سيدي بوزيد: مهد الثورة يعيش تناقضات التنمية والتجاهل
١٤ أبريل ٢٠١٢تغيرت معالم الطريق المؤدي إلى محافظة سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية التي أطاحت بزين العابدين بن علي وأطلقت موجة التغيير في العالم العربي. خضرة الربيع زادت من رمزية التغيير الذي شهدته المنطقة والبلاد بأسرها.
لكن هذا المشهد الجميل والمعبر يتغير عند الولوج إلى بعض مدن وقرى المحافظة، فالحال بقي على ما هو عليه تقريباً، وسط سعي الحكومة الجديدة، التي تقودها حركة النهضة الإسلامية، للاستثمار في البنى التحتية وتعويض المنطقة عن سنوات الإهمال إبان عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، مخصصة لذلك جانباً هاماً من ميزانية الدولة من أجل فك عزلة المناطق الداخلية التي دامت عقوداً.
وبالإضافة إلى جهود الحكومة الحالية، تحاول فعاليات المجتمع المدني أيضاً المساهمة في إيجاد حلول لإشكاليات التنمية التي تعاني منها المنطقة. ويلخص السيد رشيد الفتيني، رئيس مركز الأعمال بالمحافظة، في حديثه مع "DWعربية"، هذه الإشكاليات في غياب المناطق الصناعية والبنى التحتية وفرص تمويل المشاريع، بالإضافة إلى عدم وضوح استراتيجية التنمية الخاصة بالمنطقة.
جهود حكومية ومعيقات إدارية
كما يؤكد على أن الحكومة أرسلت لجنة خاصة للقيام بإجراءات استثنائية لفض المشاكل العقارية في المحافظة، التي تحد من إمكانيات إطلاق المشاريع اللازمة وبناء مناطق صناعية على الأراضي المملوكة للدولة، البالغة مساحتها إجمالاً 40 ألف هكتار. ويرى الفتيني أن الحل يتمحور في تعزيز روح المبادرة لدى الشباب، وتوفير التمويل الضروري للمشروعات الخاصة، مبيناً أن 80 بالمائة من المشروعات معطّل بسبب نقص التمويل لدى أصحاب هذه المشاريع.
من جهته يشير محمد الطاهر شكري، المكلف بالعمل السياسي بالمكتب الجهوي (مكتب المحافظة) لحزب النهضة الإسلامي بسيدي بوزيد، في حوار مع "DWعربية"، إلى أن "الثورة قامت من أجل العدالة والتوازن بين الجهات"، ويؤكد على أن "الجهة تستحق لفتة واضحة من الحكومة الحالية ... والحكومة تعمل على تحقيق ذلك".
كما يعتبر شكري أن منظومة القوانين الحالية والبيروقراطية الإدارية تعيق تنفيذ المشاريع بالمحافظة، موضحاً أن هناك حاجة إلى إدارات ومؤسسات مختصة، ذلك أن المواطن أو المستثمر مجبر على الذهاب إلى محافظات أخرى أو إلى العاصمة لقضاء شؤونه. ويشدد الناشط من حزب النهضة الإسلامي على ضرورة إيجاد حلول عملية للإشكاليات العقارية للأراضي التابعة للدولة وللمناطق الصناعية.
جهود تنموية ألمانية في سيدي بوزيد
وعلاوة على الجهود التي تبذلها الحكومة التونسية الحالية، تساند الوكالة الألمانية للتعاون الدولي المجتمع المدني المهتم بالتنمية في سيدي بوزيد، إذ احتضن مركز الأعمال في المحافظة دورات عديدة لصالح أصحاب المشاريع في مجال إعادة تدوير النفايات العضوية وحماية البيئة. كما زار خبراء الوكالة المنطقة لتقديم دعمهم للشباب في سيدي بوزيد.
كما تبنت الوكالة الألمانية مشروعاً نموذجياً لإنتاج السماد العضوي بسيدي بوزيد، بحسب ما يقول رشيد الفتيني، إذ ساهمت الوكالة الألمانية للتعاون الدولي في إطلاق شراكة بين مركز البحوث الزراعية بالمنطقة ومركز الأعمال والبلدية بهدف دعم مشروع لإحدى خريجات الجامعة يهدف لإنتاج السماد العضوي.
وتقول صاحبة المشروع، فائقة الدالي، التي درست الهندسة الزراعية، إن الوكالة الألمانية اتاحت لها إمكانية إطلاق المشروع وقدمت التمويل والخبرة والتجربة. ويشغّل مشروع فائقة الدالي أربعة عمّال، ويوفر السّماد العضوي للمزارع الخاصة، بالإضافة إلى استيعاب نفايات الحدائق وسوق الخضار بالمدينة. وقد اتفقت الدالي مع بلدية المنطقة لاستيعاب ما تجمعه يومياً من النفايات الخضراء القابلة للتدوير.
وفي حوار مع "DWعربية"، يوضح علي عبعاب، الخبير في الشؤون البيئية بالوكالة الألمانية للتعاون الدولي، أن "المشروع يسير حسب ما هو مبرمج له، وفي الوقت الحاضر لا توجد صعوبات أو عراقيل تذكر". ويوضح أنه في المرحلة الثانية، وبعد أن تتمكن صاحبة المشروع من تأمين دخل ثابت لها، سيشكل هذا المشروع النموذجي نقطة انطلاق لمشاريع جديدة في المنطقة في مجال السماد العضوي.
من جانبه يؤكد رشيد فتيني أن مركز الأعمال يدرس مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي إمكانية إطلاق مشروع خاص بإنتاج الغاز الحيوي من مكبات النفايات، وهو ما من شأنه أن يوفر فرصاً كبيرة للاستثمار وخلق تنمية مستدامة، إلا أنه يشير إلى أن هذا المشروع يتطلب تضافر جهود مختلف الأطراف بالمحافظة.
احتجاجات مستمرة وأهداف مختلفة
وبالرغم من هذه المشاريع، لا تزال سيدي بوزيد تشهد أيضاً حركة احتجاجية، تتمحور حول الأوضاع الاقتصادية وإهمال المحافظة في عملية التنمية والاستثمار الحكومي. ويبرز في هذا الصدد، اضراب شهدته سيدي بوزيد قبل أيام، و الاعتصام الذي ينظمه أهالي قرية رحال بمنطقة بئر الحفي بالمحافظة، والمستمر منذ ثلاثة أسابيع، للمطالبة بتشغيل بعض أبناء القرية وربطها بشبكة مياه الشرب وتعبيد بعض الطرق هناك.
وفي هذا الصدد يعتبر مختار الكحولي، الخبير الإعلامي التونسي، أن الاحتجاجات تختلف من منطقة إلى أخرى وإن تشابهت عناوينها، وأن "منها من يحركه بعض المحسوبين على النظام السابق، في محاولة لإرباك الحكومة، وأخرى سببها عدم تنفيذ إدارة المحافظة لبعض الوعود التي قطعتها لأهالي بعض القرى".
إلا أن حافظ خدمي، أحد شباب قرية رحال العاطلين عن العمل، يشير في لقاء مع "DWعربية" إلى أن "الاحتجاج متواصل بنفس الوتيرة مع إمكانية التصعيد، نظراً لتنصّل الولاية (المحافظة) من التزامها السابق مع الأهالي، الذين يطالبون بالتنمية والتشغيل والماء الصالح للشرب".
وبالمقابل يؤكد محمد الطاهر شكري من حزب النهضة الإسلامي أن "الاحتجاجات حق مشروع لكل الفئات المضطهدة التي تتوق إلى العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة". لكنه يشير إلى أن بعض الأطراف تستغل هذه الاحتجاجات سياسياً، وأنها تعمل في خندق الثورة المضادة، عبر المطالبة بإسقاط الحكومة أو إقالة وزير أو رفع مطالب تعجيزية. ويتابع شكري بالقول: "إن هذه الأطراف تحاول صبغ المطالب الاجتماعية لبعض الفئات بلون سياسي، وحاولت الركوب على مطالبهم وفشلت".
وفي معرض رده على تصريحات شكري، يرى علي الجدّ، الناشط بحزب حركة البعث ذي التوجهات القومية العربية، أن حزب النهضة يعتمد على التسويف وبيع الأوهام للشعب، موضحاً أن "المشروع التكميلي لميزانية الدولة المعروض على المجلس التأسيسي برنامج لخداع الناس وعودة لبرامج نوفمبر في مجال التنمية"، في إشارة إلى السابع من نوفمبر، تاريخ الانقلاب المقنّع لزين العابدين بن علي.
خالد بن بلقاسم – سيدي بوزيد
مراجعة: ياسر أبو معيلق