علاء الأسواني: هشام جنينه والذين معه..
٨ يناير ٢٠٢٠عندما كان المستشار هشام جنينه رئيسا للجهاز المركزي المحاسبات عقد اجتماعا مع خبراء القانون في الجهاز وسألهم:
ــ القوات المسلحة في مصر تقوم بمشروعات مدنية مثل المقاولات وانتاج الاغذية وغيرها. أرجو أن تدرسوا اذا كان هناك نص قانوني يمنعنا من مراقبة هذه المشروعات؟
درس الخبراء كل مواد القانون ولائحة الجهاز ثم عادوا بالاجابة التالية:
ــ حيث ان هذه المشروعات المدنية ليس لها أي طابع عسكري وليست من الأسرار الحربية فمن حق الجهاز مراقبتها
عندئذ أصدر المستشار جنينه تعليماته لمندوبي الجهاز بالتوجه إلى مشروعات الجيش المدنية من أجل مراقبة ميزانيتها وتسجيل ايراداتها ومصروفاتها وأرباحها تماما كما يحدث مع المشروعات الأخرى.
ما أن وصل المندوبون إلى مشروعات الجيش حتى تم احتجازهم بواسطة الشرطة العسكرية وسرعان ما تلقى المستشار جنينه مكالمة من لواء في الجيش بادره قائلا:
ــ ما هذا الذي فعلته يا سيادة المستشار؟ هل تريد أن تراقب مشروعات الجيش؟
فأجاب المستشار:
ــ لقد قمت بواجبي لا أكثر ولا أقل. ان هذه المشروعات المدنية ليس لها أي طابع عسكري وبالتالي يجب اخضاعها لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات.
صمت اللواء قليلا ثم ضحك وقال:
ـــ ايه الحكاية يا سيادة المستشار؟ هو احنا عملنا حاجة أغضبتك؟ لو كنت زعلان من الجيش قل لي واحنا نصالحك
رد المستشار جنينه غاضبا:
ــ ما تقوله ياسيادة اللواء يشكل جريمة. أرجو أن تنهى المكالمة فورا.
رفض الجيش رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات على مشروعاته المدنية وكانت هذه الواقعة بداية الحرب ضد المستشار جنينه فقد تعرض أولا لحملة اعلامية ضارية ـ بتعليمات من المخابرات ـ من أجل تشويه سمعته ثم قام الرئيس السيسي بتغيير القانون حتى يتمكن من اقالته من منصبه وبعد ذلك ــ بايعاز من الأمن ــ تعرض المستشار جنينه إلى اعتداء وحشي من البلطجية كاد أن يودي بحياته مما اضطره إلى اجراء عملية جراحية، ثم استغلت السلطة حديثا صحفيا أدلى به لتحيله إلى محاكمة عسكرية قضت بحبسه لمدة خمسة أعوام. أذكر أنني سألت المستشار جنينه:
ــ ألم تندم على قرارك باخضاع مشروعات الجيش لرقابة الجهاز؟
بدا على وجهه الانزعاج وقال:
ـــ أنا لا أندم أبدا على أداء الواجب ولو عاد بي الزمن لفعلت ما فعلته من جديد.
هذا الرجل العظيم الذى يبلغ الخامسة والستين من العمر يقبع الآن في زنزانة ضيقة باردة في السجن الحربي. الجريمة الوحيدة التي ارتكبها جنينه في نظر السيسي انه قام بواجبه في الدفاع عن المال العام.
المستشار جنينه ليس وحده فان معه آلاف المعتقلين ظلما وجريمتهم الوحيدة أنهم دافعوا عن حقوق المصريين وكرامتهم. هذا مافعله أيضا يحيى حسين الذي دافع عن المال العام وأوقف الصفقة المشبوهة لبيع محلات عمر أفندي في عهد مبارك وقد تم اعتقاله لأنه انتقد الرئيس السيسي على فيسبوك، وهكذا فعل حسن نافعه وحازم حسني وحازم عبد العظيم.
هؤلاء الشيوخ لم يكن أحد ليلومهم لو أنهم لزموا الصمت لكي ينعموا بحياة هادئة وتقاعد مريح لكن حبهم لوطنهم جعلهم يعترضون على الظلم وهم يدفعون الآن ثمن مواقفهم المشرفة. عشرات الألوف من المعتقلين الشباب كان بامكانهم أن يتفرغوا لمصالحهم ومستقبلهم. اذا كنت شابا ومعك شهادة جامعية فان أمامك فرصا كثيرة لكى تنجح في حياتك العملية. تستطيع أن تهاجر إلى الغرب لتعيش كمواطن في دولة تحترم انسانيتك وحقوقك ويمكنك أن تحصل على عقد عمل في الخليج لتكون ثروة وتتزوج وتصنع أسرة.
هؤلاء الشباب النبلاء رفضوا الاختيارات المريحة وقرروا أن يغيروا بلادهم بأيديهم ودافعوا عن حقوقنا وكرامتنا. هكذا فعل شادى الغزالي حرب وعمرو إمام وزياد العليمي ومحمد أكسجين ومحمد رمضان واسراء عبد الفتاح وماهينور المصري وعلاء عبد الفتاح وأحمد دومة وغيرهم آلاف الشباب الذين هم أنبل وأشجع من انجبت مصر..وفقا لشهادات الأهالي وعشرات التقارير من منظمات حقوقية فان المعتقلين يتعرضون لأبشع انواع التنكيل في سجون السيسي: حبس انفرادي وضرب وتعذيب واهدار كامل لحقوقهم كمساجين. بينما ننعم نحن بالدفء في بيوتنا فان هؤلاء الأبطال ينامون على الاسفلت وتمنعهم ادارة السجن من ادخال الأغطية والملابس الثقيلة وتحرمهم من التريض وكثيرا ما تمنع عنهم الرعاية الطبية والأدوية حتى ان كثيرين منهم ماتوا من الاهمال الطبي المتعمد.
يجب ألا ننسى هؤلاء المعتقلين فنحن مدينون لهم بالكثير. اذا لم نستطع التظاهر من أجل اطلاق سراحهم أو احترام حقوقهم كسجناء فهناك طرق كثيرة للتضامن معهم. ان أسوأ ما يؤلم المعتقلين إحساسهم بأن الناس نسوهم وتخلوا عنهم.
في أعقاب ثورة يناير شرفت بالاشتراك في جمعية لرعاية أهالي الشهداء والمصابين في الثورة. نحن بحاجة الآن إلى جمعية مماثلة لرعاية المعتقلين في سجون السيسي وتقديم المساعدات لأهاليهم.
ليس هذا عملا خيريا لكنه جزء بسيط من رد الجميل لمن دافعوا عن حقوقنا ويدفعون الآن الثمن من حريتهم وحياتهم. وأنا أؤيد هذه الفكرة كوسيلة للتضامن مع المعتقلين وأهاليهم.
بامكاننا أن نفعل الكثير من أجل هؤلاء الأبطال حتى يأتي اليوم الذي يتحررون فيه من السجن ونتحرر فيه جميعا من الظلم والاستبداد. ذلك اليوم الذى تنتظره مصر كلها وباذن الله لن يطول الانتظار.
الديمقراطية هي الحل
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.