تذكير بالهولوكست عبر الفيس بوك
٢٤ نوفمبر ٢٠٠٩بدأ مركز براما جرودوتسكا الثقافي البولندي هذا العام بنشر أفكار طفل قتل وهو في السابعة من عمره في معتقل نازي عبر موقع فيسبوك، وبدأ بهذا المشروع، شاب يدعى بوتسك بيوتر في الثانية والعشرين من عمره يعمل في المركز الثقافي. بيوتر يتخيل الأفكار التي كانت تجوب في ذهن الطفل هينيو والطريقة التي يريد أن يتواصل بها مع أبناء أجيال اليوم، ثم ينوب عنه في تدوين عباراته وأفكاره في صفحته الشخصية على موقع الفيسبوك. وتظهر في الموقع صورة الطفل هينيو وهو يرتدي بنطالاً قصيراً وقميصاً صيفياً وينظر بعينين داكنتين إلى أصدقائه الذين يقرأون تحت صورته ما يلي: "اسمي هينيو تسيتوميرسكي، عمري سبع سنوات. أقطن في المنزل رقم 3 في شارع شفيسكا في لوبلين".
هينيو قتل طفلاً في المحرقة النازية
ولد هينيو في 25 آذار/مارس عام 1933، لكن لم يكتب له أن يتجاوز سنواته السبع الأولى، لأنه قتل في محرقة نازية بسبب كونه يهودياً. لكن الطفل الصغير عاد بشكل افتراضي للتحدث مع أصدقائه عبر موقع فيسبوك في 18 آب/ أغسطس 2009. ويقول صاحب الفكرة، بوتسك بيوتر: "في هذا اليوم دونت أولى عبارات هينيو"، وبهذه الطريقة بعث الشاب بيوتر الحياة ثانية في هينيو.
وكي يتمكن من محاكاته والاستدلال على أفكاره والأشياء التي عاشها خلال سنوات حياته القليلة، جمع بيوتر كمية كبيرة من المعلومات عنه حصل عليها من أقرباء له كما يقول: "لقد جمعنا في هذا المركز معلومات كثيرة عن حياة هينيو وحاولت أن أتخيل كيف يرى هذا الطفل العالم من حوله".
ومثلاً، في 29 من أيلول/ سبتمبر عام 2009، كتب بيوتر على لسان هينيو: " لقد حل الشتاء وفرض على كل يهودي أن يكتب اسمه فوق نجمة داوود. لقد تغير الكثير من الأمور. في الشارع، تسير قوات ألمانية. وأمي تهدئني وتقول يا بني لا داعي للخوف، فكل شيء سيسير على ما يرام".
أصدقاء هينيو في تزايد مستمر
وصل عدد أصدقاء هينيو في موقع فيسبوك حتى الآن إلى أكثر من 1900 شخص، ويزداد العدد كل يوم. هينيو لا يدردش معهم، إنما يكتب فقط جملاً قصيرة عن حياته، وهم يعلقون على ما يكتب بحس مرهف وبكل صدق، فيشرحون له ماذا تعني الحرب، ويعترفون أحياناً بأن هناك أموراً لا يوجد أجوبة عليها.
في الخامس من تشرين أول/أكتوبر، يكتب هينيو: "جدي يقول إن الحرب ستنتهي قريباً. إنه يقول إن للجنود أسراً أيضاً. فكيف يمكن تفسير ذلك؟ لهم أسر ويقتلون أسرا؟ً".
أولغا، إحدى صديقات هينيو عبر الفيسبوك، علقت قائلة: "لا يمكن تصور مثل هذه الأفعال الشنيعة"، أما إيرينا فهي تحاول إيجاد تفسير لذلك وتقول: "إنهم قساة القلوب".
إعادة ذكرى حياة يهودية
يحاول مركز براما جرودوتسكا الثقافي منذ ثماني عشرة سنة إحياء ذكرى الحياة اليهودية في مدينة لوبلين البولندية التي تقع شرقي العاصمة وارسو، فعدد السكان اليهود في تلك المدينة كان يفوق في إحدى الفترات عدد سكانها من المسيحيين. ويجد مدير المركز توماش بيفتاسيفيتش أن " قصة هينيو تشكل منذ عدة سنوات رمزاً لحياة أبناء مدينة لوبلين من اليهود"، ويقول إن المركز حصل من أحد أقرباء هذا الطفل على ألبوم صور له، يحتوي على صورة له في كل عام، مضيفاً: "آخر واحدة من هذه الصور تعود إلى عام 1939، أي قبل دخوله المدرسة بوقت قصير" لكن لا يوجد لهينيو أي صورة بعد ذلك التاريخ، لهذا تبقى صفحات الألبوم فارغة.
قصة أسرة في الانترنت
قصة الطفل هينيو يمكن قراءتها على صفحات المركز الثقافي الالكترونية بالبولندية والانكليزية والعبرية، كما يمكن أيضاً مشاهدة صوره. والقائمون على المركز الثقافي يدركون أن عدد الشهود الأحياء على أحداث الحرب العالمية الثانية يقل باستمرار، مما يؤدي إلى شحوب ذكريات هذه الحرب الكونية، ومع ذلك يجد بيوتر بوزيك أن الحديث عن مصائر فردية يشكل أفضل وسيلة لسرد تاريخ الحرب والهولوكست عبر الانترنت، ويقول في هذا السياق: "نريد استغلال هذه التقنيات الجديدة لتحقيق أهداف مركزنا وإبقاء ذكرى السكان اليهود الذين عاشوا في أحد الأيام في لوبلين حية، أردنا التعريف بتاريخ فترة زمنية بأسلوب حديث".
أبناء الأجيال الشابة الذين يهدف المركز إلى محاكاتهم نشأوا مع تقنيات الانترنت وتترواح أعمارهم بين 15 و25 سنة، لكن معظم الذين عقدوا صداقة مع هينيو عبر موقع الفيسبوك من بولندا، لأن هينيو يكتب بالبولندية، وينضم إليهم عدد متزايد من الأصدقاء الجدد من إسرائيل، الذين يترجمون عبارات هينيو الافتراضية إلى لغتهم. ومن بين تلك العبارات واحدة دونت في 11 تشرين أول/ أكتوبر تقول: "اليوم قررت أن لا أغادر لوبلين أبداً، وسأبقى هنا طيلة حياتي، في مكاني المحبب، مع أمي وأبي في لوبلين".
صوت هينيو الذي يأتي عبر بيوتر بوزيك ينسجم مع الجيل الذي كبر مع الانترنت. وعندما يغادر بوزيك المنزل يواصل الحديث مع أصدقاء هينيو في الفيسبوك بواسطة جهاز هاتفه المحمول ويتتبع تعليقاتهم، ويقول: "الأشخاص الذين يتواصلون مع هينيو عبر موقعه في الإنترنت يتحدثون عن أمور لا يجري الحديث عنها في الحياة اليومية، ولدي شعور أن عبارات هينيو قد تساهم في تحسين العالم بعض الشيء وفي أن لا يتكرر الهولوكست ثانية".
الكاتبة ليندا فيرإيك/ منى صالح
مراجعة: سمر كرم