علاء الأسواني: من يكره السوريين في مصر ..؟!
٢٠ أغسطس ٢٠١٩نشأت وعشت سنوات طويلة في حي جاردن سيتي بالقاهرة. ارتبط هذا الحي بالطبقة المتوسطة وشهد صعودها منذ بداية القرن الماضى ثم انحدارها منذ السبعينيات حتى الآن. من علامات الانحدار أننا فوجئنا ذات صباح بشخص يحضر عربة فول وطعميه ويحتل مدخل العمارة التي نسكنها ثم يشرع في بيع الفول والطعمية للمارة. لم يكن لدى هذا البائع أي ترخيص أو تصريح من الحكومة وخلال يومين تحول مدخل العمارة إلى مكان مليء بالقمامة. أسرع السكان بتقديم الشكاوى إلى مجلس الحي، فجاء موظفون وحرروا مخالفات عديدة لبائع الفول لكنه استمر في عمله كأن لم يكن. كان، كما قال بنفسه، يدفع الرشاوى بانتظام لموظفي الحي بالإضافة إلى وجبات إفطار مجانية يمدهم بها كل صباح. استمر بائع الفول في مكانه عدة شهور حتى أصابنا اليأس من تنفيذ القانون، ثم ذات يوم تشاجر بائع الفول مع شاب لأنه كان يريد أن يركن سيارته أمام عربة الفول. كان هذا الشاب ابن وزير سابق يسكن في أول الشارع. عندئذ فقط جاءت حملة من مجلس الحي وأزالت كل شيء ولم نر بائع الفول بعد ذلك.
تذكرت هذه الحكاية وأنا أتابع مثل ملايين المصريين النزاع بين صاحب مطعم سوري في الاسكندرية وسيدة مسنة تسكن فوق المطعم .هذا الخلاف معتاد وشائع، إلا أن السيدة المسنة بثت فيديو استغاثت فيه بالرئيس السيسي وأكدت أنها ذهبت مرتين على كرسي متحرك إلى اللجنة الانتخابية حتى تنتخب السيسي زعيمها المحبوب ثم ناشدته وهي تبكي:
ـ "سيادتك هل يرضيك ما يفعله السوريون بالمصريين؟"
هكذا تحول خلاف عادي بين جارين إلى حملة عنصرية ضد السوريين المقيمين في مصر. تصاعدت الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي حتى أرسل محافظ الاسكندرية مجموعة ضخمة من الجنود والضباط ومفتشي الحي قاموا بإغلاق المطعم بعد ما أعلنوا اكتشافهم لمخالفات عديدة في المطعم لم يحددوها. هلل كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي واعتبروا إغلاق المطعم نصرا عظيما لمصر والمصريين. هنا لابد أن نذكر بضعة حقائق:
أولا: اعتبار السوريين جميعا مسئولين عن تصرف صاحب المطعم السوري، ينم عن تفكير همجي وعنصري لأن أول قواعد التفكير المتحضر أن يكون كل شخص مسئولا فقط عن تصرفاته.
ثانيا: إذا كان صاحب المطعم قد ارتكب هذه المخالفات، فلماذا ظل المطعم مفتوحا حتى استغاثت السيدة بالسيسي ولماذا لايطبق القانون بنفس الحزم على كل المطاعم المخالفة في الاسكندرية وهي كثيرة؟ هل كانت المشكلة في مخالفات المطعم أم المشكلة في الجنسية السورية لصاحب المطعم؟
لو كان صاحب المطعم خليجيا هل كان سيتم إغلاق مطعمه؟ أظن الإجابة معروفة. إن آلاف المصريين في الخليج تنتهك حقوقهم بواسطة الكفيل ويتعرضون إلى سوء المعاملة وكثيرا ما يتم حبسهم ظلما، لكن الحكومة المصرية لا تحرك ساكنا لأنها لا تستطيع إغضاب حكومات الخليج التي تساعدها ماليا. إن تطبيق القانون بهذا الشكل الانتقائي أسوأ درجات الظلم.
ثالثا: ليست هذه أول مرة يتم فيها تحريض الرأى العام ضد السوريين المقيمين في مصر. الإعلام المصري خاضع تماما لأجهزة الأمن وكل كلمة تذاع أو تنشر تعكس توجها في النظام. لقد زعم أحد المذيعين يوما أن السوريين جميعا يؤيدون الإخوان المسلمين ثم بدأ فاصلا من الإهانات العنصرية ضد السوريين كانت كفيلة بمحاكمته لوكنا في دولة ديمقراطية ومنذ أسابيع نشرت جريدة خاضعة للأمن الوطني مقالا حافلا بالتحريض والكراهية ضد السوريين واتهمتهم بأنهم صنعوا ثروات طائلة من أموال الشعب المصري. هل توجد دوافع سياسية لهذا التحريض ضد السوريين؟ هل المطلوب منهم دفع إتاوة على شكل تبرعات لنظام السيسي حتى يتركهم في حالهم؟ أم أن هذا التضييق يستهدف دفعهم للعودة إلى سوريا؟
رابعا: الضجة المفتعلة ضد صاحب المطعم السوري استعملها نظام السيسي ليبدو وكأنه يدافع عن حقوق المصريين ويصون كرامتهم، بينما هو أول من ينتهك آدميتهم ويكفي أنه يحبس في سجونه أكثر من 60 ألف معتقل معظمهم كانت جريمتهم الوحيدة أنهم يختلفون في الرأي مع السيسي. من ناحية أخرى، فإن المصريين الذين انجروا إلى هذه المعركة السخيفة بدعوى الوطنية، إنما يمارسون خداع النفس ويخوضون معركة سهلة مجانية بدلا من المعركة الحقيقية التي يجب أن يخوضوها ضد الديكتاتور إذا كانوا وطنيين فعلا ويريدون حقا الحرية والكرامة للشعب، على أنهم يعلمون جيدا أن المعركة ضد الديكتاتور ستكلفهم سنوات في السجن ولذلك فهم يصطنعون معارك ضد صاحب مطعم سوري تشاجر مع مصرية أو ضد راقصة وضعت على جسدها علم مصر أو ضد لاعب كرة قدم جزائري لم يصافح رئيس الوزراء المصري. كلها معارك جوفاء تافهة لكنها آمنة لا تكلف شيئا وتظهر من يخوضها وكأنه وطني غيور على بلاده.
من يكره السوريين في مصر؟ بالطبع لا يكرههم أحد، بين السوريين والمصريين علاقات تاريخية عميقة ووطيدة. المصريون يثقون فيهم ويحبونهم ويقبلون على منتجاتهم ومحلاتهم. لقد جاء آلاف السوريين إلى مصر في ظروف صعبة للغاية، لكنهم لم يستسلموا لليأس ولم يتاجروا بمآسيهم بل اجتهدوا في العمل حتى حققوا النجاح واستقرت أحوالهم المادية بفضل مجهودهم.
أتمنى ألا نستدرج نحن المصريين إلى معارك جانبية مفتعلة لأن معركتنا الوحيدة سنخوضها ضد الاستبداد حتى نسترد حريتنا وكرامتنا ونبني دولة يتساوى فيها الجميع أمام القانون.
الديمقراطية هي الحل
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW