ولاية شي الثالثة.. إلى أين تتجه العلاقات بين الصين وأمريكا؟
٥ نوفمبر ٢٠٢٢في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الصيني شي جينبينغ للبدء بولاية ثالثة تاريخية، يرى خبراء أن هناك مؤشرات قليلة تدل على احتمالية تحسن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. وشهدت السنوات الأخيرة تصاعدا في التوتر بين القوتين العظميين، بيد أن هذا التوتر أخذ منعطفا خطيرا عقب الزيارة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى جزيرة تايوان ذات الحكم الذاتي في أغسطس/ آب الماضي.
وقال الرئيس الصيني شي جينبينغ الأسبوع الماضي، إنه يتعين على الصين والولايات المتحدة "إيجاد سبل للتوافق" من أجل صون السلام والتنمية في العالم.
وكتب الرئيس الصيني في رسالة إلى"اللجنة الوطنية للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين" أن "تعزيز الاتصال والتعاون بين الصين والولايات المتحدة سيساعد على زيادة الاستقرار وتعزيز السلام والتنمية في العالم". وأضاف أن الصين "مستعدة للعمل مع الولايات المتحدة والاحترام المتبادل والتعايش السلمي وإيجاد سبل للتوافق في العصر الجديد".
كذلك، أجرى وزير الخارجية الصيني وانغ يي محادثات مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن والسفير الأمريكي لدى الصين نيكولاس بيرنز الشهر الماضي، حيث حذر الولايات المتحدة من تداعيات احتواء التنمية في الصين. وشدد المسؤول الصيني على أن بكين وواشنطن لن تكونا قادرتين على "تغيير بعضهما البعض"، على حد تعبيره.
"منعطف حرج"
ولم يتوقف الأمر على ذلك، إذ حذر الوزير الصيني من أن علاقات بكين مع الولايات المتحدة تمر "بمنعطف حرج"، مضيفا أن المجتمع الدولي يتوقع بشكل عام "استقرار هذه العلاقة. لكن يتعين على الولايات المتحدة التوقف عن مخاطبة الصين من منطلق القوة وألا تحاول كبح أو احتواء التنمية في الصين".
وفي كلمته في ختام المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي، سلط الرئيس الصيني الضوء على ما وصفه بمحاولات الخارج "لابتزاز واحتواء وحصار الصين وممارسة أقصى قدر من الضغوط عليها،" داعيا الحكومة إلى الاستعداد "للرياح العاتية والأمواج المتلاطمة وحتى العواصف الخطيرة".
وفي ظل هذه التصريحات، يرى بعض المحللين أنه لا يوجد أي مؤشر يدل على أن الرئيس الصيني مستعد لتخفيف نهجه تجاه الولايات المتحدة، مضيفين أن شي لا يعتقد أن تخفيف هذا النهج سوف يساعد في تحسين العلاقات الثنائية.
وفي مقابلة مع DW، قال ريان هاس، الباحث في معهد بروكينغز، إن "رسالة المؤتمر (العشرين) للحزب الشيوعي مفادها أن الصين تواجه بيئة خارجية معادية بشكل متزايد وأنه يجب عليها المثابرة - رغم الضغوط الدولية - من أجل زيادة قوتها حتى الوصول إلى نقطة يضطر فيها بقية العالم إلى التكيف مع (قوة) الصين".
في المقابل، يرى آخرون أن خطاب الرئيس الصيني أمام الحزب الشيوعيورسالته إلى اللجنة الوطنية للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، يظهران أن بكين تدرك حجم التحديات التي تواجهها بشكل متزايد سواء في الداخل أوالخارج على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وفي هذا الصدد، قالت آيفي كويك، الباحثة في الشأن الصيني في مجموعة الأزمات الدولية، إن هذه التحديات "مرجعها تنافس الصين الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي تعتبره بكين فرصة في ضوء تحول ميزان القوى وتراجع القوة الأمريكية نسبيا".
وأضافت في مقابلة مع DWأن هذا الأمر يحمل في طياته "مخاطر، إذ أن الصين ليست بهذا القدر من القوة لتصبح نظيرا للولايات المتحدة". وقالت إن هناك شعورا متزايدا "بالتهديد لدى الجانب الصيني مع التطرق إلى التدخل الأجنبي. رغم الثقة والتغيير في توصيف الصين لمكانتها على الساحة الدولية إلا أنه (مؤتمر الحزب) اتسم بالهدوء أكثر من المؤتمر السابق (الـ 19) للحزب الشيوعي".
لا مجال للمناورة
ورغم حديث المسؤولين الأمريكيين عن مفاوضات جارية بين الجانبين لعقد قمة بين الرئيس الأمريكي ونظيره الصيني، إلا أن بعض الخبراء يؤكدون أن مد غصن الزيتون لن يأتي بنتائج ملموسة دون تقديم ضمانات.
وفي هذا الصدد، قال درو تومسون، الباحث الزائر في كلية "لي كوان يو" للسياسة العامة بجامعة سنغافورة الوطنية، إن "البيان المعني بتحسين العلاقات جاء مشروطا بموازاة قبول الصين لمطالبها وتهديداتها، دون أي مؤشر على أنه سيعقب ذلك تغيير في سلوك الصين أو قيامها بإجراء متبادل من شأنه أن يعترف بأن الدول الأخرى لديها مصالح."
وأضاف في مقابلة مع DW أنه لم ير أي "مؤشر يدل على حدوث تسوية في بكين أو تقديم تطمينات. إذ أنه في كل مرة يتم طرح هذا الأمر تكون التصريحات الرسمية الصادرة من الجانب الصيني في غاية الوضوح بأن الصين لن تقبل بأي حل وسط في أي نزاع، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقوض الحوار".
وأشار الباحث إلى أن العلاقات التي تجمع الصين بالولايات المتحدة من جهة ودول أخرى من جهة أخرى قد دخلت الآن في مرحلة "إدارة العواقب". وأضاف أن "عصر المنافسة يبدو واضحافي أذهان الشركاء التجاريين الرئيسيين للصين وهو الأمر الذي يطرح تساؤلا مفاده: كيف ستنافس هذه الدول؟" أردف "أعتقد أنه سيستمر في شكل مزيج من الاستثمار الذاتي. وهو النهج الذي سلكته إدارة بايدن".
الاعتماد على الذات
وفي ضوء هذه المعطيات، يتوقع خبراء اشتداد التنافس بين أمريكا والصين في مجال التكنولوجيا، خاصة بعد قيام واشنطن بفرض سلسلة قيود على صادرات أشباه الموصلات إلى الصين في محاولة لمنع حصول الشركات الصينية على هذه التقنية.
وفي رده على الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها إدارة بايدن، دعا الرئيس الصيني خلال مؤتمر الحزب الشيوعي إلى تعزيز الاعتماد على الذات في مجالات التكنولوجيا وسلاسل التوريد، مشددا على ضرورة أن ينصب تركيز الصين على البحوث الأساسية والابتكار في المجالات الرئيسية.
وفي مقابلة مع DW قال ديكستر روبرتس، الزميل البارز في المجلس الأطلسي، إن شي جينبينغ على اقتناع بشكل تام بأنه "سيتعين على الصين شق الطريق بمفردها، خاصة وأن النموذج القديم الذي تبنته في السابق بشأن اكتساب الخبرة والتكنولوجيا من الغرب ومن ثم تستفيد هي منه في نهاية المطاف، لم يعد واردا".
وأضاف أن شي جينبينغ على اقتناع أيضا بأنه "يجب أن تصبح الصين أكثر اعتمادا على ذاتها في مجال التكنولوجيا، لكنني أعتقد أن هذا سيكون صعبا للغاية وقد يكون مستحيلا. لكن هذا من شأنه أن يسرع عملية الفصل، لذا نرى بالفعل شركات كبيرة ومتعددة الجنسيات تبلغ مورديها أنهم بحاجة إلى التنويع خارج الصين ".
وأشار الباحث إلى ارتباط عملية الفصل التجاري مع الصين وفرض عقوبات بالعداء بين بكين وواشنطن، مضيفا "كلما صرح شي جينبينغ بأننا سنقاتل وأن صراعا يلوح في الأفق، كلما زاد رد فعل السياسيين الذين سيقولون إنه شخص لا يمكن الوثوق به.. هذا الرجل يريد القتال وإنه لأمر يرتبط بالتعزيز الذاتي، لذا أعتقد أن العداء سيزداد سوءا مع الفصل".
الدبلوماسية الصينية
وبالتوازي مع التنافس الدولي خاصة مع الولايات المتحدة في قطاع التكنولوجيا، فإن الصين تعمد إلى تعزيز مكانتها على الساحة الدولية والترويج لما تطلق عليه "دبلوماسية الدول الكبرى ذات الخصائص الصينية،" حسبما ترى الباحثة في الشأن الصيني كويك. وتقول إن الصين تسعى إلى "تمييز نفسها على الساحة الدولية ونزع الشرعية عن ما تعتبره سلوكا أمريكيا في إدارة الشؤون الدولية. إذ أن بكين تصر على ممارسة التعددية بشكل حقيقي بمعنى عدم التدخل ( في شؤون الدول الأخرى) وعدم السعي لأي هيمنة، على عكس ما تعتبره تصرفات أمريكية أحادية الجانب تتسم بالهيمنة والخصوصية."
وخلال خطابه في مؤتمر الحزب، قال شي جينبينغ إن الصين "ستظل حازمة في اتباع سياسة خارجية مستقلة قائمة على السلام بما يضمن عدم السعي إلى الهيمنة أو التوسع".
وفي تعليقها على هذا، تشير كويك إلى أن هذا الأمر يعد جزءا من الدبلوماسية الصينية لتعزيز مكانتها الدولية، مضيفة أن "الصين تستثمر بشكل متزايد في إبراز صورة إيجابية عنها لزيادة نفوذها العالمي وكسب أصدقاء، وتعد مبادرة التنمية العالمية التي جرى تدشينها مؤخرا وأيضا مبادرة الأمن العالمي المثالين الأبرز لهذا النهج".
بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، دالي يانغ، إن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي يعكس الوضع الحالي للعلاقات بين القوتين العظميين، واصفا العلاقات الأمريكية- الصينية بأنها "باتت أكثر تنافسية."
لكن يانغ ألمح إلى أنه في ضوء هيمنة قضية الأمن القومي الصينيعلى مؤتمر الحزب، فإن العلاقات الثنائية سيتم النظر إليها بشكل رئيسي من خلال هذا المنظور، مضيفا "كل شيء سيتم النظر إليه من خلال عدسة الأمن القومي".
تايبيه- وليام يانغ / م ع