سياسة سوريا الخارجية بين عهدي الأسد الأب والإبن
١٤ يوليو ٢٠١٠تُشكل إدارة النزاع أو المفاوضات مع إسرائيل حول هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967، ملفا رئيسيا في السياسة الخارجية السورية، وينظر اليه المحللون كمحك أساسي لإختبار مدى حدوث متغيرات في سياسة سورية الخارجية.
ويرى البروفيسور فولكر بيرتز مدير المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين إن الرئيس بشار "يسعى للتخلص من التركة التي ورثها عن والده الرئيس الراحل حافظ الأسد والمتمثلة في إستعادة هضبة الجولان، عبر التوصل الى صيغة ما لإتفاق سلام مع إسرائيل" كما لاحظ بيرتز في حوار مع دويتشه فيله.
من جهته يعتقد الدكتور سمير العيطة رئيس تحرير الطبعة العربية لصحيفة" لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية أنه أيا كان الرئيس في سورية فإن مسألة الجولان محكومة ب"ثوابت لا يمكن التراجع عنها" وبرأي العيطة فإن السنوات العشر الماضية شهدت متغيرات استراتيجية وجهت مجريات الأوضاع بشكل جذري في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره وأن "سورية أصبح لها دور اقليمي أقوى من دول عربية عديدة".
سورية عقبة أم مفتاح للسلام؟
إثر وفاة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في صائفة عام 2000 ساد شعور لدى مراقبي الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، بأن رحيله سيخلف فراغا ليس فقط في بلده بل في منطقة الشرق الأوسط نظرا للكاريزما التي كان يتمتع بها وقدرته الفائقة على إدارة الأزمات، وقد قال عنه وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر "إنه رجل متأن يحسب الأمور بدقة، إني أكن له احتراما كبيرا".
وكان تولي بشار الأسد للحكم بمثابة رحلة نحو المجهول، بيد أن السنوات العشر الأولى من حكمه تظهر أن سياسة سوريا الخارجية لم تحد كثيرا عما رسمه الوالد الراحل. لكن المحللين يتساءلون عن حقيقة الدور الذي تلعبه سوريا حاليا في منطقة الشرق الأوسط وعما إذا كانت تشكل عقبة أمام السلام مع إسرائيل أم مفتاحا للحل السلمي.
بالنسبة للدكتور للبروفيسور فولكر بيرتز فإن "سوريا مفتاح للسلام في الشرق الأوسط، ولدى النظام السوري هامش دور محدود يلعبه في هذا الصدد" موضحا ان "الرئيس بشار الأسد مثله مثل والده يبدي اهتماما بالتوصل الى اتفاق سلام مع إسرائيل ، وكلاهما يتحرك من موقعه كممثل للمصالح الوطنية السورية، وبالنسبة اليه فإن التوصل الى سلام مع جيرانه (اسرائيل) يكون أولا مقابل استعادة الأراضي السورية وثانيا اعطاء الإقتصاد السوري دفعة جديدة".
من جهته قال الدكتور سمير العيطة إن "أي رئيس لسورية لا يستطيع التخلي عن الجولان، لكونها جزءا من الأراضي السورية" معتبرا ان مسؤولية الفشل في التوصل الى تسوية سلمية لإنهاء قضية الجولان، يعود أساسا للجانب الإسرائيلي بسبب "التعنت الذي انتهجته الحكومات الاسرائيلية وخصوصا الحكومة الحالية التي يقودها اليمين المتطرف" مشيرا في هذا الصدد بأن اخفاق فرص السلام مع اسرائيل لا يقتصر على المسار السوري بل ايضا على المسار الفلسطيني. بيد ان اسرائيل تتهم من جانبها سورية بعرقلة السلام في المنطقة من خلال دعمها للجماعات الفلسطينية المتشددة وحزب الله في لبنان.
ويرصد الخبير الألماني بيرتز وجود "تغير ما" في سياسة سوريا الخارجية وأوضح قائلا إن"شيئا ما قد تغير في واقع الأمر، ففي السابق كان المحللون يقولون في غالب الأحيان بأن سوريا مهتمة بالسلام كمسار أكثر من اهتمامها بالحديث عن اتفاق سلام" وأضاف إن "سوريا اليوم وكأنها تريد اتفاق للسلام عبر مسار وربما يكون أطول مما يتوقع والمهم أن يفضي الى تسوية فعلية وليس مجرد وعود أو كلام، تسوية مضمونها سلام حقيقي وواضح ينتج عنه استعادة الأراضي المحتلة، وهو ما سيكون محل اتفاق من قبل الغالبية العظمى للسوريين". وأشار بيرتز أن الرئيس بشار يسعى الى تسوية سلمية تمكنه من إنهاء قضية الجولان طبقا لقرارات الأمم المتحدة عام 1967، وبالتالي التخلص مما يعتبر تركة ورثها عن والده الذي خسر الحرب عندما كان إبانها وزيرا للدفاع.
دمشق استفادت من تحالفاتها الاقليمية
ويرى محللون بأن البحث عن تسوية سلمية بين اسرائيل وسورية لإنهاء النزاع حول هضبة الجولان، لا يمكن فصله عن سياق الأوضاع الاقليمية والدولية، ويعتبر الدكتور سمير العيطة إن " أحداثا كبرى جرت خلال العقد المنصرم كانت مؤثرة جدا على سورية وساهمت بشكل أساسي في تحديد توجهات سياستها الخارجية بصرف النظر عمن كان رئيسا لسورية".
وأشار العيطة في هذا السياق الى أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ايلول 2001 وحرب الرئيس جورج بوش على الإرهاب وغزو العراق وما حدث أثناءه وبعده من تهديدات لسورية وفرض عقوبات أميركية على سورية وهي مستمرة لحد الآن، بالإضافة الى أحداث اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ومحاولة انقلابية على نظام بشار الأسد، وصولا الى تغيير المعادلة في المنطقة منذ عام 2006 وخصوصا فيما يتعلق بدور تركيا وتقاربها مع سورية وايران. واستنتج العيطة بأن المتغيرات التي وقعت في المنطقة نتج عنها "دور اقليمي سوري أقوى من دول عربية كبرى" في إشارة منه الى مصر والسعودية.
من جهته يلاحظ البروفيسور بيرتز أن التقارب الثلاثي الذي حدث في الفترة الأخيرة بين سورية وتركيا وايران، لا يمكن اعتباره "تحالفا ثلاثيا" بل هنالك مستويات ثنائية، فمنذ عشر سنوات تشكل ما يمكن ان يطلق عليه ب"شراكة استراتيجية" بين سورية وايران يتبادلان من خلالها المصالح في المنطقة. وأضاف بيرتز بأن "الشراكة الاستراتيجية السورية الايرانية لم تتعرض لصعوبات تذكر سوى عندما جرت محادثات سلام بين سورية واسرائيل، وما حملته من مخاوف ايرانية من توقف الدعم السوري لحزب الله".
أما العلاقات التركية السورية فهي"قصة أخرى" كما يقول الخبير الألماني ولها خلفياتها التاريخية مشيرا على الخصوص الى التقارب السوري التركي الذي حدث، قبيل تولي بشار الأسد للحكم، حيث قررت سوريا طرد عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني. وفُتحت حدود البلدين وبدأت حقبة جديدة في العلاقات.
ورقتا تركيا وحزب الله
ويتفق بيرتز والعيطة حول صعوبة مواصلة تركيا لدور الوساطة في ظل توتر علاقاتها مع إسرائيل ويعتقد العيطة ان "الأميركيين والفرنسيين يمكنهم لعب دور الوساطة بين اسرائيل وسورية لكن يطرح السؤال حول مدى قدرتهم على الاستجابة للمطالب السورية المتمثلة في استرجاع الجولان" مشيرا بأنه رغم التقدم الذي حصل في المفاوضات في السابق وما يعرف ب "وديعة رابين"(تعهد قدمه اسحاق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق لوزير الخارجية الاميركي الاسبق وارن كريستوفر بشأن استعداد اسرائيلي الإنسحاب من الجولان) فإن "الاسرائيليين وخصوصا في ظل الحكومة اليمينة المتطرفة الحالية يبدون كثيرا من التعنت، وليسوا مستعدين للتخلي عن الجولان".
أما بالنسبة لورقة حزب الله التي وظفتها سورية خلال السنوات الماضية، فيعتقد بيرتز ان "هنالك مصالح متبادلة بين سورية وحزب الله، وكل طرف يستخدم الآخر" وأوضح بأن"سورية تستخدم حزب الله كورقة تهدد بها اسرائيل وحزب الله يستفيد من دعم عسكري ولوجستي من سورية وتحديدا استخدامها لعبور الدعم الذي يأتيه من ايران"، معتبرا ان هذا الوضع ربما يتغير،على الأقل،" في حالة توصل سورية لاتفاق سلام مع اسرائيل واسترجاع اراضيها المحتلة".
ويعتقد الخبير الألماني أن "أي طرف في المنطقة ليس من مصلحته حاليا قيام حرب جديدة، ولكن هنالك في نفس الوقت الكثير من الإحباط بسبب غياب أي تقدم في العملية السلمية"، داعيا للقطع مع الأفكار والأوهام التي تعتقد بأن قيام حرب يمكن ان يحرك الأوضاع الجامدة ويؤدي الى سلام على غرار ما حدث اثر حرب 1973 بين اسرائيل ومصر، ويرى بيرتز أن الخيار الأفضل للمنطقة يكمن في "العمل من أجل منع قيام حرب والسعي مرة أخرى الى العودة إلى مفاوضات السلام".
الكاتب: منصف السليمي
مراجعة: حسن زنيند