علاقات العمل في عصر العولمة ـ أشكال تقليدية من العبودية بثوب عصري
٣٠ ديسمبر ٢٠٠٨شكل إلغاء العبودية أحد أهم وأكبر الانجازات في تاريخ البشرية، ففي مجال العمل كفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 23 "لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة." وفي الفقرة الثانية من نفس المادة: "لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساو للعمل"، أما الفقرة الثالثة فقد نصت على أن: "لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مرض يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان تضاف إليه، عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الاجتماعية". وضمنت المادة 24 الحق في الراحة وفي التمتع بأوقات الفراغ وتحديد ساعات العمل والعطلات.
لكن، وبالرغم من كل ذلك، إلا أنه المشكلة من الناحية العملية لم تحل جذرياً إلى حد الآن، حيث ماتزال هذه النصوص بالنسبة للكثير من البشر مجرد وعود نظرية لم تتحقق، حيث لا يزال اليوم أكثر من 12 مليون من البشر، رجالا ونساء وأطفالا، في مختلف دول العالم يقومون بأعمال شاقة في ظروف أشبه بالعبودية. في هذا السياق وتعلق الخبيرة في المعهد الألماني لحقوق الإنسان في برلين بيترا فولمار-أوتو على هذا الوضع بالقول "مازلنا نجد حتى اليوم أشكالا كثيرة من علاقات العمل التي يعامل فيها بعض الناس كما لو أنهم مِلك لأناس آخرين".
أشكالٌ حديثة للرق
لا تقتصر أعمال السخرة على الأنماط قديمة مثل استغلال شغالات المنازل في دول شمال إفريقيا، كما تقول الخبيرة الألمانية، فإلى جانب بل هناك أشكال حديثة من علاقات العمل الشبيهة بالعبودية. ولم يعد الأمر مقتصرا على بقاء هذه الممارسات وحسب، بل أنها في تزايد مستمر، كما تقول فولمار-أوتو، مضيفة إنها تحدث في بلدان صناعية متطورة مثل ألمانيا، حيث تبرز هذا النوع من العبودية بشكل أو بأخر في قطاعات الأعمال المختلفة كقطاع البناء، وتجارة الجنس، في قطاع الصناعة، و الزراعة أوفي العمل في المطاعم. وتتابع الخبيرة الألمانية بالقول إنه توجد كذلك حالات أخرى من العبودية مثل وضع الشغالات في المنازل، ولكنها المشكلة تكمن في عدم معرفتنا بحجم هذه الظاهرة، إذ أقتصر الأمر على شكاوي فردية، ولكنها تشهد تزايدا ملحوظاً في الآونة الأخيرة، حسب تعبيرها.
المهاجرون يقعون ضحية لتجارة الرقيق
الوضع الاقتصادي الصعب والبطالة تجعل كثيرا من الناس في مختلف دول العالم يلجئون إلى البحث عن إمكانيات بديلة، سواء في الدول الصناعية أو في الشرق الأوسط أو في أمريكا اللاتينية، حيث يقرروا الهجرة، ويتعرضون بشكل متزايد لاستغلال من تجار البشر عديم الضمير. فكثير من هؤلاء المهاجرين لا يملكون إقامة شرعية ولا يستطيعون الحصول على أموال كافية لتسديد تكلفة مجيئهم، كما لا يتمكنوا من الحصول على عمل، ولا يستطيعون فعل شيء حيال ذلك. وقد ينتهي المطاف بتعرضهم أو تعرض أحد أفراد أسرهم في البلد الأصلي للتهديد، ولذا يضطروا للعمل لساعات طويلة وفي ظروف سيئة للغاية في مقابل الحصول على مبالغ زهيدة، و قد يصل بهم الأمر إلى أنهم يضطرون للعمل مقابل لقمة تسد رمقهم ومكان ينامون فيه ليس أكثر.
استغلال الظروف لمضاعفة الأرباح
وفي هذا السياق يثور السؤال عما إذا كان تشابك العلاقات الاقتصادية العالمية الحالي يشجع على خلق ظروف عمل استغلالية؟ حيث تؤكد بياته اندريس، من برنامج حملة مكافحة أعمال السخرة في منظمة العمل الدولية، على أنه من الواضح أن لذلك تأثير على علاقات العمل، إذ أنه دائما ما يحدث أن يقوم رب العمل بتخفيض الأجور بشكل متعمد ومدروس من أجل تحقيق أرباح أكبر. ويحدث ذلك بصورة أوضح في المجالات التي لا يحتاج فيها إلى عمالة ماهرة ومؤهلة أو في المجالات الاقتصادية التي يتطلب فيها زيادة طاقة الإنتاج بشكل كبير، وفقا للمسؤولة الدولية. وحسب دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية عام 2005 تبين أن أعمال السخرة تدر 44 مليار دولار أمريكي سنويا من الأرباح على مستوى العالم. صحيح إن الظاهرة لاتزال تبرز بشكل في أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، لكنها في حال تشهد تناميا ديناميكيا في أوروبا، وفق اندريس.
وتسعى منظمة العمل الدولية، حرصا على صون كرامة الإنسان، إلى تنفيذ خطة تهدف إلى تحسين ظروف العمل وإنهاء أعمال السخرة وعمالة الأطفال، وتوفير وسائل الأمان والرعاية الصحية في مكان العمل وتوفير أجور مناسبة للعمال. وبالرغم من هذا التصور مرتبط بالأهداف الإنمائية لمنظمة الأمم المتحدة، ولكنه يفتقد إلى ترجمة حقيقية على أرض الواقع.
من جانب آخر كشفت صحفية ألمانية مدى الاستغلال الذي يتعرض له الأطفال في الدول النامية، حيث يستخدمون، في الهند مثلاً، في جلب الأحجار التي تستخدم في رصف الساحات في المدن الأوروبية. وتحقق المناقصات الرسمية أرباحا طائلة للموردين، الذين يستخدمون الأطفال، باعتبارهم عمالة رخيصة، حيث يستغلونهم بشكل بشع في تحقيق أرباحهم.
مسؤولية الدولة والمجتمع
ويلقي أيدن مكواد، أحد الناشطين في المنظمة العالمية المناهضة للرق، أحد أقدم المنظمات الغير حكومية، والتي تتخذ من لندن مقرا لها، المسئولية على كل من لمواطنين والحكومات معاً، مطالبا بأن يضغط المواطنون على حكوماتهم التي انتخبوها من أجل أن تجعل معالجة هذه المشكلات على قائمة أولويات سياستها التجارية، ويتم تضمينها في اتفاقات التعاون التنموي، وفقا لرأي الناشط الحقوقي. وتحمل بيترا فولمار-أوتو من ناحيتها الحكومات المسئولية باعتبارها مسئولة عن حماية المواطنين، وتخص بالذكر الدول الصناعية التي يجب عليها التأكيد على حقوق الإنسان ليس في تشريعاتها الداخلية فحسب بل في تعاملها مع المؤسسات التجارية العالمية.