عدم اكتمال تحرير الأسواق يكبح نهضة الاقتصاد الأوروبي
١٥ مارس ٢٠٠٧رغم الإنجازات الكبيرة التي حققها الاتحاد الأوروبي على مختلف الأصعدة، ما زالت هناك ثمة شكوك لدى الشعوب الأوروبية فيما يتعلق بقدرات أوروبا الاقتصادية بعد مرور نحو نصف قرن على انطلاقة مشروع الاتحاد. فما وصلت إليه التنمية الاقتصادية الأوروبية من خلاله بقي دون المستوى الذي حققه الاقتصاد الأمريكي على هذا الصعيد. وقد حذرت دراسة أعدتها المفوضية الأوروبية من التحديات التي تواجه الاتحاد بما فيها استمرار معدلات البطالة المرتفعة. حيث تسعى المفوضية الأوروبية ومنذ سنوات إلى إقناع حكومات دول الاتحاد بالمضي قدما في خطط تحرير أسواقها، خاصة في قطاع الخدمات وفتح حدودها أمام تدفق رؤوس الأموال باعتبار ذلك خطوة حيوية في طريق استعادة الاقتصاد الأوروبي لحيويته. كما تطالب المفوضية دول الاتحاد بالاستفادة من الظروف الاقتصادية الجيدة التي تشهدها دول الاتحاد الأوروبي منذ العام الماضي لإجراء المزيد من الإصلاحات الاقتصادية بما في ذلك الحد من الإنفاق العام، للسيطرة على عجز الموازنة دون الإضرار بفرص النمو. لكن تحرير الأسواق الأوروبية وتفعيلها تظل مهمة أصعب بكثير مما كان متوقعا في ظل تمسك العديد من الدول الكبرى وبخاصة فرنسا وألمانيا بحماية أسواقها أمام المنافسة الأوروبية في مجال الخدمات والمرافق بشكل خاص.
تحرير سوق الطاقة أهم تحديات الإتحاد الأوروبي
وإذا كانت قضية تحرير الأسواق تأتي ضمن جدول أولويات المفوضية، فإن تأمين إمدادات الطاقة يتصدر هذا الجدول خاصة بعد مشاكل تعرضت لها بعض دول الاتحاد مطلع العام الماضي بسبب توقف إمدادات الغاز الروسي إليها على خلفية الخلافات بين روسيا وأوكرانيا. وهذا ما حدا بالمفوضية الأوروبية إلى زيادة ضغوطها من أجل تحرير قطاع الطاقة في دول الاتحاد باعتبار خطوة كهذه ضرورية لزيادة المنافسة بين الشركات وهو ما يؤدي إلى تحسين مستوى تأمين إمدادات الطاقة. كما تطالب المفوضية بتفكيك التكثلات الكبيرة في هذا القطاع بحيث يتم الفصل بين الشركات المنتجة للطاقة والشركات الموزعة لها من أجل تحقيق المزيد من المنافسة الإيجابية.
صعود الاتحاد الأوروبي على المسرح الدولي
عندما قاد الرئيس الأسبق للمفوضية الأوروبية جاك ديلور حركة تحويل الاتحاد إلى منطقة تجارة حرة تماما عام 1992 بحيث يمكن للسلع والخدمات والأشخاص التحرك بحرية كاملة عبر الحدود الوطنية لدول الاتحاد، كان ذلك بمثابة تعزيز لصعود الاتحاد الأوروبي على المسرح الدولي. في الوقت ذاته أثار هذا التحرك الأوروبي قلق صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة والدول الآسيوية خوفاً من استيقاظ القوة الاقتصادية الأوروبية التي كانت قد غفت في وقت من الأوقات. وبعد عشر سنوات من إقامة منطقة التجارة الحرة الأوروبية بصورتها الحالية ظهرت العملة الأوروبية الموحدة عام 2002 والتي تتعامل بها حاليا 13 دولة من دول الاتحاد. وقد كان إطلاق اليورو كعملة رسمية لعدد كبير من دول الاتحاد الأوروبي منذ خمس سنوات تقريبا خطوة أساسية في طريق الوحدة الاقتصادية الشاملة التي وصلت إلى حد التخلي عن واحدة من أهم مقومات الدولة الحديثة وهي العملة الوطنية واستقلال السياسة النقدية.
الاقتصاد الأوروبي دون مستوى الطموحات
غير أنه يبدو اليوم وبعد هذه المسيرة الطويلة أن الاقتصاد الأوروبي في حالة سيئة وربما كانت مخيبة للآمال. فقد فشلت الحكومات الأوروبية في الوفاء بالتزاماتها بشأن تفكيك التكتلات الاقتصادية الكبيرة التي تحتكر الأسواق. كما أنها فشلت نسبيا في تحرير اقتصادياتها وفتح أسواقها أمام المنافسة الكاملة بين الشركات عبر الحدود الأوروبية مبتعدة بذلك عن الهدف الرئيسي المعلن "لخطة لشبونة" لعام 2002 والمتمثل في تحويل اقتصاد الاتحاد الأوروبي إلى أكثر اقتصاديات العالم ديناميكية بحلول 2010.
ورغم أن الاقتصاديات الأوروبية حققت خلال العام الماضي انتعاشا ملحوظا في أعقاب سنوات عديدة من الركود الشديد فمازال أداء الاقتصاد الأوروبي ضعيفاً بشكل عام، حيث مازال الاقتصادان الأمريكي و الياباني يتمتعان بمعدلات نمو أعلى وقدرة على توفير المزيد من الوظائف الجديدة. في الوقت نفسه فإن كل رجال السياسة والاقتصاد في أوروبا يشعرون بقلق بالغ تجاه الصعود الاقتصادي السريع لكل من الصين والهند باعتبارها على الطريق للتحول إلى قوتين اقتصاديتين عالميتين جديدتين.