غياب الرئيس الصيني.. فرصة للهند واختبار لأهمية العشرين
٨ سبتمبر ٢٠٢٣أثار قرار الصين بعدم مشاركة رئيسها شي جين بينغ في قمة مجموعة العشرين التي تنعقد في التاسع والعاشر من سبتمبر / أيلول الجاري في نيودلهي، ردود فعل غاضبة داخل الدولة المضيفة رغم الصمت الضمني من قبل المسؤولين في الهند حيال غياب الرئيس الصيني.
ويرى مراقبون أن مشاركة رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ وليس رئيس البلاد يعد مؤشرا على فتور العلاقات بين الهند والصين، فيما طرح قيادي بارز في الحزب الحاكم بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، تساؤلا عما إذا كان غياب شي جين بينغ عن القمة يحمل في طياته استياءً صينيا من النهضة الاقتصادية في الهند.
لكن في المقابل، يعتقد مراقبون أن الطرف المعني من غياب شي جين بينغ ليس الهند وإنما مجموعة العشرين بشكل مباشر حيث لم يغب أي ريس صيني عن قمم مجموعة العشرين منذ 2008 ما يعني أن الغياب بمثابة رسالة إلى زعماء المجموعة خاصة وأن القمة تأتي في أعقاب قمة مجموعة بريكس في جنوب أفريقيا بمشاركة الرئيس الصيني.
تحذير للغرب
بدوره، قال وين تي سونغ، عالم السياسة في الجامعة الوطنية الأسترالية، إن غياب شي جين بينغ عن المشاركة في قمة مجموعة العشرين بعد مشاركته في قمة بريكس يؤكد على رؤية الرئيس الصيني بشأن "الشرق ينهض والغرب يتراجع".
ويرى هولغر جورج، الباحث في التجارة الدولية والتنمية في معهد كيل للاقتصاد العالمي بألمانيا، إن الرئيس الصيني يولي الاهتمام في أي مشاركة "طالما أنها تضمن أن تلعب بلاده دورا قياديا وهو الأمر الذي لا ينعكس على مجموعة العشرين على النقيض مجموعة بريكس".
الجدير بالذكر أن مجموعة العشرين تأسست عام 1999 حيث كانت تضم 19 دولة من أكبر الاقتصادات في العالم بما في ذلك الصين والهند ثم جرى ضم الاتحاد الأوروبي.
ومنذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، جرى الاتفاق على عقد قمم مجموعة العشرين بشكل سنوي بمشاركة قادة ووزراء المالية ومديرو البنوك المركزية في الدول الأعضاء.
الفرصة أمام الهند
ورغم غياب الرئيس الصيني، يقول مراقبون إن قمة العشرين سوف تمثل فرصة أمام الهند لإظهار قوتها على الساحة العالمية باعتبارها قوة يمكن الاعتماد عليها وإظهار براعتها في تحقيق التوازن بين علاقاتها التقليدية مع الدول الغربية من جهة وبين الكيانات الجديدة مثل مجموعة بريكس من جهة أخرى.
وقال إيان ليسر، رئيس مكتب صندوق مارشال الألماني في بروكسل، إن العالم يشهد في الوقت الراهن إعادة إحياء "الدبلوماسية متعددة الأطراف فيما تتطلع الهند إلى دور قيادي".
وفي مقابلة مع DW، قلل ليسر من احتمالية أن تسفر المحادثات عن مبادرات سياسية قوية وقابلة للتنفيذ، لكن البيان الختامي للقمة سوف "يكشف عما إذا كان النظام الدولي الحالي مازال يتحلى بالقوة والنفوذ".
وقرر قادة المجموعة بما في ذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتس حضور قمة مجموعة العشرين فيما سيرأس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الوفد الروسي المشارك في القمة.
وسوف تتصدر المباحثات قضايا مثل مستقبل النمو الاقتصادي العالمي في ظل ركود يعصف بالكثير من دول العالم بما في ذلك ألمانيا – أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي – وأيضا قضايا تغير المناخ وقضايا الديون فيما يتوقع أن تتطرق المباحثات إلى الحرب الروسية في أوكرانيا التي مازالت تشكل قضية خلافية رئيسية بين دول مجموعة العشرين.
استمرار الخلاف حول الحرب
وفيما يتعلق بالحرب الروسية في أوكرانيا، فقد فشل مسؤولو مجموعة العشرين خلال اجتماعهم بمدينة بنغالور الهندية في الخروج بموقف توافقي جماعي يدين الغزو الروسي لجارتها أوكرانيا.
فرغم إلتزام الهند بمبدأ الحياد حيال الحرب التي أفضت إلى أن أصبحت نيودلهي أكبر مشتر للنفط الروسي، إلا أنها اقترحت مؤخرا إصدار بيان خلال اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين في فبراير / شباط الماضي جاء فيه أن الحرب "تسببت في معاناة إنسانية هائلة وتفاقم أوجه الضعف القائمة في الاقتصاد العالمي".
بيد أن البيان الهندي قوبل برفض صيني- روسي ما دفع الهند إلى تخفيف من حدة البيان ما أدى في نهاية المطاف إلى انتهاء اجتماع وزراء المالية ومحافظي المصارف المركزية في مجموعة العشرين دون التوصل إلى بيان مشترك للمرة الأولى منذ عام 2008.
ولا تتمحور الخلافات حول الحرب في أوكرانيا بل ما زالت قضية التخلص التدريجي للوقود الأحفوري تثير انقسامات بين دول مجموعة العشرين على الرغم من تفاقم تداعيات ظاهرة التغير المناخي وقد تجلى ذلك خلال اجتماع لمسؤولي الطاقة في مجموعة العشرين في يوليو/تموز الماضي.
فخلال الاجتماع، فشل المسؤولون في التوصل لتوافق في الآراء فيما يتعلق بالتخلص التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري بعد اعتراضات من الصين والهند.
فرغم أن البلدين من بين أكبر الدول الملوثة للبيئة على مستوى العالم، إلا أن نيودلهي وبكين تصران على أن الدول الغربية بحاجة إلى تحمل مسؤولية أكبر بسبب دورهم التاريخي في التسبب في مشكلة تغير المناخ.
دور الهند في تعزيز المشاركة الأفريقية
ومع تصاعد الدور الهندي على الساحة الدولية، تقول نيودلهي بأنها تمثل صوت بلدان الجنوب العالمي في مصطلح يرمي إلى وصف الدول الفقيرة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية والتي غالبا لا تحظى بتمثيل قوي من المؤسسات العالمية.
ويُضاف إلى ذلك رغبة الهند في أن تكون جسرا بين الدول المتقدمة والبلدان النامية.
وفي هذا الصدد، تسعى نيودلهي إلى انضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين في خطوة تحظى بدعم أمريكي حيث خرج الرئيس بايدن في ديسمبر/كانون الأول الماضي للقول بإن هذه الخطوة "استغرقت وقتا طويلا".
بيد أن في المقابل، تتحفظ بعض دول المجموعة مثل أستراليا وإندونيسيا على حصول الاتحاد الأفريقي على عضوية مجموعة العشرين.
وفي ذلك، قال ليسر إن افريقيا باتت تشكل "أهمية اقتصادية وجيوسياسية كبيرة، لكن العديد من الأعضاء الحاليين سيكون لديهم مصالحهم الخاصة وسيتساءلون عما إذا كان ينبغي أن تكون مجموعة العشرين بمثابة المنصة لتقديم أفريقيا".
في المقابل، يرى هولغر جورج، الباحث في التجارة الدولية والتنمية في معهد كيل للاقتصاد العالمي بألمانيا، أن انضمام أفريقياالى مجموعة العشرين لن سوف يفضي إلى بروز القارة السمراء "كقوة سياسية حقيقة" فيما عزا هذا الاعتقاد إلى أن سقوط بلدان القارة في أيدي الصين وروسيا حيث تلعب البلدان دورا رائدا في التنمية الأفريقية منذ سنوات.
وفي محاولة لمنافسة الصين في أفريقيا، يخطط الاتحاد الأوروبي لتعزيز التواصل مع الدول الأفريقية من خلال اجتماع رفيع المستوى مع القادة الأفارقة على هامش قمة العشرين.
ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن مصادر أوروبية قولها إن التكتل "إظهار جديته بشأن إعادة تعريف شراكته مع إفريقيا"، على الرغم من الإرث الاستعماري.
نيك مارتن / م .ع