صراع النفوذ الإيراني الإسرائيلي.. هل يتطور لمواجهة شاملة؟
٢٦ أغسطس ٢٠١٩ثلاثة انفجارات هزت البقاع الأوسط في لبنان تبين أنها ناجمة عن غارات إسرائيلية تقول تل أبيب إنها استهدفت مواقع عسكرية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة. سبق ذلك هجوم بطائرات مسيرة على معقل حزب الله بجنوب بيروت ليخرج بعدها الأمين العام للحزب حسن نصرالله متوعداً بالرد "مهما كلف الثمن" وبإسقاط "أي طائرة إسرائيلية مسيّرة ستحلق في سماء لبنان".
ليست العملية الأولى
تعد الغارات الأخيرة على لبنان هي الثالثة من نوعها التي تستهدف فيها إسرائيل عناصر ونقاط ارتكاز تتبع إيران بشكل غير مباشر. ففي العراق استهدفت إسرائيل -بحسب صحف أمريكية- مستودعات أسلحة خاصة بالحشد الشعبي المدعوم من إيران. وفي ضواحي دمشق بسوريا استهدفت إسرائيل ما قالت إنه موقع تابع لفيلق القدس. وذكرت إسرائيل أن الاستهداف أسفر عن مقتل شخصين "كانا يحاولان تنفيذ عملية تخريبية انطلاقاً من الأراضي السورية."
ضابط كبير بالجيش الإسرائيلي قال إن القوات التابعة للحرس الثوري الإيراني كانت تعد لإطلاق "طائرات مسيرة هجومية" في توقيت متزامن على شمال إسرائيل وأن كل طائرة منها كانت ستحمل بمتفجرات تزن عدة كيلوغرامات، لكن إسرائيل أجهضت هذه الخطة، وأضاف أن الطائرات المسيرة وصلت إلى مطار دمشق قبل أسابيع مع "عملاء إيرانيين"، ثم نُقلت إلى مجمع يديره فيلق القدس، وهو ما أكده أيضاً الناطق باسم الجيش الإسرائيلي:
لكن محسن رضائي، القائد بالحرس الثوري الإيراني، كذب الرواية الإسرائيلية، قائلا: "راكزنا الاستشارية لم تصب بضرر".
التصعيد الإسرائيلي.. لماذا الآن؟
تختلف التقديرات بشأن الهدف الحقيقي وراء التصعيد الإسرائيلي، فبعض المحللين السياسيين يرون أنها الضرورة الوقتية نظراً لاقتراب الانتخابات الإسرائيلية.
يتفق مع هذا الرأي الصحفي اللبناني والمحلل السياسي إياد أبو شقرا، إلا أنه يضيف نقطة أخرى وهي أن النزاع بين إسرائيل وإيران هو نزاع حدود نفوذ بالمنطقة، "والعمليات الإسرائيلية ما هي إلا ضربات تحذيرية لإيران بألا تتعدى حدودها"، مضيفاً أن "وجود محاولة لرسم حدود للقوى والنفوذ بين الدولتين بما لا يخرج عن الإطار العام للتعايش الممكن" بحسب ما قال لـ DW عربية.
ولا يبدو أن إيران تحاول التنصل من فكرة توسعة حدود نفوذها الإقليمي، ويرى أبو شقرا أن "هذا ما اضطر إسرائيل للتحرك لوقف تلك التوسعات بسبب الرغبة الإيرانية لتأكيد هيمنة يبدو أنها أكبر مما يمكن السماح به"، مشيراً إلى أن هناك تقبلا دوليا للنفوذ الإيراني بالمنطقة لكن في حدود "وأن هذا بدا واضحاً بوصول جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني إلى فرنسا ليلتقي على هامش قمة مجموعة السبعة مع بعض السياسيين، وسمعنا اليوم من ترامب تأكيدات على أنه ليس من أهداف أمريكا إسقاط النظام في إيران وأنه يريدها دولة قوية، لكن الاتفاق النووي معها كان اتفاقاً سيئاً".
بدوره، يرى إيال عليما المحلل السياسي والعسكري في إذاعة إسرائيل أنه لفهم التحركات الإسرائيلية الأخيرة "لابد من العودة لتصريحات أحد كبار الضباط الإسرائيليين بهيئة الاستخبارات قبل بضعة أشهر من أن إيران تعمل على نقل بعض المواقع والمنشآت الاستراتيجية من الأراضي السورية إلى العراق خشية تعرضها لضربات إسرائيلية، ولو أضفنا لذلك الإصرار العالمي والإسرائيلي على منع التموضع الإيراني في سوريا والمنطقة ربما قد يبرر هذا - على الأقل في نظر إسرائيل - سبب توسيع نشاطاتها العسكرية في العراق وسوريا ولبنان".
أما يوهانس بيك الأستاذ بجامعة الدراسات اليهودية في هايدلبرغ فقال خلال مقابلة له مع DW إن "القلق الإسرائيلي تضاعف من كم الحروب بالوكالة التي تشن في المنطقة وتقف خلفها إيران، ما استدعى التدخل الإسرائيلي".
مناوشات قد تتطور لحرب؟
لا يخفي كثير من المراقبين تخوفهم من احتمال تطور المواجهات الأخيرة بين إيران وأذرعها في المنطقة وبين إسرائيل إلى حرب إقليمية، خصوصا بعد تصريحات نصر الله وتهديداته المباشرة لإسرائيل.
ورغم اتفاق إياد أبو شقرا المحلل السياسي اللبناني مع هذا التخوف، إلا أنه يعتقد أن "الحرب إن وقعت فستكون تحت سقف محدد، لأن هناك إطار تعايش وتقبل من جانب المجتمع الدولي لمصالح إسرائيل بالمنطقة تجعله على استعداد لمقايضة القوة النووية الإيرانية بنفوذ لها على الأرض في المنطقة العربية".
بيد أن أبو شقرا يرى أن في حديث نصر الله بعدا خطيرا وانه لم يكن مجرد زلة لسان أو سوء تقدير عندما قال إن الرد على إسرائيل سيكون في لبنان ولم يقل من لبنان، "فما الذي يخطط نصر الله لفعله داخل لبنان إذا تكرر الهجوم الإسرائيلي؟ لا أحد يعرف وهذا ما يثير القلق"، مشيراً إلى أن "الموقف الأوروبي من إيران إلى جانب الموقفين الصيني والروسي المؤكدان على الرفض التام لكسر إيران كلها أمور تشير إلى تقبل ما لوجود نفوذ إيراني إقليمي بشكل ضمني".
ولا تستبعد دوائر الاستخبارات الإسرائيلية خطر نشوب مواجهات مباشرة مع حزب الله أو أذرع إيران في المنطقة. فبحسب إيال عليما المحلل السياسي الإسرائيلي هناك" تقدير موقف يتحدث عن احتمال تدهور الأوضاع أو حادث هامشي قد يقع على الحدود قد يتوسع إلى معركة متعددة الجبهات ما يعني أن الخطر قائم".
لكنه يستدرك موضحاً بأن احتمال انجرار البلدين في الوقت القريب إلى مواجهة شاملة هو احتمال يبدو مستبعداً، "فكافة الأطراف الدولية معنية بعدم وقوع مثل هذه الحرب لكن الاحتكاكات والتوترات المتواصلة قد تؤدي لزيادة وتيرة التصعيد لنرى مظاهر أكثر عنفاً لهذا الاحتكاك، خاصة مع الإصرار الإسرائيلي على إعادة إيران لتموضعها في المنطقة ويقابله إصرار إيران على مواصلة استراتيجية النفوذ المتوسع في المنطقة".
القلق نفسه يساور يوهانس بيك الأستاذ بجامعة الدراسات اليهودية في هايدلبرغ والذي قال إنه منذ حرب عام 2006 يستعد كل من حزب الله وإسرائيل لمواجهة شاملة وأن "امتلاك حزب الله لقواعد إطلاق للصواريخ متوسطة المدى داخل لبنان قد يدفع إسرائيل في وقت ما للتدخل بخشونة شديدة في لبنان وقد تكون هذه هي الحرب اللبنانية الثالثة"، موضحاً أن "هذا السيناريو قد لا يبدو قريباً من التحقق حالياً لكن المشكلة في الشرق الأوسط أنه من الصعب إجراء تقييمات بشكل محدد فحرب لبنان عام 2006 لم تستغرق التوترات قبلها الكثير من الوقت حتى وصلنا إلى شكل الحرب الكاملة".
هل تجاوزت اسرائيل الخطوط الحمراء؟
كان تحرك الطائرات الإسرائيلية المسيرة في العمق اللبناني هو المفاجأة، ولذلك تنظر تل أبيب بجدية شديدة إلى تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، بحسب إيال عليما المحلل السياسي الإسرائيلي.
ويرى عليما أن إسرائيل ربما تجاوزت في هذه العملية الخطوط الحمراء، "فقد كانت هناك قواعد للعبة بين إسرائيل وحزب الله حول القيود التي يجب الالتزام بها ولذلك لم يرد حزب الله على الضربات الإسرائيلية في الأراضي السورية رغم أن الساحة السورية هي جزء من مصالح حزب الله، طالما أن إسرائيل امتنعت عن ضرب أهداف في داخل الأراضي اللبنانية"، لكن "تفجير الطائرتين المسيرتين يعد نقطة تحول تحطمت معها تلك القواعد المتفق عليها بين الجانبين، لذا يثير هذا الحادث بالتحديد علامات استفهام لدى الكثير من الأطراف".
وفي خطابه، أكد نصر الله أن الحادث كان "عملية هجومية انتحارية مخطط لها". بيد أن عليما يرى أنه ربما كان الأمر كله قد وقع بطريق الخطأ "لأنه بالفعل يصعب التكهن بسبب قيام إسرائيل باستهداف العمق اللبناني، إلا إذا كان هناك هدف نوعي ولكننا لم نسمع عن ذلك شيئاً". ويرى الخبير الإسرائيلي أن "هذا أيضاً ما جعل إسرائيل لا تستبعد أن يأتي رد من قبل حزب الله على هذه العملية، لكن لا أحد يعرف ما توقيته وما طبيعته".
عماد حسن/كريستين كنيب