن علي بعد 23 عاماً من الاضطهاد وقمع الحريات. ورغم اختلاف الثقافات فإن شعار المتظاهرين في لايبزغ ليس سوى وجه آخر لشعار ثوار الياسمين: "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر".
انتقلت شرارة الانتفاضة على القمع إلى مصر، وأسقط المصريون، الذين تظاهروا بجرأة لم يسبق لها مثيل في تاريخهم، نظام حسني مبارك الذي حكم مصر على مدى ثلاثة عقود بأساليب لا تختلف عن أساليب بن علي. أما شعارهم الأبرز في هذه المظاهرات فهو "الشعب يريد إسقاط النظام"، وقد أسقطه حقاً مساء الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011 بعد سبعة عشر يوماً من العناد الذي أثار الشكوك في قدرات حسني مبارك العقلية.
فوجئت شخصياً مع الملايين في كل أنحاء العالم بالجرأة والروح السلمية والتسامح والشعارات المعتدلة التي سادت مظاهرات المصريين والتونسيين. كما فوجئت أكثر وأكثر بضعف نفوذ المتطرفين والراديكاليين ليس فقط في هذه المظاهرات، بل أيضاً في مجمل الاحتجاجات التي سادت الشارع العربي حتى الآن منذ اندلاع شرارة الثورة التونسية في سيدي بو زيد.
أحلمُ، والحلم مشروع
مع سقوط جدار برلين وسقوط نظامي بن علي ومبارك حالفني الحظ بمعايشة حدثين تاريخيين خلال أقل من ربع قرن. وسيكتمل هذا الحظ بالتأكيد عندما اشهد ثورات عربية قادمة تطيح بالأنظمة الدكتاتورية والأوتوقراطية في العالم العربي من الماء إلى الماء دون عنف وإراقة دماء. وفي سياق ذلك أحلم ككل الذين يعانون من اضطهاد وقمع هذه الأنظمة بدول عربية جديدة تتمتع بتعددية حزبية وحريات وحكومات منتخبة، تضمن لكل قاطن فيها حقه في العيش بكرامة. كما أحلم أيضاً بسياسات جديدة للدول الغربية يتم في إطارها التوقف عن دعم الدكتاتوريات والأنظمة القمعية بحجة دورها في مكافحة التطرف والإرهاب، بمعنى أخر أحلم بغرب يدعم بالأفعال لا بالأقوال فقط قوى الحرية والعدالة في مجتمعات عربية متعطشة لها منذ قرون طويلة.
لقد أسقطت ثورتا تونس ومصر نظامين من أكثر الأنظمة بطشاً في العالم العربي، وبالنسبة إلى نظام حسني مبارك فقد بدأ بأنه الأكثر قوة واستقرارا في منطقة الشرق الأوسط بسبب الدعم الغربي السخي له مجالات عدة. وبعض النظر من تبعات هذا السقوط، لم يعد لدي شكوك بفجر ديمقراطي جديد في عالم عربي يشهد استقلاله الثاني عن الأنظمة القمعية بعدما شهد استقلاله الأول عن الأنظمة الاستعمارية.
ويدعم هذا الرأي الرغبة الشعبية العارمة بالحرية بعيداً عن الإيديولوجيات المسبقة، على حد قول المحلل الألماني ياسين مشربش الذي يرى بأن إسقاط الفرعون يعني إمكانية إسقاط إي نظام حكم أوتوقراطي. أخيراً: متأملاً لوحدة توق الإرادة الإنسانية نحو الحرية أبحث عن إجابة لسؤال يؤرقني: هل سيحظى شخص مثلي فيما تبقى من حياته بأن يشهد بزوغ فجر الديمقراطية في كل عاصمة عربية؟ إذا حدث ذلك سأكون أحد أسعد الناس القاطنين بين نواكشوط والمنامة.
إبراهيم محمد
مراجعة: عماد م. غانم