ضحية اغتصاب إبان حكم القذافي تخرج عن صمتها
٥ يناير ٢٠١٢تشير أرقام المنظمات الحقوقية الليبية إلى أن عدد ضحايا الاغتصاب في ليبيا على أيدي قوات العقيد معمر القذافي يقارب ثمانية آلاف سيدة وفتاة. إحدى هذه الضحايا، التي اشترطت عدم ذكر اسمها، ناشطة معارضة من مدينة الزاوية، وروت لدويتشه فيله تفاصيل ما حدث لها.
بدأت هذه السيدة حديثها بالقول إنها كانت تدرس في جامعة ناصر بالعاصمة الليبية طرابلس، وإنه خطر لها ولبعض زميلاتها، بعد أن شاهدت المسيرات المؤيدة للقذافي إبان الثورة، فكرة تأسيس مجموعة معارضة تحمل اسم "حرائر ليبيا". وكانت مهمتهن نقل السلاح عبر العاصمة إلى الثوار، عن طريق استخدام سيارة إحدى الثائرات واستغلال عدم تفتيش السيارات التي تستقلها فتيات. وتضيف أن مشاركتهن استمرت على هذا المنوال، بتهريب السلاح من ثوار مدينة الزنتان إلى ثوار سوق الجمعة في طرابلس.
حوار بمقهى الجامعة سبب القبض علينا
وتتابع هذه السيدة بالقول: "التقينا يوم الاثنين الموافق 20 يونيو/ حزيران في مقصف الجامعة، بعد أن أبلغت زوجي وأخذت أوراق البحث الذي أعده لرسالة الماجستير وجهاز الحاسوب النقال. وقالت لي علياء (إحدى الثائرات) إنها خائفة من عملية اليوم، وإن ريهام (عضوة أخرى في مجموعة حرائر ليبيا) تحس بأن اليوم سيكون آخر يوم لها. ظللت ارتجف وقلت لهن يجب أن نخرج من الجامعة فوراً، فطلبت مني أن أحافظ على رباطة جأشي، خاصة وأننا كنا قد نقلنا حتى ذلك الوقت أكثر من 22 بندقية من طراز "كلاشنكوف" إلى أخ إحدى الفتيات، الذي كان ينتمي إلى الثوار. لم نكن نعرف أن طالبة أخرى كانت تتصنت علينا".
وتضيف هذه السيدة: "بمجرد وصولنا أمام البوابة الأولى للجامعة، تم إيقافنا من قبل مجموعة تتكون من ستة مسلحين من كتائب القذافي. ألقوا القبض علينا أمام أعين الطالبات وموظفي وأساتذة الجامعة. وبعد تفتيش السيارة خاطبونا بالقول: يا سلام يا سلام يا جرذان (ما كان القذافي يصف به معارضيه)، وسط هتافات مؤيدي القذافي في الجامعة. لم أتوقع من أختي الليبية أو أخي الليبي هذا الموقف ... بعد ذلك تم اقتيادنا إلى إحدى سيارات هؤلاء المسلحين ذات زجاج مظلم. وبعد ما يقرب من ثلاثة كيلومترات قاموا بتغطية أعيننا نحن الأربعة. كنت لا أسمع سوى دقات قلب زميلاتي، وكنت أتذكر أطفالي الأربعة وزوجي، والخيل الذي كنت أحبه في المزرعة. توسلت لأحدهم كي أكلم زوجي ليعلم بما حدث، فقوبلت بالشتائم والألفاظ النابية. ومن ثم قاموا بضربنا والقيام بحركات منافية للأخلاق في أماكن حساسة من أجسادنا".
في مكان الاعتقال
"عندما وصلنا إلى وجهتنا، لم نكن نسمع أي صوت، ما عدا هدير محركات طائرات الناتو (حلف شمال الأطلسي) فوقنا. نزلنا من السيارة وأيدينا مكبلة وأعيننا محكمة الإغلاق بالقماش الأسود، وكانت هناك بعض النساء اللواتي كن يوجهن لنا أبشع الشتائم وأكثرها وقاحة. ورائحة المكان كانت عبارة عن خليط كريه من السجائر والعرق الكثيف".
"بعدما دخلنا المعتقل أمرتنا السجانة أن نخلع ملابسنا. وبعد ذلك اقتادونا عاريات – ما عدا غطاء الأعين – إلى زنزانة تحت الأرض، وفكوا قيودنا داخل الزنزانة. كنا لا نسمع سوى نباح الكلاب وهدير طائرات الناتو. فكرنا طويلاً بكيفية الصلاة ونحن عاريات، والأرض كانت غير طاهرة وملوثة بالدماء. رغم ذلك أصررنا على الصلاة، إلا أن السجانة دخلت علينا وقطعت صلاتنا، وسخرت من أننا نصلي عاريات ووصفتنا بالعاهرات".
الاغتصاب وسيلة تعذيب وتحقيق
"في البداية تم اقتياد آمال وريهام إلى التحقيق، ولم نسمع بعد خروجهن إلا أصوات بكائهن وهن يتوسلن إلى المحققين ويطلبن منهم أن يضربوهن بدلاً من أن يغتصبوهن. ولمدة يومين لم نسمع سوى بكاء من يتم التحقيق معهن، حتى جاء اليوم الذي حضرت فيه السجانة لاقتيادنا. عندما عادت آمال وريهام إلى الزنزانة، كانت الدماء تلطخ أجسامهن – دماء من فقدت عذريتها – فقد تبادل المحققون والجلادون اغتصابهن وهن مكبلات وأعينهن مغمضة. أما أنا فقاموا بتعليقي من يديّ وعيناي مغمضتين، واغتصبوني وقاموا بضربي، دون أن أعرف من هو الفاعل. وكانت السجانات يساعدن هؤلاء المجرمين في ذلك. كان يتم اغتصابنا في اليوم أكثر من أربع مرات، بالإضافة إلى تركيز الضرب والتعذيب على الأماكن الحساسة في أجسادنا. وعندما كانوا يعيدوننا إلى الزنزانة، فإن طعامنا كان رغيف خبز واحد نتقاسمه بيننا".
التحرير عيد ميلاد ثان
"كان أجمل يوم هو يوم 20 آب/ أغسطس، عندما اقتحم الثوار المعتقل. ليلتها التف الثوار حولنا وقالوا لنا إننا جميعاً أخوة. ونقلونا من المعتقل والرصاص يطلق هنا وهناك. بعد ذلك تجمع حولنا أحرار وسكان سوق الجمعة، وهم يهتفون بحياتنا ويقولون إننا تاج على رؤوسهم. في هذا اليوم ولدت من جديد".
ورغم فرحتها بانتهاء هذه الفترة المظلمة من حياتها، إلا أن التعذيب والاغتصاب المتكرر تركت جروحاً غائرة في نفسيتها لم تندمل بعد، إذ تضيف السيدة أنه "يوم خروجي اتصلت بأبي وطلب مني أن أرجع إلى البيت لأنه بحاجة لي، وبعده بعدة دقائق اتصل بي زوجي وقال لي إنه يحتاجني، وإنني زوجة رائعة. لكنني – وبعد ما عانيت – كنت في حيرة، وأتساءل عن قدرتي على العطاء مثلما كنت في السابق ... أنا لست في حاجة إلى المنظمات أو الجمعيات الخيرية. أريد أن أعود كما كنت في السابق – زوجة محبة لزوجها ولأطفالها وفارسة تعشق الخيول".
وتختتم الثائرة الليبية حديثها مع دويتشه فيله بكلمة إلى الشعب الليبي، إذ تقول: "لا تسمحوا لأحلامنا بأن تسرق. لقد رفضنا الهروب إلى تونس، وقدمنا حياتنا من أجل ليبيا الطاهرة. ليبيا أمنا التي دفعنا من أجلها الكثير وأعطيناها أغلى ما نملك. هل تقدّرون هده التضحيات؟ أم أنكم تريدون أن نقوم بثورة ثانية؟!"
عصام الزبير – طرابلس
مراجعة: ياسر أبو معيلق