صحفي ألماني يحكي عن مصر "التي لا علاقة لها بشرم الشيخ"
١٦ نوفمبر ٢٠١٠زر الأهرام وشاهد الغروب على صفحة النيل، هذا إذا كنت ممن يهوون السياحة فقط. أما إذا كنت ممن يعشقون التعرف على الشعوب، والاقتراب منها إنسانيا، ومعرفة ظروف حياتها وأوضاعها المعيشية، فلتجرب وجبة "الشكشوكة" مع غيرالد دريسنر، الصحفي الألماني الذي لم يكتف بمعرفة مصر السياحية، فعرف عنها الكثير مما قد لا يعرفه رواد "شرم الشيخ" من المصريين أنفسهم.
بعد محاولات مريرة للاتصال به، جاءتني منه على هاتفي الجوال رسالة قصيرة فحواها "آسف كنت أتناول الغذاء في مطعم "جاد"، ولم أسمع صوت الهاتف من الضجيج". ضحكت وعاودت الاتصال به، فإذا بصوته يرد علي جزِلا بعد وجبة معتبرة من "الشاورمة والشكشوكة باللحمة المفرومة". انتقل غيرالد للعمل في الإسكندرية قبل عامين مراسلا لمجلة "شتيرن" الألمانية، وهي يحرص على تناول الوجبات الشعبية الصميمة في أحد أشهر المطاعم المصرية المنتشرة في مختلف محافظات البلاد.
هوة كبيرة بين الصورة السياحية البراقة والواقع
ومن قلب زحام مدينة الإسكندرية الساحلية وتحت شمسها الحارقة ووسط ضجيج شوارعها وأبواق سيارتها، تحدث غيرالد عن الفرق الشاسع بين الصورة الخارجية البراقة التي يراها السائح عادة، والحياة الحقيقية مثلما يعيشها الناس، تلك الحياة التي تعني للكثيرين المعاناة وعدم الحصول على أدنى حد من احتياجاتهم الأساسية.
إلى جانب "شتيرن" يراسل غيرالد صحفا ألمانية، فضلا عن أخرى نمساوية. وبهدف التواصل بصورة أفضل مع المصريين قرر تعلم اللغة العربية، التي يعتبرها "صعبة جدا"، غير أن "الإلمام بالأساسيات"، يضيف الصحفي الألماني، "يساعدني على التعامل مع المواطنين الذين لا يعرفون الإنكليزية، كما يمكنني من الحديث مع المواطنين والاطلاع على الصحف. فبالرغم من وجود بعض وسائل الإعلام العربية التي تصدر بنسخة إنكليزية، لكن تظل قناة الجزيرة العربية مثلا مختلفة كل الاختلاف عن الجزيرة الإنكليزية. هذا ما لمسته بنفسي". لمس غيرالد أيضا الهوة الكبيرة التي تفصل بين الصورة التي يحملها الغربيون عادة للحياة في مصر، فهي في نظرهم الأهرام والنيل والبحر الأحمر، كما أن الناس يبدون دائما مبتسمين ولطفاء وكأنهم لا يعانون من شيء. لكن في حقيقة الأمر الحياة صعبة جدا.
المواطن الغربي محظوظ
وعن الحياة في مصر يقول غيرالد: "أنا أتصور أن هناك دائما صورتين، أحدهما سياحية والأخرى حقيقية. الصورة السياحية التي كنت أحملها لمصر في ذهني ظلت كما هي. أما الحياة الحقيقية للناس فلم أكن أعرف عنها شيئاً". وأشار المراسل الألماني إلى أنه كان يجهل معاناة الفقراء من شظف العيش، ومعاناة المثقفين من غياب الحريات، إلا أنه – على حد قوله - يدرك الآن كم أن المواطن الغربي محظوظ لما يتلقاه من دراسة وعلاج وخدمة ومواصلات.
ويرى غيرالد أن مصر تقدم نفسها دائما للأجانب باعتبارها مكانا رائعا لا ينقصه شيء، "لكن هذه ليست الحقيقة. لو قارنا بين حياة الناس في منتجع شرم الشيخ مثلا بحياة غالبية المواطنين، فسنجدها مختلفة تماما". في الوقت نفسه، يؤكد غيرالد، فإن بعض الأفكار النمطية لدى الألمان عن مصر صحيحة، وليست كلها خاطئة بالضرورة. ويضيف موضحاً: "للأسف هناك البعض في مصر من يسعون إلى استغلال الأجانب لمجرد أنهم سياح، متصورين أن من السهل خداعهم". غير أنه يستدرك قائلا: "لكن هناك أيضا أشياء جميلة جدا قد لا يعرفها الألمان، الناس هنا ودودون ويحبون المساعدة. الناس بعيدا عن الأماكن السياحية يختلفون كثيرا في سلوكياتهم وطباعهم عن الذين يتعاملون مع السياح".
التواصل أقصر الطرق للتقارب بين الشعوب
غيرالد الذي آثر تناول وجبة غَـذائه مع البسطاء، بعيدا المطاعم السياحية التي بمقدوره أن يحصل فيها على أفضل خدمة وأجود طعام، أدرك أن أقصر الطرق للمعرفة لا تتحقق إلا عبر التواصل الحقيقي مع الشعوب. لذلك ينصح غيرالد كل ألماني يزور مصر بأن يتعرف على الوجه الأكثر واقعية من البلد، وهو الوجه الذي يعكس الصورة الحقيقية للمصريين. إنها مصر "التي لا علاقة لها بشرم الشيخ" على حد تعبيره.
أميرة محمد
مراجعة: سمير جريس