عماد الدين حسين: حوار مع إخواني شبه معتدل!!
٨ ديسمبر ٢٠١٦سيسأل البعض وهل هناك إخواني معتدل وآخر متطرف.. أليس كلهم نسخة واحدة متطرفة؟! والإجابة ببساطة: هذا سؤال غير علمي وغير موضوعي، لأنه طالما أن هناك جماعة كبيرة وقديمة وبها آلاف الأعضاء، فمن الطبيعي أن يكون بها كل الأصناف من يمين ويسار ووسط، محافظون وإصلاحيون سلميون وعنيفون، بل وإرهابيون أيضاً.
وربما يكون السؤال الصحيح هو: ما هي نسبة المتطرفين والمعتدلين داخل الجماعة، بعد الضربات النوعية العنيفة التي تعرضت لها منذ ثورة 30 يونيو 2013؟
ظني الشخصي أن قسماً كبيراً من الجماعة لم يكن يؤمن بالعنف حتى 30 يونيو، أو على الأقل يؤمن بما يسمى في أدبيات الجماعة بـ«العنف المؤجل»، الذي كان يتم تدريسه في قسم التربية للأعضاء أثناء التحاقهم بالجماعة. لكن بعد صدمة الخروج من الحكم، وفض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس/ آب 2013، فقد تحول عدد كبير من الإخوان للعمل العنيف والمسلح بل والإرهابي أحياناً، ورأينا انشقاقاً واضحاً وعميقاً رأسياً وأفقياً داخل الجماعة، بين مجموعة تؤمن بالعنف وتمارسه وتقتل ضباط وقضاة وتتباهى بذلك، وأخرى تعارض هذا التوجه، رغم أن الأخيرة كانت محسوبة تاريخياً على الاتجاه المتطرف أو ما يطلق عليهم «القطبيون» نسبة إلى سيد قطب منظر الجماعة الشهير الذي أفتى للعنف وتم إعدامه في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1966.
القيادي الإخواني الذي التقيته، لا يحب الإعلام كثيراً ولا تشغله الأضواء مثل كثيرين، ومن القلائل جداً الذي يفهم قواعد اللعبة، وربما لهذا السبب لم يتم القبض عليه مثل كثيرين. في نقاش مع هذا الرجل، الذي حضر جزء كبير منه أحد الزملاء الصحفيين، قال لي إن الإخوان مستعدون الآن للمصالحة وطي صفحة الماضي؟!
وعندما سألته عن معنى المصالحة، وهل يتصور أن تكون مثل تلك التي تمت مع بدايات حكم أنور السادات عام 1970، أو بدايات عهد مبارك أوائل عام 1982، قال لي إنه يدرك أن الظروف تغيرت، وهو لا يتصور أن تكون هناك مصالحة بمعنى لقاء وتبادل أحضان وقبلات، بل تفاهم عام على مجموعة من الشروط والقواعد التي تتيح لهم التقاط الأنفاس.
تعبير المصالحة تكرر كثيراً في الأيام الأخيرة خصوصاً بعد التصريحات المفاجئة التي أطلقها القيادي الإخواني المقيم في لندن إبراهيم منير، ودعا فيها إلى المصالحة مع النظام المصري، ثم عاد في اليوم التالي ليقول إن تصريحاته لم يتم فهمها جيدا، لكن الرسالة كانت قد وصلت إلى من يهمه الأمر.
خلال اللقاء قال لي القيادي الإخواني إن الجماعة مؤمنة تماما أن أي تهدئة سوف تتضمن ابتعاد الجماعة عن العمل السياسي لأي فترة يتم الاتفاق عليها،وإنهم منفتحون على كل الشروط والمطالب والأفكار.
في بداية هذه المقال وصفت الرجل بأنه شبه معتدل، والسبب أنه مدرك أن الجماعة تعرضت لضربة شديدة ومؤلمة، وأن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي ما يزال قوياً وسوف يكمل فترته، وربما فترة رئاسية أخرى.
قلت له ولكن لماذا لا يقوم قادة الجماعة بإخبار الأعضاء العاديين بهذه الحقائق الواقعية؟ ولماذا تتركونهم يظنون فعلاً أن «محمد مرسي سيعود إلى القصر خلال أيام كي يستكمل فترته الرئاسية»؟!
الرجل لم يجب على تساؤلي بوضوح، وإن كان لم يعارض منطقي، مقراً أن الظروف التي واجهها الإخوان جعلت أشياء كثيرة غير منطقية تحدث.
لا يدرك غالبية أعضاء جماعك الإخوان خصوصاً الشباب وصغار السن منهم،المتغيرات الدراماتيكية التي حدثت. بعض الموجودين خارج مصر لا يري الصورة الحقيقية على الأرض. الرجل الذي قابلته يعيش على أرض الواقع، يعرف أن جزء كبيرا من قادة الجماعة إما محبوس أو هارب أو مطارد أو مقيم في الخارج.
ومن بقى فربما تم التحفظ على أمواله، ويسعى في طلب الرزق أو مساعدة بعض الأسر التي فقدت عائلها سواء بالحبس أو القتل أو الإصابة. ونتيجة لذلك لا يدرك المقيمون في الخارج حقيقة معاناة إخوان الداخل، وجزء كبير منهم يريد أن يعيش حياته الطبيعية من دون مطاردة أو تربص أو تحفظ على المال والممتلكات.
في تقدير كثير من المراقبين فإن تصريحات إبراهيم منير الأخيرة، التي تطلب المصالحة، تعنى أن الجماعة بدأت تشعر بالإرهاق والتعب فعلا، إضافة إلى أن المتغيرات الكثيرة على الأرض تعمل ضد الجماعة، سواء لوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أو التراجع المستمر لتيار الإخوان في المنطقة العربية وآخرها ما يحدث في سوريا. ولم تعد الجماعة قادرة على الحشد الجماهيري،ولذلك فأغلب الظن أنها تريد التقاط الأنفاس،والاهم أنها تسعي للهدف الاستراتيحي أي الحفاظ على التنظيم أو ما بقي منه بكل السبل المتاحة.
القيادي الإخواني لا ينكر كل الصعوبات، لكنه يؤكد أن الجماعة مرنة وقادرة على التكيف مع كل الظروف، وأنها تعرضت لظروف كثيرة صعبة وتجاوزتها.
لكن السؤال المهم هنا: لنفترض أن الجماعة تريد المصالحة وتسعى إليها لأنها هي المستفيدة، فماذا ستقدم عملياً للمجتمع والسؤال الأهم هو ما الذي يجبر الحكومة على أن تستجيب لهذا الطلب أو التمني؟! سؤال يستحق البحث والتفكير.
عماد الدين حسين