ظاهرة التعذيب في الجزائر وإشكاليات تجاوزه
٢٦ يونيو ٢٠٠٩ازدادت ظاهرة التعذيب حدة في الجزائر بعد إلغاء الانتخابات التي كادت الجبهة الإسلامية للإنقاذ أن تفوز بها عام 1991. ومن نتائج العنف الذي تلى هذه الانتخابات حالة "رشيدة" التي اغتصبها أفراد من الجماعة الإسلامية المسلحة، ذات توجهات التكفير والهجرة، بعد أن أخذوها من بيت أهلها في قرية تقع أعالي مدينة الأربعاء جنوب غرب العاصمة الجزائر.
التقاليد الاجتماعية تعيق تفهم حالة الضحية
تروي رشيدة بأنها تعرضت لشتى أنواع الضرب المبرح و الاستغلال الفاحش، وتضيف: "تم التعدي على شرفي، وقُتل أكثر من تعدى علي لاحقا، لكن بعضهم لا زال حيا يرزق ويرفض الاعتذار لي ولمن تعرضن لمثل هذه التعديات أمثالي". ولا تبدو رشيدة على ضوء ذلك مستعدة للمصالحة: " أرفض العفو عمن فعل بي ما فعل، و لا أعترف لا بالمصالحة و لا بالوئام المدني". وتعيش رشيدة اليوم، لدى عمتها، بعيدة عن والديها، بسبب العار الذي تشعر به. وتكمن مشكلتها التي تشكل مأزقا في هذا السياق بتعاطف المجتمع الجزائري معها من جهة، وعدم تفهمه لوضعها بسبب ثقل التقاليد التي تقيده من جهة أخرى. وهي بذلك تُعامل كمتهمة مع أنها بريئة.
ومن أشكال التعذيب أيضا ما تعرّض له البشير عبد المالك من ولاية البيض جنوب غرب العاصمة الجزائر، يقول البشير بأن قوات الدرك عذبته بالكهرباء إلى أن أصيب بالشلل عام 1994، ثم أطلق سراحه بعد أن ثبتت براءته. غير أن أحدا لم يعتذر له حتى الآن، ولم تقبل أية محكمة القضايا التي رفعها بحجة عدم الاختصاص. ويحلم المذكور بأن يجمعه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالمجموعة التي عذبته كي يعفو عنها علنا، بعد أن تعترف بما فعلت به، تماما كما فعل نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا. ويعيش الذكور في وضع صعب للغاية حاليا: "أعيش مع عائلتي بمساعدة حكومية لا تتعدى 3000 دينار "30 يورو" في الشهر وأكاد أتسول كي أعيلها".
محاولات لضمان حقوق الإنسان وفق المعايير الدولية
يطالب الكثير من الضحايا أمثال البشير الرئيس بوتفليقة بالنظر في أوضاعهم و معاملتهم بالشكل اللائق، لكن الرئيس حزم أمره وقرر استفتاء الشعب في مناسبتين على المصالحة الوطنية كي ينزل المسلحين من الجبال من أجل التصالح والعفو المتبادل والوئام المدني. ويعلق المحلل السياسي ناصر الدين سعدي، على قرارات بوتفليقة بالقول: " لا يمكنه أن يحقق جميع المطالب بالتحقيق في هذه المسألة والنظر في المسألة الأخرى، هناك اتفاقات بالعفو عن مسلحين تم التفاوض معهم، وهناك رجال أمن تقتضي المصلحة عدم كشف هوياتهم، وعلى من تلقى التعويض أن يقبل به، وأن يقبل العفو دون الجلوس مع من عذبه وإلا تحول الوضع إلى فوضى عارمة". هذا على صعيد محاولات إحلال الأمن داخل البلاد، أما على الصعيد الدولي فقامت القيادة الجزائرية بالتوقيع على خمسة اتفاقات مع الأمم المتحدة و اليونسكو تتعلق كلها بحقوق الإنسان والطفل والمرأة.
و انعكست هذه السياسة الدولية داخليا، بجهاز يتبع رئاسة الجمهورية هو اللجنة الاستشارية للدفاع عن حقوق الإنسان، يرأسها المحامي فاروق قسنطيني، ومهمته سماع شكاوى المواطنين الذين يتعرضوا للتعذيب. وقدم قسنطيني تقارير عدة للرئيس الجزائري، نتج عنها قرارات في غاية الرقة على المتهمين، إذ حظّر على مصالح الأمن ضرب أو لمس أي متهم أثناء التحقيق، ويشمل هذا القرار اللصوص والمجرمين والمغتصبين والإرهابيين، أي أن بوتفليقة يحاول نقل ما يطبق في الغرب إلى الجزائر، لكن السؤال هو: هل جلب له هذا الأمر استحسان الشارع بالإجماع؟
صعوبة تفهم الشارع لفكرة عدم تعذيب المجرمين
هناك عدد كبير من المواطنين الذين يرفضون هذا التوجه. فحمزة مثلا، وهو شاب في الخامسة والعشرين من عمره يرى المسألة من زاوية أخرى : "تخيل معي رجلا اختطف ثلاثة أطفال واغتصبهم بعد ذلك ثم قتلهم، وبعد ذلك وجدت مصالح الأمن قبر اثنين، ورفض هو التصريح بالقبر الثالث، هل سنواصل التحقيق مع هذا المجرم بالكلام؟ أنا لا أوافق، يجب أن يعذب كما عذب الأطفال الأبرياء، وعقابه هو أن يتألم كما تألم الأبرياء لا أن يوضع في السجن فقط".
تمثل نظرة حمزة، حالة اجتماعية واسعة الانتشار، إذ ان الجزائريين عامة، لا يرون مشكلة في تعذيب إرهابي يرفض التصريح بمكان تواجد مخبر المتفجرات، التي تستعمل في تدمير الأماكن العامة، وعليه فإن الذين يتفهمون توجه الرئيس المتعلق بعدم تعذيب المجرمين يجدون أنفسهم في ورطة عندما يحاولون إقناع الرأي به. وهذا هو واقع الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي يرأسها بوشاشي الذي يقول في هذا السياق: " لابد أن نصل كمجتمع جزائري إلى مستوى احترام حقوق جميع المتهمين، واستجوابهم دون تعذيب، وهذا هو المنصوص عليه في القوانين الوطنية والاتفاقات التي أبرمتها الجزائر مع المنظمات الدولية".
الكاتب: هيثم رباني- الجزائر.
تحرير: ابراهيم محمد