عندما تصبح اللغة جسراً للاندماج والصداقة
١٤ نوفمبر ٢٠١٣تضحك إيفا عبد الله كثيراً، وربما يعود بعض هذا الضحك إلى حيرتها، إلا أنه معظمه عائد إلى تسليمها رسالة الدكتوراه في جامعة فرايبرغ التقنية. وتقول الطالبة السورية البالغة من العمر 38 عاماً أن كتابة الرسالة باللغة الألمانية كان "عملاً مجهداً"، مضيفة أنها لم تكن لتكمل رسالتها بهذه السرعة دون مساعدة معلمتها للغة الألمانية، المتقاعدة هانلوره أوليغ، والتي تقيم في قرية صغيرة بالقرب من فرايبرغ، التي لا تبعد كثيراً عن مدينة دريزدن.
وتتابع إيفا عبد الله: "لقد سلمت الجزء الأول من الرسالة قبل عامين ... لقد كنت حاملاً آنذاك وكنت معكرة المزاج دائماً". لم تكن عبد الله تعتقد آنذاك بأنها ستكون قادرة على إنهاء رسالة الدكتوراه على الإطلاق. لكن هانلوره أوليغ شجعتها على ذلك، كما تقول إيفا: "قالت لي إنني سأتمكن من إتمامها، ولهذا كنت قادرة على عمل ذلك".
جمل طويلة بشكل لا يصدق
وتستغرب أوليغ أن الطلاب الأجانب يميلون دائماً إلى صياغة جمل طويلة ومركبة باللغة الألمانية، مضيفة أنه "بمجرد الانتهاء من قراءة مثل هذه الجمل، سينسى المرء مضمونها". لكن الجزء الذي قامت المتقاعدة الألمانية بتصحيحه في رسالة إيفا يخلو من مثل هذه الجمل، فهي تمكنت من إعادة ترتيبه، وهو أمر تشكرها عليه إيفا عبد الله، التي تقول إن هانلوره كان لديها دائماً الوقت الكافي لمساعدتها.
وتعتبر الطالبة السورية هي ثالث شخص تساعده هانلوره أوليغ، بعد طالب روسي وآخر صيني. وبالإضافة إلى أوليغ، يشارك 30 متطوعاً من مدينة فرايبرغ وضواحيها في برنامج تعليم اللغة الألمانية "اللغة هي الجسر"، وهو مشروع أطلقته جامعة فرايبرغ التقنية مطلع عام 2010 بالتعاون مع جمعية "نقطة ضوء".
يهدف هذا البرنامج إلى مساعدة الطلبة الأجانب من أجل تعلم اللغة الألمانية، لاسيما وأن الكثير منهم يواجهون صعوبات في فهم المصطلحات التقنية والعلمية الألمانية التي يتعلمونها في المحاضرات وأثناء كتابة أبحاث التخرج، ما يؤثر على تحصيلهم الأكاديمي بشكل عام. كما يواجه هؤلاء الطلاب صعوبات في الحياة اليومية بسبب عدم تمكنهم من اللغة.
تكريم للمساعدة الممتازة
لقد تم تكريم القائمين على هذه المبادرة الأربعاء (13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013) بجائزة وزارة الخارجية الألمانية للمساعدة الممتازة المقدمة للطلاب الأجانب في الجامعات الألمانية، والتي تقدر قيمتها بعشرين ألف يورو، وذلك خلال اجتماع لخدمة التبادل الطلابي الأكاديمي الألمانية (DAAD) بمدينة بون.
أما الطلاب، فهم يعتبرون مبادرة "اللغة هي الجسر" عوناً كبيراً لهم، لأنها تضيف إلى جودة أبحاثهم المكتوبة، حسب ما تقول مانويلا يونغهانز من جامعة فرايبرغ التقنية. وتتابع يونغهانز أحوال 700 طالباً دولياً، من بينهم مئتان يشاركون في برنامج تعلم اللغة في الجامعة.
ولا يقتصر هذا البرنامج على كونه مكاناً للتوفيق بين المعلم والطالب، بل يتكون من عدة أجزاء أخرى، بينها برنامج "رعاية" يقدم تدريباً مكثفاً في اللغة، بالإضافة إلى برنامج تعلم اللغة بالترادف بين ألمان وصينيين أو بولنديين أو روس أو عرب.
من معلم إلى صديق
وبين احين وآخر يدعو طلاب اللغة مدرسيهم إلى ليلة سمر يروون فيها حكايات من أوطانهم. وتقول مانويلا يونغهانز أن الطلاب يقصون على مدرسيهم ومن يرعاهم مرة كل شهرين أخبار أوطانهم ووضع النظام التعليمي هناك، بالإضافة إلى العوائق التي تواجههم أثناء تعلم اللغة الألمانية.
ولأن معظم أشكال المساعدة في البرنامج تتعدى مجرد كونها تدقيقاً في الأوراق المكتوبة، فإن الطلاب ومعلميهم يطورون علاقة حميمة وصداقات حقيقية، بحسب ما تروي كيرستن هوته من جمعية "نقطة ضوء"، والتي تشرف على المشروع منذ بدايته.
وتضيف هوته: "في البداية خاطبنا من هم مقبلون على سن التقاعد وسألناهم عما إذا كانوا راغبين في التطوع في برنامجنا هذا". وبسرعة كبيرة، سجل 20 شخصاً أسماءهم في البرنامج كمعلمين وراعين للطلاب، يبلغ متوسط أعمارهم 55 عاماً.
لذلك، كثيراً ما يكون راعي الطالب أو مدرسه في عمر جده أو جدته، إلا أن ذلك لا يزعج الطلبة على الإطلاق، بل إن إيفا عبد الله، مثلاً، تقوم بسؤال مدرستها هانلوره أوليغ حول أمور الحياة اليومية وأحياناً ما تدعوها لرعاية أطفالها. وتضيف عبد الله: "منذ أن بدأت الأزمة في سوريا، لم يكن بوسعي زيارة عائلتي ووالديّ هناك. السيدة أوليغ وزوجها أصبحوا بمثابة والديّ وبمكانة عائلتي هنا في ألمانيا".
وكثيراً ما يقوم الزوجان أوليغ برعاية أطفال إيفا عبد الله ودعوتهم إلى تناول الطعام سوياً وإقامة حفلات الشواء لهم. حول ذلك تؤكد طالبة الدكتوراه السورية أن "هذا شعور رائع، ولذلك لا أشعر بالكثير من الحنين إلى الوطن".
من جانبها، تشعر هانلوره أوليغ بالفخر عند سماعها مديح إيفا عبد الله، إلا أنها تشعر أيضاً بالأسى لما يحدث في سوريا حالياً. لذلك، فإن أكثر ما سيسعدها هو أن يسود السلام سوريا مجدداً وأن تتمكن إيفا من العودة إلى عائلتها، رغم أنها ستشتاق إليها. وتضيف المعلمة الألمانية: "لذلك، سأقوم بزيارتها في سوريا بأقصى سرعة ممكنة".