على عكس معظم التوقعات .. لماذا فشلت روسيا في أوكرانيا؟
٢٨ ديسمبر ٢٠٢٢عندما شرعت روسيا في حشد قواتها العسكرية على طول الحدود مع أوكرانيا منذ عام، توقع خبراء وسياسيون غربيون كُثر أن كييف ستسقط في أيدي الدب الروسي في غضون أيام قليلة وهو الأمر الذي كان متوافقا مع التقديرات الروسية ذاتها.
بيد أنه مع توغل القوات الروسية في ضواحي كييف خلال الأيام الأولى من الحرب، نجح الجيش الأوكراني في صدها وأجبرها على الانسحاب. ورغم ذلك، لا تزال هذه التقديرات الخاطئة تجد أصداء حتى الوقت الراهن.
فرغم رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإقرار بذلك بشكل مباشر، إلا أنه صرح مطلع ديسمبر/ كانون الأول أن بلاده تستعد لحرب طويلة الأمد.
تضاؤل السيادة الجوية لروسيا
وبعد بدء الغزو الروسي، فإن الكثير من التوقعات وسيناريوهات الحرب كانت خاطئة إذ كان يُعتقد أن روسيا ستفرض سيادتها على المجال الجوي لأوكرانيا على نحو سريع من خلال القضاء على كامل القوات والدفاعات الجوية للجيش الأوكراني.
واستندت هذه التوقعات على ما سارت إليه المعارك السابقة في منطقة دونباس بشرق أوكرانياعام 2014.
فرغم نفي روسيا أي انخراط في معارك شرق أوكرانيا حينها، إلا أن الجانب الأوكراني تكبد خسائر فادحة في السلاح الجوي إذ خسر طائرات ومروحيات في الأشهر القليلة الأولى ما دفع قادة الجيش إلى عدم استخدام ما تبقى من طائرات ما كان يعني القضاء على القوات الجوية الأوكرانية عمليا.
لكن فيما يتعلق بالحرب الروسية التي اندلعت في فبراير/ شباط، فقد سارت مجرياتها على عكس ذلك إذ تبين أن إعلان وزارة الدفاع الروسية بعد أيام عن تمكنها من فرض السيادة على المجال الجوي الأوكراني بأكمله غير صحيح، رغم أنه من الصائب القول بأن القوات الجوية الروسية متفوقة بشكل واضح من حيث الحجم والتكنولوجيا على القوات الجوية الأوكرانية.
بيد أنه حتى في هذه الحالة، فإن أوكرانيا لا تزال تحتفظ بطائرات ومروحيات رغم تعرض مطاراتها العسكرية لضربات صاروخية روسية فيما تزداد قوة دفاعاتها الجوية مع طول أمد الحرب.
وفي ذلك، قالت مصادر أوكرانية إن روسيا فقدت مئات الطائرات والمروحيات منذ بدء الحرب.
ورغم عدم تأكيد صحة هذه الادعاءات بشكل مستقل، إلا أن استخبارات غربية تشير إلى تكبد السلاح الجوي الروسي خسائر كبيرة خاصة في الخطوط الأمامية ما أعاق قدرته على شن هجمات داخل العمق الأوكراني وبات يستعين بطائرات مسيرة ويشن هجمات بالصواريخ تمكن الجانب الأوكراني من اعتراضها بفضل الدعم الغربي.
"ورطة" الأسطول الروسي في البحر الأسود
فيما يتعلق بالقدرات البحرية، يبدو أن روسيا تتفوق على أوكرانيا إذ أنه خلال العام الماضي أجرت موسكو تدريبات مرتين في شبه جزيرة القرم شملت إنزال قوات.
وقد أثارت هذه التدريبات المخاوف من أن روسيا تخطط لشن هجوم على جنوب أوكرانيا بما يشمل التحرك صوب أوديسا عن طريق استخدام سفن حربية لنقل عدد كبير من القوات الروسية.
ورغم ذلك، لم يتحقق هذا السيناريو فيما يشكك بعض الخبراء في إمكانية لجوء روسيا لهذا الخيار.
وفي ذلك، يقول مارك ديفور، المحاضر البارز في مجال السياسة الدفاعية في جامعة "سانت أندروز" بإسكتلندا، إن "عمليات الإنزال البرمائية محفوفة بالمخاطر للغاية وقد تتطلب زيادة كبيرة في القدرات."
ويضيف أن روسيا تبحث على ما يبدو عن فرص لعمليات إنزال لكن "الشواطئ غير محمية".
وفي الوقت الذي تمكنت فيه القوات الروسية من احتلال جزيرة الثعبان الصغيرة والاستراتيجية جنوب غرب أوديسا بعد حشد سفن حربية مع بداية الغزو، فإن الجانب الأوكراني تمكن من طردها في أواخر يونيو/ حزيران على وقع هجمات مدفعية موجهة.
ويرى مراقبون أن الأسطول الروسي في البحر الأسود الروسي يعد حتى الآن الخاسر الأكبر في الحرب خاصة مع إغراق طراد الصواريخ الموجهة الروسي "موسكفا" في البحر الأسود بسبب الصواريخ الأوكرانية في أبريل /نيسان.
وسبق ذلك إغراق سفينة الإنزال الروسية الكبيرة "ساراتوف" في ميناء بيرديانسك في بحر آزوف بسبب هجمات صاروخية أوكرانية.
وفي ضوء ذلك، أقدمت روسيا على إبعاد السفن الحربية في أسطول البحر الأسود عن الساحل الذي لا يزال تحت سيطرة الجانب الأوكراني فيما تعرضت قاعدة سيفاستوبول - مقر أسطول البحر الأسود الروسي- في شبه جزيرة القرم لهجمات أوكرانية بطائرات مسيرة.
ورغم ذلك، فإن الأسطول الروسي لا يزال منخرطا في الحرب إذ تواصل السفن مهاجمة أوكرانيا بصواريخ كروز، لكن مع الحفاظ على مسافة آمنة.
وقد تخلت روسيا رسميا عن حصارها البحري للموانئ الأوكرانية من أجل إفساح المجال لتنفيذ "صفقة الحبوب" مع أوكرانيا بوساطة تركية وأممية.
وكانت روسيا قد انسحبت من الصفقة بعد الهجوم على سفن حربية أواخر أكتوبر /تشرين الأول، لكنها استأنفت مشاركتها بعد حصول على "ضمانات أمنية" من كييف لحماية الأسطول الروسي في الممر البحري المخصص للصادرات.
تعزيز القدرات "السيبرانية" لأوكرانيا
قبل بدء روسيا توغلها العسكري، عبر كثيرون عن مخاوفهم من أنها قد تُقدم على شل أوكرانيا بهجمات إلكترونية كبيرة على خلفية أن كييف كانت هدفا لأعمال قرصنة خلال السنوات الماضية.
وقبل الغزو بأسبوع وتحديدا في 15 من فبراير/ شباط، تعرضت أوكرانيا لهجوم إلكتروني كبير وصفه نائب رئيس الوزراء الأوكراني، الذي يشغل منصب وزير التحول الرقمي، ميخايلو فيدوروف، بأنه أكبر هجوم من نوعه في تاريخ البلاد.
وفي اليوم السابق من بدء الغزو الروسي، تعرضت مواقع إلكترونية تابعة للحكومة والبرلمان في أوكرانيا لهجمات قِيل إن روسيا تقف وراءها.
ورغم ذلك، يبدو أن أوكرانيا كانت مستعدة بشكل جيد لهذا السيناريو إذ أخفقت الهجمات الإلكترونية بعد ذلك في تكبيد كييف خسائر كبيرة.
ورغم أن تعطل مرافق البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا مثل شبكات الكهرباء، إلا أن هذا يرجع إلى هجمات صاروخية وليس لهجمات إلكترونية.
وعلى غرار الدعم العسكري، ساهمت المساعدات الغربية في تعزيز الدفاعات الإلكترونية الأوكرانية خلال السنوات الماضية،
إذ قبل الحرب نُشر فريق الاستجابة السيبرانية السريع التابع للاتحاد الأوروبي للمساعدة على تعزيز الدفاعات الأوكرانية ضد الهجمات الإلكترونية.
وعلى وقع ذلك، يبدو أن تعثر روسيا في ساحات المعارك بأوكرانيا يقابله تعثر مماثل في الفضاء الإلكتروني، لكنّ خبراء غربيين يتوقعون ارتفاع حدة الهجمات الإلكترونية مع اقتراب فصل الشتاء.
رومان جونشارينكو / م ع