علاء الأسواني: أن يحتجزك عبد الفتاح السيسي..
٩ يناير ٢٠١٨في الشتاء الماضي عملت كأستاذ زائر للأدب في كلية بارد في نيويورك وهي من أهم الجامعات الامريكية في الآداب والفنون. هذا العام تلقيت دعوات لالقاء محاضرات في الأدب من ثلاث جامعات أميركية كبرى هي جامعة برنستون وجامعة نيويورك وجامعة دارتموث، حيث إنني قمت بتدريس الكتابة الابداعية في كلية بارد وكانت النتائج والحمد لله ممتازة فقد فكرت في إنشاء مدرسة للكتابة الإبداعية Creative writing workshop في نيويورك. كانت مغامرة بكل المقاييس حيث إن مدرستي الوليدة ستكون في نيويورك حيث توجد أهم مدارس الكتابة الإبداعية في العالم، إلا أن ردود الفعل مشجعة والحمد لله فلدي الآن عدد معقول من الكتاب الشبان الأميركيين الذين سجلوا أسمائهم في المدرسة لأساعدهم على تحسين كتابتهم الإبداعية.
كل هذه الأنشطة تستلزم وجودي في نيويورك حوالي عشرة أسابيع. في يوم السفر توجهت إلى مطار القاهرة وأنهيت إجراءات سفري بطريقة عادية وبينما أنتظر ختم المغادرة على جواز السفر ، فوجئت بالموظفة تتصل بالتليفون فظهر ضابط شرطة وأخذ مني الجواز وقال لي:
- تفضل معنا من فضلك!
سألته فأجاب باقتضاب:
- نريدك في كلمتين بسرعة.
ذهبت معه إلى مكتب فيه ضابطان آخران وطلبوا مني الجلوس فجلست. بعد فترة سألتهم من جديد فقالوا:
- أنت مطلوب في الأمن الوطني (الاسم الجديد لأمن الدولة)
مرت نصف ساعة فكتبت على تويتر أنني محتجز في المطار وقلت للضابط
- بأي حق تحتجزونني بهذا الشكل؟ هل أنا ممنوع من السفر أم مطلوب في قضية أم معتقل طبقا لقانون الطوارئ؟
قال لي:
- ضابط أمن الدولة هو الذي طلب إيقافك.
قلت:
- لست مجرما ولا إرهابيا وأرفض احتجازي بهذا الشكل لأنه غير قانوني.
حاول الضباط تهدئتي وبدا واضحا أن الأمر ليس بيدهم، وإنما بيد ضابط أمن الدولة الذي كان يعطيهم تعليماته بالتليفون. طلبت مقابلة ضابط أمن الدولة أو الانصراف. لم تنجح محاولاتي وظللت محتجزا ما يقرب من ساعة، ثم اتصل ضابط أمن الدولة بالضباط الذين أخبروني أنه يريد إعادة تفتيش حقيبتي. قلت له:
- هل قرر ضابط أمن الدولة إعادة تفتيش حقيبتي الآن بعد ساعة من احتجازي بدون وجه حق؟
استغرقوا أربعين دقيقة حتى عثروا على الحقيبة وأصررت على حضور التفتيش وبالطبع لم يجدوا فيها أي شيء ممنوع، وهنا سمح لي الضابط بالسفر وكرر لي أنهم لا علاقة لهم بما حدث وأنهم ينفذون أوامر أمن الدولة. لحقت بالطائرة في الدقائق الأخيرة وعندما وصلت إلى عمان حيث أتوقف ساعة قبل أن أستقل الطائرة إلى نيويورك فتحت تليفوني المحمول فوجدت فيضا مؤثرا من الرسائل التي تضامنت معي من بلاد العالم المختلفة.
كانت تلك لحظة أحسست فيها بقيمة أن تكون كاتبا في حماية قرائك من كل أنحاء العالم. مع كل هذا التعاطف الرائع وجدت رسائل شماتة وشتائم بذيئة من الفاشيين المصريين. في مصر جماعتان فاشيتان لا ثالث لهما: أنصار السيسي وأنصار الإخوان. أنصار السيسي يتم توجيههم عن طريق الإعلام بحيث يعتبرون كل من يعارض السيسي خائنا للوطن من الأفضل إعدامه في ميدان عام . هؤلاء "السيساوية " فرحوا جدا لاعتقالي حتى يتم تطهير مصر من أمثالي (كما كتبوا على تويتر ) وقد اتهموني بالخيانة لأنني كتبت أنني محتجز في المطار بالعربية والإنجليزية. إنهم يعتبرون الكتابة بالإنجليزية استقواء بالخارج. هذا المفهوم الغريب للوطنية يتلخص في أننا يجب أن نفضح جرائم القمع إذا قام بها الجيش الاسرائيلي أو الجيش الأمريكي ضد مواطنين عرب، أما إذا تعرض مصريون للقمع من الشرطة المصرية فلا يجوز أن يعلنوا ما تعرضوا له للعالم.
المواطن الوطني في نظر السيساوية هو الذي يتحمل الضرب والتعليق والصعق الكهربائي من شرطة بلده وإذا سأله صحفي أجنبي يجب عليه أن يؤكد أنه سعيد بهذا التعذيب لأن ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب. هذا التشوه الذهني ناتج عن طول العهد بالاستبداد فالبديهي أن نظرتنا لأية جريمة لا يجب أن تتغير وفقا لجنسية من ارتكبها.
أنصار الإخوان أيضا أعلنوا شماتتهم بصراحة في احتجازي وانهالوا بالشتائم المقذعة على شخصي لأنهم يعتبرون كل من شارك في 30 يونيو عدوا للإسلام يشمتون في أي مصيبة تحدث له حتى لو كانت موتا أو مرضا. هذه الحالة الكريهة من المشاعر السوداء وإنكار الحقائق مع الاستعلاء على الخصوم تجعل الإخوان للأسف غير قادرين على رؤية الواقع أو التفاعل معه.
لا يمكن أن أقارن ما حدث لي بالقمع الذي يتعرض آلاف المصريين من اختفاء قسري وتعذيب وتلفيق قضايا لكني أعتبر واقعة احتجازي في المطار دليلا على طبيعة النظام الحاكم في مصر. إذا كنت معارضا للسيسي فكل شيء ضدك مباح بدءا من اتهامات كاذبة تلقى جزافا لتدمير سمعتك وحتى تلفيق التهم وحبسك ظلما لسنوات. ها هم ثلاثة من الضباط يتلقون الأوامر بالتليفون من ضابط أمن الدولة وهم لايعرفون ماذا يفعلون بين مكالمة وأخرى.
هذه الطريقة التي تدار بها بلادنا في كل مجال بدءا من الإعلام وحتى الاقتصاد وإنشاء المشروعات. كل المسئولين الذين نراهم مجرد كومبارس بينما القرار تنفرد به أجهزة الأمن. إن الدولة البوليسية التي تحكم مصر، لا يمكن أن تحقق النهضة لأن درس التاريخ الذي لم يستوعبه نظام السيسي يؤكد أن ما يحمي الدولة ويطلق طاقاتها ليس القمع والبطش، وإنما العدل والحرية.
الديمقراطية هي الحل