هل سيشكل عام 2024 نقطة تحول في صناعة السيارات الألمانية؟
٧ يناير ٢٠٢٤تحاول الإعلانات المختلفة تصوير مستقبل وسائل النقل الحديثة على أنه نظيف وهادئ. فهي تظهر سيارات ذات صوت منخفض للغاية، لا تصدر عنها أي انبعاثات ضارة، تسير على طرق شبه فارغة عبر الطبيعة الساحرة، وهي تحمل ركاباً في طريقهم إلى العمل أو التسوق في مدن نظيفة دون اختناقات مرورية.
لكن الواقع مختلف بالطبع إلى حد ما، حيث أن الاختناقات المرورية والضوضاء ورائحة عوادم السيارات موجودة في كل مكان في ألمانيا.
وفقًا للهيئة الفيدرالية للنقل في ألمانيا (KBA)، زادت الحصة السوقية للسيارات الكهربائية في البلاد، لكنها لا تزال صغيرة نسبيًا.
قبل عشر سنوات، كانت هذه السيارات تمثل 0.02% من إجمالي عدد السيارات على الطريق؛ واليوم ارتفع الرقم إلى 2.08٪. وهذا يعني أن من بين 50 سيارة توجد واحدة تعمل بالكهرباء فقط.
قد ترحب بهذا الاتجاه أو ترفضه، كما يمكنك أن تبدي حزناً على أن ما يقرب من 98٪ من السيارات لا تزال تعمل بمحركات الاحتراق. يمكنك أيضًا الاحتفال بكل سيارة كهربائية جديدة تخرج من خط التجميع، أو أن تكون مؤيدًا لقيادة سيارة "حقيقية".
أيا ما كان موقفك بشأن هذه القضية، فمن المتوقع أن يستمر الاتجاه نحو وسائل النقل الكهربائية. والسؤال الآن هو ما إذا كانت صناعة السيارات في ألمانيا - وهي إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد - مستعدة للمستقبل أم لا.
ألمانيا متأخرة عن الآخرين
لا تعد ألمانيا ضمن طليعة الدول المتقدمة في مسألة النقل الكهربائي/الإلكتروني حالياً. في هذا السياق يقول فرديناند دودينهوفر، أستاذ اقتصاد السيارات السابق في جامعة دويسبورغ-إيسن، الذي يعمل حالياً كمستشار مستقل: "من خلال الاستمرار في خفض حوافز مخطط استبدال سيارات محركات الاحتراق الداخلي بالسيارات الكهربية، قام وزير الاقتصاد روبرت هابيك بكبح جماح إنتاج السيارات الكهربائية في ألمانيا".
ويقدر دودينهوفر أن الحصة السوقية للسيارات الكهربائية في ألمانيا ستنخفض العام المقبل، ويضيف أن التوقعات على المستوى العالمي قاتمة بالقدر نفسه: "ستستمر الصين وحدها في العمل بأقصى سرعة، وهذا سيؤتي ثماره بمعدل أكبر بنحو مرتين وثلاث مرات لصناعة السيارات الصينية."
وبسبب الحكم الأخير الذي أصدرته المحكمة الدستورية الألمانية بعدم دستورية إعادة تخصيص الحكومة أموالاً لمكافحة جائحة كورونا لصالح مشروعات متعلقة بالمناخ في ميزانية عام 2021، اضطرت الحكومة إلى وقف دعم السيارات الكهربائية في وقت أبكر مما كان مخططا له. واعتبارًا من 18 ديسمبر/ كانون الأول، لم يعد من الممكن التقدم بطلب للحصول على هذا الدعم لشراء سيارة كهربائية.
ستيفان براتزل، رئيس مركز إدارة السيارات في بيرغيش غلادباخ بالقرب من كولونيا، متشائم أيضًا. ووفق وجهة نظره فإن "السباق على التنقل الكهربائي في ألمانيا وأوروبا والصين قد انتهى بالفعل". ويقول إن تكثيف العمل في هذا السوق وبسرعة هو أمر أساسي. ومع ذلك، يحذر براتزل من أن الأهداف "التي حددتها الحكومة الألمانية طموحة للغاية ولن يتم تحقيقها".
ووفقا لتقييم الحكومة، من المتوقع أن يكون هناك حوالي 15 مليون سيارة كهربائية على الطرق في ألمانيا بحلول عام 2030.
"شعور باليأس في ألمانيا"
ويضيف براتزل أن شركات صناعة السيارات الألمانية "بدأت متأخرة للغاية في اقتحام سوق السيارات الكهربية مقارنة بلاعبين مثل تيسلا أو بعض الشركات الصينية" ومن ثم "لم تتعامل مع الموضوع بالتركيز اللازم".
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز تطوير تكنولوجيا البطاريات على وجه الخصوص، "عليك أولاً اللحاق بسرعة بالشركات الصينية وتيسلا"، بحسب ما يقول براتزل.
ويتفق دودينهوفر مع الرأي القائل بأن الصين تتمتع بميزة واضحة في هذا المجال، ويقول في هذا السياق: "نحن نقوم بتقليص حجم الاستثمارات. ويتم تأجيل بعضها كما يتم القيام باستثمارات أخرى في الصين. إضافة إلى أن مشاكل الميزانية والافتقار إلى ميزانية اتحادية يؤدي إلى تفاقم الأمر"، مضيفاً أن "ألمانيا تقف في طريق مسدود.. سيكون الأمر صعبًا حقًا بعد عام 2025 عندما يهيمن الصينيون على السوق العالمية للسيارات الكهربائية."
الاعتماد على الصين
في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت شركتا تصنيع السيارات (بي ام دبليو) و(مرسيدس بنز) عن خطط لإنشاء شبكة مشتركة من محطات الشحن السريع للسيارات الكهربائية في الصين، وهو تطور منطقي، كما يقول دودنهوفر. ويضيف بالقول: "ألمانيا ليست الدولة التي تستحق مثل هذه الاستثمارات. ففي الصين، تمثل السيارات الكهربائية الآن حصة سوقية تبلغ حوالي 40٪."
من جانبه، يسلط براتزل الضوء على خطورة الاعتماد المفرط على الصين، على الرغم من أنه يوضح أنها علاقة ذات اتجاهين: "إن الصين تعتمد علينا أيضًا"، ولكن هناك تحذير، إذ يقول: "في مجال التنقل الكهربائي، نحن نعتمد بشكل أكبر على الصين. وسيظل هذا هو الحال لبضع سنوات أخرى، خاصة عندما يتعلق الأمر بخلايا البطاريات".
يقول دودينهوفر إن تطوير وإنتاج البطاريات أمر أساسي: "نحن نتوسع بشكل أبطأ.. يذهب الإنتاج إلى أوروبا الشرقية لأن الطاقة رخيصة هناك. لكن الصين هي بالفعل في المقدمة وستستمر أهميتها في النمو."
تراجع الإنتاج الألماني
ويتحمل المصنعون الألمان بالفعل وطأة تباطؤ الطلب على السيارات الكهربية. نشرت صحيفة "رايدرلاند تسايتونغ" مؤخرًا مقالًا عن مصنع فولكسفاغن في إمدن، شرق فريزيا، يكشف أن إنتاج السيارات الكهربائية قد "توقف بالفعل في أوائل الصيف وتم إلغاء خطوة التحول الثاني في الإنتاج للسيارات الكهربية وكانت هناك العديد من فترات التوقف عن الإنتاج. وأضافت الصحيفة: "بدأ الإنتاج أيضًا في وقت مبكر جدًا وتم تمديده حتى 15 يناير/ كانون الثاني الجاري. وسيتم إيقاف إنتاج السيارات الكهربائية في إمدن بالكامل لمدة خمسة أسابيع".
يتطلب إنتاج السيارات الكهربائية خطوات عمل أقل وعددًا أقل من الموظفين. وهذا لا ينطبق على شركات تصنيع السيارات فحسب، بل على مورديها أيضًا. على سبيل المثال، سيتم فقدان ما يصل إلى 1500 وظيفة في شركة (بوش Bosch) الموردة للخامات، حسبما أعلنت الشركة في 10 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ويتم تبرير تخفيض الوظائف جزئيًا من خلال فكرة انخفاض الحاجة إلى عدد من الوظائف في مجال التنقل الكهربائي. وقال متحدث باسمها إن الشركة "سيتعين عليها التكيف مع حجم الطلب في بعض المناطق".
ومع ذلك، ليست كل الأخبار سيئة. فمن وجهة نظر العميل، هناك أمل فيما يتعلق بالمدى الذي توفره فترة عمل البطارية المشحونة، كما يقول دودينهوفر الذي يضيف: "في الصين تم اليوم بالفعل الوصول الى فترة تشغيل تصل إلى ألف كيلومتر". ويقول إن هذا الأمر لن يمثل مشكلة بعد عام 2027 أو 2028، كما "ستنخفض أيضًا أسعار البطاريات العادية".
وبالنظر إلى المستقبل، تشير تقديرات الهيئة الفيدرالية للنقل إلى أنه سيتم تسجيل حوالي 10 ملايين مركبة كهربائية في ألمانيا بحلول الأول من يناير 2030. واعتمادًا على حجم المخزون الحالي من المركبات، فإن هذا يتوافق مع حصة المركبات الكهربائية بنسبة 20-25٪. لكن ما لا تستطيع الهيئة التنبؤ به هو عدد السيارات الكهربائية التي سيتم إنتاجها في ألمانيا.
أعده للعربية: عماد حسن