علاء الأسواني: ..سبعة تمارين لتحرير العقل..
١٣ نوفمبر ٢٠١٨حدث ذلك في صالة الانتظار في مطار القاهرة. جلس بجواري شاب ملتح في الثلاثينيات من العمر. تبادلنا الحديث فعرفت انه مهندس يعمل في الخليج. كان ذلك في عام 2011 بعد سقوط مبارك بأسابيع. سألته:
ــ هل اشتركت في الثورة؟!
ابتسم وقال:
ــ لم أشترك والحمد لله
سألته عن السبب فقال:
ــ أنا أسعى إلى طاعة ربنا وسبحانه وتعالى ومن حسن حظى اننى تلميذ الشيخ فلان (داعية سلفي شهير) فأنا أصلي خلفه وآخذ العلم منه وأسأله في أمور الدنيا والدين وعندما بدأت المظاهرات في يوم 25 يناير، اتصلت به لكي أسأله عن الحكم الشرعي للمظاهرات. للأسف لم أتمكن من معرفة رأيه لمدة يومين لأنه لم يكن يرد على التليفون ولما وصلت إليه في اليوم الثالث قال لي إن المظاهرات حرام شرعا لأنها تحدث فتنة بين المسلمين وقد عملت بنصيحته فلزمت البيت ولم أشترك فيما تسمونه ثورة لأنني لا أشترك في فتنة والعياذ بالله.
آثرت الصمت وبعد قليل صافحته وانصرفت وفي الطائرة فكرت ان هذا الشاب قد وصل إلى أعلى درجات التعليم لكنه عاجز تماما عن التفكير لنفسه. ان مشاعره الدينية العميقة تحولت إلى طاعة عمياء للشيخ الذي يتلقى الدين على يديه. انه يطارد شيخه ليعرف كيف يتصرف في حياته. في السنوات التى أعقبت الثورة اتضح لي ان حالة هذا الشاب منتشرة بين آلاف السلفيين الذين لايقررون ما يفعلونه بأنفسهم أبدا وانما يتبعون نصائح شيوخهم لدرجة ان خطبة واحدة من الشيخ تستطيع حشدهم فورا لاتخاذ أي موقف باعتباره دفاعا عن الدين. هذه التبعية الذهنية ليست قاصرة على السلفيين. الاخوان المسلمون أيضا تنظيم قائم على بيعة يعقدها الشاب مع التنظيم يتعهد فيها بالسمع والطاعة وبالتالي فان الطاعة العمياء للمرشد يعتبرها الاخوان واجبا دينيا يأثم من يتقاعس عنه. لا مجال اذن لأي تفكير مستقل عند السلفيين والاخوان. لاتوجد عندهم آراء وانما توجد حقيقة واحدة يقررها الشيوخ ويعتنقها الجميع ولكن هل الأقباط أحسن حالا من السلفيين والاخوان..؟
الأقباط يعانون من الاضطهاد والتمييز. المصريون جميعا مظلومون في ظل الاستبداد لكن الأقباط مظلومون مرتين، مرة مثل بقية المصريين ومرة اضافية لأنهم مسيحيون في وقت ينتشر في مصر الفكر الوهابي الذى يحتقر غير المسلمين باعتبارهم كفارا. كان من الطبيعي أن تحتضن الكنيسة أبناءها لتحميهم من هذا الجو الوهابي العدائي لكن الكنيسة تجاوزت دورها الروحي وأصبح لها دور سياسي. عندما كانت المعارضة المصرية تناضل ضد توريث الحكم من مبارك لابنه استقبلت الكنيسة جمال مبارك بحفاوة وأشادت به في اشارة إلى امكانية قبوله كحاكم مصر القادم. البابا تواضروس يدعم الآن نظام السيسي بكل قوة وبالتالي فان ملايين الاقباط يجدون أنفسهم - سياسيا - في نفس الموقف السلفيين والاخوان. اذا كان البابا بكل ما يمثله من سلطة دينية يعلن دعمه الكامل لنظام السيسي فكم قبطيا يستطيع مخالفة رأى البابا؟
هكذا يتضح ان قطاعا عريضا من المصريين لا يفكرون بشكل مستقل انما يؤمنون ان واجبهم الديني يلزمهم بتبني مواقف قياداتهم الدينية. أما المصريون العاديون، من غير الأقباط والاسلاميين، فيتولى الاعلام (الموجه من المخابرات) غسيل أدمغتهم أولا بأول بحيث تتكون عندهم الآراء التي يريدها النظام لهم بالضبط. كل جماعة من هؤلاء اذا ناقشتهم في أي موضوع ستجدهم جميعا يقولون نفس الحجج بنفس العبارات ذلك أن آراءهم قد تمت صياغتها من مصدر واحد. الحقيقة المؤسفة أن مصريين كثيرين خاضعون ذهنيا لرجال الدين والاعلام. لا يمكن تصور أي نهضة أو تقدم في مجتمع لا يشكل فيه الانسان وجهة نظره بناء على تفكيره المستقل. ان التفكير المستقل هو الذي دفع صناع ثورة يناير إلى التمرد ضد نظام مبارك بينما التبعية الذهنية لدى كثيرين هي التي عطلت الثورة وأدت إلى تعثرها. اذا كنا نناضل من أجل تحرير مصر من الديكتاتورية فيجب أن نناضل أيضا من أجل تحرير عقولنا من التبعية. فيما يلي بعض التمارين المقترحة لتحرير العقل:
أولا: تذكر أن الأديان كلها مجرد وسيلة لتعليمنا القيم الانسانية: الحرية والعدل والخير وأن تعاملنا مع الآخرين أهم عند الله بكثير من الصلوات والعبادات جميعا.
ثانيا: مارس دينك بعيدا عن سيطرة رجال الدين وتذكر انهم بشر مثلك لهم شهوات وأطماع كثيرا ما تؤثر في مواقفهم.
ثالثا: اسع إلى معرفة مقدار ثروة رجل الدين الذي تتعامل معه وكيف كسب هذه الأموال وتذكر أن الأنبياء كانوا جميعا فقراء.
رابعا: لاتصدق أي شيء يتردد في اعلام السيسي أو اعلام الاخوان وابحث عن الحقيقة في وسائل الاعلام العالمية.
خامسا: ابتعد عن المعرفة السمعية واحرص على تكوين رأيك بنفسك في أي موضوع. اقرأ واكتشف الحقيقة.
سادسا: درب نفسك على القراءة الحرة واعلم انك لو حصلت على أرفع الشهادات بدون القراءة الحرة ستظل جاهلا بالحياة وبالمجتمع.
سابعا: لاتفكر في الآخرين باعتبارهم مجموعات دينية أو سياسية وانما فكر فيهم باعتبارهم بشرا وكل انسان فيهم مثلك تماما: لديه نفس الأحلام والمشاعر الانسانية. اضفاء الطابع الانساني على الآخرين هو فقط ما يجعلك انسانا متحضرا.
ستكون التمارين صعبة في البداية لكنك اذا واظبت عليها ستحرر عقلك من التبعية وستكون قادرا على التفكير المستقل.عندئذ فقط سيبدأ المستقبل، لك ولبلادك.
الديمقراطية هي الحل
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.