شبح العنف يخيم على العراق قبيل النتائج النهائية للانتخابات
٢٢ مارس ٢٠١٠أظهرت النتائج التي أعلنت عنها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مساء يوم الأحد الماضي(21 مارس /آذار) في 95 في المائة من أصوات الناخبين، تقدما لقائمة "العراقية" التي يتزعمها العلماني إياد العلاوي رئيس الوزراء الأسبق بحوالي 11 ألف صوت على منافسه الرئيسي نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي، متزعم قائمة"ائتلاف دولة القانون" التي تنضوي في إطارها أحزاب شيعية.
وقد ذهب المالكي إلى حد التحذير من عودة البلاد إلى "دوامة الفوضى السياسية والعنف" إذا لم تستجب مفوضية الانتخابات لطلبه بإعادة فرز الأصوات يدويا في المركز الرئيسي للمفوضية في بغداد، وأمام رفض المفوضية طلب المالكي، تبدو البلاد برأي خبراء على أعتاب "مرحلة سياسية صعبة"، وهو ما يتفق حوله الدكتور بيتر هارلينغ الخبير المتخصص في الشؤون العراقية ب"مجموعة الأزمات العالمية" International Crisis Group (مقرها بروكسيل) مع الدكتور عزيز القزاز الخبير العراقي في معهد الدراسات حول الشرق الأوسط بهامبورغ، وإن أبديا اختلافا في تصوراتهما لمآلات الأوضاع الأمنية في البلاد في المرحلة المقبلة.
عقدة نتائج الانتخابات
تتمثل العقدة الرئيسية في العملية السياسية بالعراق الآن في الخلاف الشديد بين الأطراف السياسية حول نزاهة نتائج الانتخابات سواء المعلن منها لحد الآن أو النهائية المقرر الإعلان عنها يوم الجمعة المقبل(26 مارس/آذار)، وفي كل الأحوال يتجه المشهد العراقي إلى تقارب شديد بين نتائج زعيم الائتلاف الشيعي نوري المالكي وخصمه العلماني إياد العلاوي الذي تمكن لحد الآن من تحقيق تقدم نسبي.
ويعتقد الدكتور بيتر هارلينغ في حوار مع دويتشه فيله أن التقارب الشديد بين المرشحين الأساسيين لرئاسة الوزراء يفتح الباب أمام "مفاوضات صعبة جدا وطويلة حول تعيين رئيس وزراء وتشكيل حكومة جديدة" مشيرا إلى أن المالكي سيواجه صعوبات كبيرة في هذا السباق نظرا للخصومات العديدة التي لديه داخل العراق وفي محيطه الإقليمي، وبالمقابل فإن العلاوي الذي حصل على تأييد قوي في المحافظات السنية لديه شرعية ضعيفة في جنوب البلاد( حيث أغلبية شيعية) مقارنة بالمالكي، وفي ظل "النظام الطائفي الذي يحكم العراق فإن السباق على رئاسة الوزراء سيكون صعبا للغاية بالنسبة للطرفين" كما يقول الدكتور هالينغ الذي توقع أن يتم إعادة فرز نسبة معينة من الأصوات كصيغة توافقية بين الأطراف. من جهته توقع الخبير العراقي الدكتور عزيز القزاز في حوار مع دويتشه فيله ان تستغرق مشاورات تشكيل الحكومة وقتا طويلا وقد يكون أطول من الحكومات الأربعة التي شكلت بعد الغزو الأميركي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين، ولاحظ بأن جل الأطراف السياسية استخدمت لغة التشكيك بشكل متفاوت في نزاهة نتائج الانتخابات، ملاحظا ان العلاوي بدوره شكك في بداية عمليات فرز الأصوات في النتائج وتحدث عن تجاوزات، وهو نفس الخطاب الذي استخدمه المالكي عندما تقدم العلاوي على حسابه.
سيناريو عودة دوامة العنف
وحول سيناريو عودة دوامة العنف في البلاد التي حذر منها رئيس الوزراء المالكي "إذا لم يتم إعادة فرز الانتخابات للتحقق من نزاهتها"، يعتقد الدكتور هارلينغ أن التلويح بالعنف سمة مشتركة في خطاب أطراف العملية السياسية في العراق، لكنه يستبعد ان "تنزلق الأمور في دوامة عنف جديدة، فهذا السيناريو يتفاداه الجميع" كما قال الدكتور هارلينغ، وإن كان" هذا الاحتمال واردا إذا ما انهارت المفاوضات حول تقاسم السلطة". لكن الخبير العراقي الدكتور عزيز القزاز يرى بأن عودة العنف "مرجحة" ويعلل رأيه بأن "الطرف أو الأطراف الخاسرة في الانتخابات سوف تطعن في النتائج وتقوم بخطوات قد تكون قريبة من العنف" وأضاف بأنه حتى في حال تشكيل حكومة جديدة فإن "المشاكل التي تواجهها البلاد ستكون عصية على الحل بسبب الانقسام الشديد بين الأحزاب السياسية وداخل الأحزاب نفسها".
حدود العملية الديمقراطية في العراق
يبدو أن الإشادة الدولية باقتراع يوم السابع من مارس /آذار الحالي وبلوغ نسبة المشاركة فيها 62,4 في المائة، تتبدد آثارها الإيجابية شيئا فشيئا في ظل المخاوف المتزايدة من تعمق التجاذبات السياسية والطائفية وما تحمله من مخاطر انهيار أمني جديد في البلاد. فقد كشفت الخلافات حول نتائج الانتخابات عن الانقسام الشديد داخل الطبقة السياسية العراقية، وليس واضحا أن يتم بسهولة الاحتكام إلى ما ستعلن عنه رسميا هيئة "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات" التي أشرفت على الانتخابات أو حتى المحكمة العليا المخولة بالمصادقة على صحة النتائج.
وقد لاحظ الدكتور بيتر هارلينغ أن الترحيب الغربي بالاقتراع كان عبارة عن "إشادة عامة بالأجواء التي جرت فيها" لكن الدول والمؤسسات الغربية أوفدت عددا محدودا جدا من المراقبين وبالتالي فهي تفتقد الوسائل الضرورية لإجراء " تقييم دقيق لما جرى في كل مراحل العملية الانتخابية" كما قال الخبير الأوروبي. ويذكر أن أكثر من 500 مراقب دولي راقب الانتخابات العراقية وناهز عدد المراقبين المحليين 250 ألف مراقب. واعتبر الدكتور هارلينغ ان المعيار المهم هو"مدى قبول العراقيين أنفسهم بنتائج الانتخابات" ولذلك يتعين برأيه الانتظار لمعرفة رد فعل أغلبية العراقيين على النتائج.
ويتفق هارلينغ مع القزاز حول "هيمنة النظام الطائفي على العملية السياسية في العراق" ومن جهته يوضح الخبير العراقي أن الحكومات التي تعاقبت خلال السنوات السبع الأخيرة في العراق بما فيها التي تشكلت إثر الانتخابات السابقة، لم يكن تشكيلها مستندا إلى نتائج الانتخابات بقدر ما كانت قائمة على " نظام المحاصصة الطائفية" (تقاسم السلطة بين طوائف مختلفة) متوقعا ان يكون تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات الحالية بدوره مستندا إلى قاعدة التوافقات الطائفية بين الشيعة والسنة والأكراد، وتتقاسم أحزاب عديدة النفوذ داخل مجال كل طائفة على حدة.
وفي رده على سؤال حول تقييمه لمدى مساهمة الانتخابات الحالية في ترسيخ العملية الديمقراطية في البلاد، قال الدكتور هارلينغ ان الانتخابات الحالية أظهرت المدى الذي قطعته العملية السياسية في العراق ملاحظا ان "الولايات المتحدة الأميركية ركزت اهتمامها لحد الآن على بناء عملية سياسية تختزل لحد الآن في المناسبات الانتخابية وهو مسار يصل الآن إلى نهايته" مشيرا الى ان انسحاب القوات الأميركية سيكشف في المرحلة التي تليه ماذا تحقق بالفعل في المجال الديمقراطي.
تنافس أميركي إيراني في العراق
وحول تحليله لحجم التأثيرات الخارجية في أوضاع العراق ما بعد الإنتخابات، وخصوصا الدور الأميركي والإيراني، يعتقد الدكتور القزاز ان "ايران والولايات المتحدة الأميركية ليستا متصارعتين في العراق بقدر ما تتقسامان النفوذ عليه" مشيرا بأن ما يحدث بينهما هو "تنافس على رقعة النفوذ داخل العراق" وأضاف بأن التحالفات السياسية التي تتشكل على أساسها الحكومة العراقية ترتكز على نقاط التقاطع بين المصالح والأدوار المتداخلة في الساحة العراقية وخصوصا الأميركية والإيرانية.
من جهته لاحظ الدكتور هارلينغ ان انسحاب 70 ألف جندي أميركي صيف هذا العام من العراق ضمن خطة الانسحاب المعلنة من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما وبانسحاب كامل في أفق عام 2011، ستجعل هامش التحرك والتأثير بالنسبة للإدارة الأميركية في العراق "محدودا"، متوقعا بالمقابل تنامي تأثير دول أخرى في العراق مثل إيران وسوريا والمملكة العربية السعودية.
الكاتب: منصف السليمي
مراجعة: حسن زنيند