سياسة الهجرة في ألمانيا: هل ستبقى ثابتة أمام رياح التغيير؟
كان قانون الهجرة من القضايا الرئيسة الحاضرة في البرامج الانتخابية للأحزاب الألمانية. وتعتبر هذه البرامج مثار اختلاف بينها لا سيما فيما يتعلق بمسألة اندماج الأجانب في المجتمع الألماني. وكيفية وضع السبل التي من شأنها تسهيل هذا الاندماج.
يرى الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة المستشار الحالي شرودر في الهجرة حلاً لبعض المشاكل الاقتصادية الاجتماعية الناتجة عن تناقص عدد السكان الناجم بدوره عن تراجع معدلات الولادة في المجتمع الألماني. أما الأمر الأخر هو ما يسمى بـ "شيخوخة المجتمع"، أو غلبة كبار السن عليه. وهو أمر له تأثيرات سلبية كبيرة ليس على تركيبة النظام الاجتماعي فحسب، بل على سوق العمل خلال العقود التالية أيضا. وأثناء تقديم مسودة لقانون جديد للهجرة قبل سنوات من قبل حكومة شرودر، اعترضت كتلة المعارضة السابقة بزعامة ميركل على تسهيل إجراءات الهجرة بحجة أن المزيد من المهاجرين يعني المزيد من العاطلين عن العمل.
الاندماج وتحديد الهجرة
وضع الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة انجيلا ميركل تحديد الهجرة وتقوية الاندماج في المجتمع على برنامجه في الانتخابات الأخيرة التي خرج منها فائزاً. ويرى الحزب أن ألمانيا بلد مفتوح على العالم، وان الكثير من الأجانب المقيمين فيها اندمجوا في المجتمع الألماني. ولكنه يرى فيها أيضاً "إشارات خطر تهدد السلام الاجتماعي في البلد". السبب في هذا الخطر يتعلق بمعدلات البطالة المرتفعة، وعدم حصول أطفال المهاجرين على التعليم المدرسي الأساسي، وإحجام بعض شباب المهاجرين على الاختلاط بالمجتمع الألماني. ويرى الحزب كذلك أن قانون الهجرة وحده غير كافي لتجاوز مشاكل الاندماج.
يضع الحزب نصب عينيه تحقيق أهداف من شأنها تحسين هذا الواقع، فقد ورد في برنامج الحزب الانتخابي أن الاتحاد يريد أن يعيش الأجانب المقيمين في ألمانيا "مندمجين في مجتمعنا على أسس ثقافتنا ونظامنا القانوني." والشيء الأساسي في هذا الاندماج هو تعلم اللغة، وهنا يشدد الاتحاد على دور الوالدين في تشجيع أطفالهم على الاشتراك في "فرص الحياة والعمل في بلدنا."
كما انه سيعمل على دفع مسألة الاندماج إلى الأمام، عن طريق حث الأجانب بالوسائل القانونية للاشتراك في دورات للاندماج. كما سيكون هناك شرط جديد في إجراءات "لم الشمل" هو إلمام الزوج القادم إلى ألمانيا الكافي باللغة الألمانية.
الهجرة وسوق العمل
للهجرة في ألمانيا تاريخ طويل من حيث ارتباطها بسوق العمل. فهناك العديد من الحالات التي فتحت فيها ألمانيا أبوابها للمهاجرين من اجل الحصول على أيدي عاملة لسد النقص الموجود في منشأتها الصناعية.
تنقل لنا كتب التاريخ ان أول هجرة أيدي عاملة إلى ألمانيا حدثت حين أصدر فريدرش فيلهلم الأكبر، أمير براندنبورغ، مرسوما عام 1685 منح فيه حق الإقامة لـ 44.000 شخص من الهوغونوت (البروتستانت الفرنسيين)، كحل للخروج من المشاكل الاقتصادية الكبيرة التي كانت تعاني منها أمارته في ذلك الحين، بعد حرب الثلاثين عام الطويلة.
والحالة تكررت بعد أن طلبت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية الكثير من العمال الضيوف لسد النقص الذي جرى في سوق العمل الألمانية في تلك الفترة، فتوافد على ألمانيا الكثير من العمال الضيوف يشكل الأتراك النسبة الغالبة منهم.
واليوم يضع الحزب الديمقراطي المسيحي عدة ضوابط الهدف منها تحديد الهجرة. وفي علاقة ذلك بسوق العمل والنهوض بالاقتصاد الألماني الذي يعاني من البطالة. حيث ستقتصر الهجرة الوافدة في سوق العمل على ما يكفي لسد النقص الأساسي في عدد محترفي حرفة ما. كما على الأجانب من ذوي الكفاءات العالية في المجالات العلمية والبحث العلمي، أو من يمكنهم تقديم إسهامات في الاقتصاد والثقافة.
الهجرة وحقوق المرأة
لكن هذه الضوابط الجيدة، التي سيحاول الحزب انتهاجها بعد فوزه في الانتخابات وتشكيل الحكومة، لا تغفل عن حقوق المرأة بغض النظر عن الأصل أو الديانة. فالحكومة القادمة ستدعم وتقوم بحماية حقوق الفتيات والنساء المقيمات في ألمانيا والقادمات من بلدان إسلامية، من خلال منع الزواج بالإكراه وسيضع قانون يعاقب على مثل هذه الحالات.
منح الجنسية
يختلف قانون منح الجنسية في ألمانيا عن مثيلاته في بقية دول العالم. فكثير من الدول تمنح حق مطالبة الشخص بالحصول على الجنسية البلد إن ولد على أرضه. وحتى سنوات قليلة في ألمانيا فأن الأطفال من أبوين ألمانيين يحق لهم الحصول على الجنسية بصورة تلقائية. ولكن طبقا القانون الحالي فإن كل طفل يحصل على الجنسية الألمانية إن كان أبويه يعيشان في ألمانيا لفترة أكثر من ثماني سنوات.
النموذج الأمريكي
في مواجهة هذا الاختلاف في تقييم الهجرة، فإن من الجدير إلقاء نظرة على الولايات المتحدة التي تعد المقصد الكلاسيكي للمهاجرين. فمنذ أوائل أيامها والولايات المتحدة تعد "بوتقة" المهاجرين. الكثير من الناس حافظوا على أمجاد أسلافهم وما زالوا يسمون أنفسهم حتى اليوم "أمريكي من اصل أفريقي" أو "أمريكي من اصل إيطالي". إلا أن هؤلاء المهاجرين يرون في أنفسهم مواطنين أمريكان قبل كل شيء.
ووفق بيانات مركز دراسات الهجرة في واشنطن فأن الولايات المتحدة تستقبل 1.5 مليون مهاجر كل عام. ونصيب ألمانيا قرابة 220.000 مهاجر سنوياً. وقياساً إلى نسبة عدد السكان في البلدين، فأن ألمانيا تستقبل ما يعادل نصف المهاجرين للولايات المتحدة سنوياً.
عماد م. غانم