عماد الدين حسين: مصر تبتعد قليلا عن السعودية
٢٠ أكتوبر ٢٠١٦صباح الاثنين الماضى أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" أن علي المملوك رئيس جهاز الأمن الوطني السوري، زار القاهرة بصورة رسمية لمدة يوم والتقى ببعض المسؤولين المصريين وبحث معهم العلاقات الثنائية وسبل مكافحة الإرهاب.
ليست هي المرة الأولى التى يزور فيها هذا المسؤول السوري الرفيع القاهرة، لكنها الأولى التى يتم فيها الإعلان عن الزيارة بصورة رسمية وواضحة، خصوصا أنه كان يترأس وفدا أمنيا من ستة أشخاص، وبدا الأمر وكأنه رسالة إلى من يهمه الأمر في الكل المنطقة.
العلاقات بين القاهرة ودمشق لم تنقطع رسميا إلا حينما قررت الرئاسة الإخوانية فى عهد محمد مرسى قطع العلاقات على مستوى السفراء فى 15 يونيو حزيران 2013، قبل خلع الجماعة من الحكم بأسبوعين فقط، ارضاء للخليج والتيارات الاسلامية المتشددة، وبعدها عادت العلاقات بصورة هادئة على مستوى القائم بالأعمال لدى البلدين.
البطل الحقيقي فى الزيارة الأخيرة للمسؤول السوري الذى يشرف على جميع أجهزة الأمن هو التوقيت، خصوصا أن الزيارات لم تنقطع بين مسؤولي البلدين فى الفترة الأخيرة.
والتوقيت مهم للغاية لأنه يأتي بعد أيام قليلة فقط من أول خلاف مصري سعودي علني منذ 30 يونيو 2013 على خلفية العديد من الملفات ومن بينها الملف السوري. والموقف من مسقبل ودور الرئيس السوري بشار الأسد، الذى تصر الرياض على ضرورة رحيله، ولا تمانع القاهرة أن يكون جزءًا من الحل ولو لفترة انتقالية، كما تصر القاهرة على ضرورة وجود حل سياسي والحفاظ على المؤسسات السورية والأهم نزع أسلحة الميليشيات خصوصا الارهابية.
المملكة العربية السعودية عبرت عن عضبها علنا من تصويت مصر فى مجلس الأمن لصالح القرار الروسى بشأن سوريا، وقالت على لسان مندوبها فى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، أن التصويت المصري مؤلم. والقاهرة قالت إنها صوتت لصالح القرار الفرنسي أولا الذي كانت تدعمه السعودية، وعندما تم نقضه بواسطة الفيتو الروسي، صوتت لصالح القرار الذى تقدمت به موسكو لأنه يدعو إلى وقف إطلاق النار فورا، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى حلب، لكنه لم يكن يطالب بوقف القصف الجوي الروسي على المدينة.
التوقيت مهم أيضا لأنه يأتي بعد أيام من لقاء جمع وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف عقب نهاية أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك نهاية سبتمبر أيلول الماضي. القاهرة في عهد أنور السادات قطعت علاقاتها مع إيران منذ إندلاع الثورة الإسلامية بزعامة آية الله الخمينى فى فبراير شباط 1979، بل واستقبلت الشاه محمد رضا بهلوي، بعد أن تخلى عنه الجميع حتى حليفته الكبرى أمريكا. ومات العاهل الايراني فى القاهرة وفيها دُفن في المقابر الملكية بمسجد الرفاعي، وهى الإشارة التي اعتبرتها إيران عدائية، وأطلقت اسم خلالد الإسلامبولي قاتل الرئيس الأسبق أنور السادات على أحد شوارع طهران.
مصر لم تعد علاقاتها رسميا مع إيران مجاملة لبلدان الخليج، رغم أن غالبية هذه الدول لديها علاقات طبيعية مع طهران.
أما سر التوقيت فى لقاء شكري وظريف، فهو تزامنه مع الخلاف السعودى الإيرانى المحتدم، على كل ملفات المنطقة تقريبا من العراق إلى سوريا ومن اليمن إلى لبنان.
إيران تتمنى بطبيعة الحال أن تسوء العلاقات المصرية السعودية، وهو الأمر الذى تتمناه دمشق الاسد أيضا وكذلك بغداد والحوثيين فى اليمن وحزب الله فى لبنان. وتسربت تقارير عن استعداد إيران لمد مصر بما تحتاجه من المواد البترولية المكررة، بتسهيلات كبيرة عقب قرار السعودية بوقف شحنة شهر أكتوبر الجاري من المواد البترولية المتفق عليها منذ شهر ابريل نيسان الماضي.
التوقيت هو البطل أيضا فى المناورات العسكرية المصرية المشتركة مع روسيا، والتى بدأت فى 15 أكتوبر تشرين أول الجاري وتستمر حتى 26 من الشهر نفسه، قرب الحدود المصرية الليبية. وهذه المناورات تتزامن مع التوتر الشديد فى الملف السوري، وبعد أسابيع قليلة من سيطرة "الجيش الوطني الليبي" بقيادة الفريق خليفة حفتر علي منطقة الهلال النفطي وطرد "حراس النفط" أو الميليشيا التي صارت مدعومة من حكومة الوفاق الوطنى فى طرابلس.
بعد هذه التطورات فإن السؤال الذى بات كثيرون يطرحونه فى مصر هو: أليس من الأفضل للقاهرة، أن تبتعد قليلا عن الاحضان السعودية، وأن تكون معها أوراق سياسية كثيرة، بدلامن وضعها جميعا في السلة السعودية، كما كان حسني مبارك يفعل، حينما راهن على أمريكا عالميا والسعودية إقليميا؟!.
هذا السؤال ردده كثيرون فى مصر عقب العبارة التي وردت فى كلمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يوم الخميس الماضي فى الندوة التثقيفية رقم 23 بمسرح الجلاء بالقوات المسلحة، حينما خاطب المصريين قائلا "لو عايزين كرامة واستقلال للقرار الوطني بجد يبقى ماتكلوش ومتناموش"، وتعني "انكم اذا كنتم لو تريدون العيش بكرامة، فعليكم أن تتحملوا الكثير من الصعاب" أي لا تأكلوا ولا تشربوا مجازا.
أغلب الظن أن إدارة الرئيس عبدالفتاح السيسي قررت توسيع دائرة خياراتها اقليميا ودوليا. هى انفرجت منذ زمن على روسيا والصين والهند وغالبية البلدان الأوروبية خصوصا فرنسا وإيطاليا قبل حادثة ريجيني، كما نسقت أكثر مع قبرص واليونان واستعادت علاقاتها الطبيعية مع أثيوبيا، وبالتالى غيرت قواعد اللعب التى كان يعتمدها مبارك بالاعتماد الكامل على أمريكا. ويبدو أن القاهرة بدأت تفكر فى تنويع أوراقها العربية والإقليمية بالانفتاح على غالبية القوى الإقليمية على مبدأ المصالح المشتركة.
إذا الزيارة الرسمية السورية العلنية ليست صدفة، واللقاء المصري الإيراني الأخير ليس صدفة، والمناورات المصرية الروسية ليست صدفة. وعندما يتزامن كل ذلك مع أول خلاف مصري سعودي علني منذ ثلاث سنوات، فهو ربما يؤكد أن القاهرة بدأت بالفعل فى تنويع سلة خياراتها الدولية والإقليمية.
الكاتب: عماد الدين حسين