صحفي تونسي: "الحكومة لا تظهر نية حقيقية في حماية الدولة"
١٣ يونيو ٢٠١٢DW عربية: تتحدث الرواية الرسمية عن أن صورا اعتبرت مسيئة للمقدسات الدينية كانت وراء اندلاع الشرارة الأولى للمواجهات الدموية التي أدت إلى مقتل شخص وجرح العشرات، وما أعقب ذلك من فرض حالة الطوارئ في ثماني مدن تونسية. ما هي في نظرك الخلفية الحقيقية للأحداث؟
زياد كريشان: تتحدث الرواية الرسمية عن صور اعتبرت مسيئة للدين الإسلامي، وهي صور في الحقيقة لم يشاهدها سوى عدد محدود من الأشخاص في معرض لصور زيتية. واليوم نعلم أن جزءا كبيرا من هذه الصور كان مزيفا ولا ينتمي إلى المعرض بالأساس. وهناك صورة أثارت حفيظة السلفيين، وفي هذه الصورة كتب "سبحان الله" بواسطة النمل، الأمر الذي اعتبر إهانة للمقدسات.
والملاحظ أن ذلك تزامن مع ظهور تسجيل صوتي لأيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة يحرض فيه على الحكومة التونسية الحالية وتحديدا ضد حزب النهضة الإسلامي، بدعوى أنه خرج عن تعاليم الدين الإسلامي. كما أعقب الأحداث أيضا سلسلة من التوترات مع السلفيين. ونحن اليوم أمام هجمات استهدفت تونس الدولة بمؤسساتها الحكومية وبمراكز الشرطة وقاعات المحاكم؛ فضلا عن بعض المراكز الحزبية.
لكني مع ذلك أرى أن السبب الحقيقي وراء الأزمة، يكمن في النقاش الحاد حول المادة الأولى من الدستور ومرجعية الدولة والذي أدى إلى تراجع حركة النهضة عن تبني الإسلام كمصدر للتشريع، وذلك عقب حراك سياسي قوي داخل تونس. وأسفرت تلك الخطوة عن قطيعة بين الحركة والأحزاب السلفية المتشددة، ولا يعد خطاب الظواهري إلا تأكيدا على هذه النقطة بالذات، إذ وصف النهضة بأنها من أنصار الإسلام "الأمريكاني والخليجي".
وكيف تقيّم تعامل الحكومة وخصوصا حركة النهضة مع الأحداث، بما في ذلك فرض حالة الطوارئ في ثماني محافظات؟
للأسف، هناك نوع من الاستبطان تم تسجيله لدى الحكومة وخاصة لدى حزب النهضة. بمعنى أنه تم البحث عن مبررات للاعتداء على الدولة، والذي لا يوازي بأي شكل من الأشكال ما قام به الفنانون. فلا يمكن الرد على عمل فني بأعمال مخلة للقانون. والملاحظ أن النهضة لا تريد الدخول في مواجهات مع هذه الجماعات، وذلك نظرا لحسابات سياسية وحزبية. فهي ترفض فتح جبهة جديدة، وترى أن لديها ما يكفي من الخصوم. بينما تراهن وإلى غاية اللحظة على إمكانية احتواء تلك الجماعات السلفية المتطرفة. بيد أن الواقع أثبت العكس تماما واتضح فشل سياسية الاحتواء.
هل معنى ذلك أن الحركات السلفية من شأنها تقييد تحركات حركة النهضة وأن ما حصل مؤخرا من شأنه أن يهدد الجانب الأمني في تونس؟
أعتقد أنه لا يمكن المبالغة في تداعيات الأزمة، فالجماعات السلفية لا يمكن لها أن تهدد أمن الدولة. ما حصل هو استهداف من قبل مجموعات صغيرة جدا، لكنها عنيفة. والسؤال المطروح اليوم حول قدرة الحكومة في احتواء تلك الجماعات. فلا أحد يرغب في العودة إلى المربع الأمني الأول، حيث يتم إيقاف الناس بالشبهة فقط. وهل هناك جدية في حماية الدولة من تلك المجموعات؟! وإلى غاية اللحظة، لا نجد سوى تبرير من الخطاب الرسمي لهذه الجماعات باعتبار أن مشاعرها استفزت. وهي رسالة لا تطمئن الرأي العام التونسي كثيرا، بحكم أنها لا تظهر نية حقيقية في حماية تونس الدولة.
أجرت الحوار: وفاق بنكيران
مراجعة: أحمد حسو
زياد كريشان، صحفي ومحلل سياسي تونسي، رئيس تحرير جريدة المغرب التونسية.