شامة درشول: السيد الرئيس.. "النساء يكذبن !"
٢٥ يناير ٢٠١٧السيد الرئيس...
سمعت أن مسيرة ضخمة خرجت في مدن عدة ببلادك تترأسها نساء بلادك، يسمينها "مسيرة الاخوات"، وبعضهن كن أكثر رومانسية وأطلقن عليها "مسيرة الحب ضد الكراهية". السيد الرئيس، دعني أهمس في أذنك حتى لا تغضب هؤلاء النسوة مني ويتهمنني بمعاداة الفيمينيزم، وبأنني ذات عقلية ذكورية، ودعني أقول لك إن "النساء بمن فيهم نساء بلدك...يكذبن".
أرأيت؟ لم ينتظرن حتى يتأملن مليا فيما قلته ويتفكرن فيه فانهلن علي باللوم والعتاب، ولن أتعجب ان تجاوز الأمر بهن إلى الشتائم والاتهامات.
وهذه أول كذبة تكذبها النساء المناضلات باسم حقوق المرأة، يخبرنك أن الرجل يستحوذ على سلطة التعبير، وأنهن يناضلن من أجل اسماع صوت النساء، ومن أجل إعطاء صوت لمن لا صوت لهن. هذا كذب، هؤلاء النسوة لا يسمعن إلا أنفسهن، ولا يردن إيصال الا أصواتهن، وصوت النساء اللواتي يشبهنهن، أو يؤمن بنفس الأفكار، ويعتبرن كل صوت نسائي مختلف عنهن ما هو الا صوت مضطهد، صوت ذكوري، صوت متخلف، صوت لا مستضعف، صوت لا يؤمن بقوة المرأة وما تبقى من الاتهامات، ولا أدري لم هؤلاء النسوة لا يستوعبن أنه يجب عليهن النضال من أجل هؤلاء المختلفات عنهن في ضمان حقوق كونية لا يختلف عليها أحد، لكن أن يحترمن اختيارات هؤلاء النسوة في حياتهن الخاصة بشكل خاص.
السيد الرئيس...
دعني أعدد لك نماذج، في بلدي المغرب، كما في بلدك، يحاولون اقناعنا ان هناك نوعان فقط من النساء، نوع تقدمي، يستطيع أن يقيم التوازن بين عائلته وعمله، ونوع رجعي من النساء تؤمن بأن أفضل مكان للمرأة هو بيتها.
هذه كذبة أخرى يريدون منا تصديقها، مثل تلك الكذبة التي تروج من بلدك هذه الأيام حول ان العالم فيه نوعان من الرجال، نموذج يمثله باراك أوباما "الرومانسي" في تعامله مع زوجته، ونوع تمثله أنت بما يجده معارضوك "فظاظة" في التعامل مع النساء.
الحقيقة أن هذا التقسيم يذكرني بجورج بوش الابن حين قسم العالم إلى محور للخير ومحور للشر، والحقيقة أن النساء اللواتي خرجن في مسيرة ضدك يتهمنك بمعاداة المرأة، هن أنفسهن من انهلن بالانتقادات على زوجتك، سيدة أمريكا الأولى، وهن أنفسهن من يتهمن زوجتك بتبعيتها لك يطالبن من زوجتك أن تكون مجرد نسخة من ميشال أوباما، دون أن يحترمن اختيار زوجتك ميلانيا أن تكون نفسها أولا...ألم أقل لك أن النساء يكذبن؟
دعني أقنعك أكثر...
اطلعت على الكثير من التقارير الإخبارية التي كتبت عن "مسيرة الاخوات"، وعنك، وعن زوجتك، وعن ابنك، وعن باقي أفراد عائلتك. ماذا وجدت؟
وجدت أن أغلب التعليقات تنتقد زوجتك ميلانيا في حين أنه أنت الرئيس وليس هي، أنت الذي يجب أن ينتقد وليس هي، أنت الذي يجب أن يهاجم وليس هي، ومع ذلك تصر نساء بلدك أن يقنعنك وايانا أنهن خرجن من أجل النساء، في أمريكا، وفي العالم. ألم أقل لك أن النساء يكذبن؟
النساء في بلدك السيد الرئيس، اتهمن زوجتك بأنها لا تصلح لتكون السيدة الأولى لأمريكا لأنها سبق وصرحت أنها لن تنتقل الآن إلى البيت الأبيض وستظل لمدة بنيويورك، النساء اللواتي هاجمن زوجتك رفضن اكمال ما صرحت به ميلانيا زوجتك، اذ قالت إنها ستنتظر قليلا إلى ان يكمل ابنها ذو العشر سنوات فصله الدراسي، ثم إعداده للانتقال إلى واشنطن، وبانها لا تريد أن يؤثر الوضع الجديد لزوجها على حياة ونفسية طفلهما.
النساء اللواتي انتقدن ميلانيا، وقلن إنهن يطالبن بالحرية للنساء، يكبرن على ميلانيا حريتها في اختيار الحياة التي تراها مناسبة لها، ويطالبنها بأن تكون مجرد منافسة لميشال وباقي السيدات الأوائل على لقب "السيدة الأولى الأكثر روعة".
نساؤك يكذبن السيد الرئيس، ولست أدري ان كنت قد اطلعت على تغريدة لاحدى مواطناتك تعرضت لهجوم شديد من القائمات على "مسيرة الاخوات" فقط لأنها قالت إنها "لا تشعر انها مواطنة من الدرجة الثانية فقط لانها امرأة، إنها لا تشعر بهذا الشعور الذي نزل من أجله عشرات الآلاف من النساء في بلدك. التغريدة التي اضطرت احدى منظمات المسيرة الرد عليها بمقال طويل عنونته "نحن لسنا متساوين أنا آسفة".
المساواة، هي الكذبة الأخرى التي تكذبها النساء في بلدك، والنساء في بلدي أيضا، في بلدي بدأوا يحورونها ويطالبن بـ "المناصفة"، أسخر كثيرا من الكلمتين، اسخر لأنني أعرف أنهن يكذبن، ولا يقلن الحقيقة، أن المرأة في بلدي تتحمل وحتى قبل ظهور الحركات النسائية الكثير من المسؤولية ومن المتاعب، وان ما فعلته الحركات النسائية بالنساء في بلدي وبلدك أن انضافت مسؤوليات أخرى على كاهلهن، وأصبحن يتحملنها وهن يعانين في صمت، لا يردن أن يصرخن عاليا لأنهن يخفن من سخرية الرجال ان هذه هي المساواة التي تبحثن عنها. النساء في بلدك وفي بلدي، لم ينتبهن أن العدالة ما كان يجب أن ينادين بها، وليس المساواة ولا المناصفة، وأن العدالة لتتحقق تقتضي أن تشرك الرجل فيها، النصف الآخر من هذا المجتمع، لا أن تضيع الوقت في التنافس معه في مسؤوليات لم تزد كاهلنا الا ثقلا.
أنصت جيدا لشكاوى النساء التي يهمسن بها خفية، وستكتشف أن النساء يكذبن على أنفسهن أولا قبل أن يكذبن على الأخريات والآخرين.
السيد الرئيس...
أعتقد أني لمحت لك ببعض من الأدلة التي أملك دليلا على أن المسيرة التي خرجت من أجل الحب هي في الحقيقة مسيرة خرجت من أجل الكراهية، ولأوضح قولي أكثر، أعود إلى زوجتك ميلانيا، لقد قال عنها هؤلاء النسوة المناضلات ان ميلانيا "مهاجرة" اقترنت بك فقط من أجل الحصول على البطاقة الخضراء...تجد هذا مضحكا أليس كذلك؟ النساء اللواتي خرجن للاحتجاج من أجل حق المهاجرين هم نفسهم الذين ينتقدون زوجتك لأنها أتت إلى أمريكا مهاجرة، أمريكا التي جعلتها سواعد المهاجرين أعظم بلد في العالم.
نساؤك لم يكتفين بهذا القول، نساؤك انتقدن ميلانيا لأنها قالت إنها لا تهتم بالسياسة، وإنها تدعمك كزوجة في اختيارك، لكنها تفضل ان تظل في الكواليس تعتني بك زوجا، وتعتني بطفلها، هذا القول أثار حفيظة النساء اللواتي خرجن ضدك، هن يردن نساء نسخا منهن، ونسخا من ميشال، نساء قياديات، قويات، أمهات، وزوجات يسمع الزوج كلامهن، لا يردن ميلانيا التي يصفنها بأنها تابعة لزوجها، ولا يستسغنها لانها اختارت أن تكون مهمة لعائلتها الصغيرة فقط، ولم تهتم بأن تكون مهمة لأمريكا ونسائها.
السيد الرئيس...
قبل أن أختم رسالتي اليك، وطبعا سأشكرك على حسن انصاتك، أريد أن اخبرك أمرا أضحكني كثيرا، النساء اللواتي خرجن ضدك يتهمن ميلانيا انها مجرد عارضة أزياء تهتم بجمالها وليس بعقلها، وأنها ارتبطت بك رغم أنك تكبرها سنا، وأنها تزوجتك فقط لأنك رجل ثري، وأنها الزوجة رقم ثلاثة لك، هن أنفسهن النساء اللواتي يعتبرن "كيم كاردشيان" نموذجا ناجحا للمرأة فقط لأنها تملك اردافا ثقيلة، وهم أنفسهن اللواتي قلن إن ميشال أوباما لا تملك جسدا أنثويا، وان جسدها رجولي، وهن أنفسهن اللواتي اطلقن اشاعات عن ميشال وطلاقها المرتقب من أوباما لانها بلغت الخمسين وأصبحت امرأة يائسة، وهن أنفسهن اللواتي يتسارعن على المكتبات لاقتناء كتب عن "كيف تتزوجين مليارديرا"، وهن انفسهن اللواتي يتهافتن على محلات التجميل والتنحيف للحصول على جسد مثل جسد زوجتك، وجمال كجمالها.
أظن ان هذا يكفي حتى تفهم أن مشكلتنا كنساء ليست مع الرجل بقدر ما هي مع النساء أنفسهن.
شامة درشول، مدونة مغربية وخبيرة إعلامية
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW