فرص الشركات الألمانية بعد الحرب السورية؟
٢٧ أغسطس ٢٠١٧ليس سرا في عالم الاقتصاد أن عودة الشركات ورجال الأعمال إلى بلد يعاني ويلات الحرب منذ سنوات يعني من جملة ما يعنيه بداية نهاية الأزمة. وليس سرا ايضا أن أول من يدري بقرب نهاية الحروب هم رجال الأعمال الذي تربطهم بصناع القرار السياسي مصالح متبادلة تؤهلهم للحصول على أسرار الحرب والسلام بهدف اقتناص الفرص في الوقت المناسب. في هذا الإطار يمكن تفسير إقبال المئات من رجال الأعمال الأجانب والعرب للمشاركة بفعاليات معرض دمشق الدولي في دورته التاسعة والخمسين هذا العام. الأرقام الرسمية تتحدث عن أكثر من 1500 مشارك إضافة إلى عشرات الشركات العارضة التي حضرت من 43 دولة في مقدمتها الصين وروسيا ومصر والعراق وإيران والهند والبرازيل وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وبلدان أخرى لم تقطع علاقاتها الدبلومسية مع دمشق. أما البلدان الغربية والعربية التي قطعت هذه العلاقات وفرضت عقوبات اقتصادية على سوريا فاقتصر حضورها غير الرسمي على عدد محدود من الشركات في مقدمتها شركات من اليونان وإيطاليا والتشيك وألمانيا مع أن الغالبية منها اكتفت بإرسال مندوبيها في سوريا ولبنان لحضور المعرض والترويج لمنتجاتها بهدايا صغيرة وبروشورات. ولعل الملفت هنا عدم صدور تحفظات على حضور شركات غربية سواء من الجانب السوري أو من قبل الحكومات الأوروبية.
وقائع ميدانية جديدة
فعاليات المعرض التي عادت بعد خمس سنوات من التوقف القسري بسبب الحرب لم تحظى باهتمام يًذكر في الإعلام الغربي أو العربي. وفي أوساط جماعات المعارضة السورية اقتصر الأمر على تعليقات بعض الناشطين التي شككت بالمعرض وبتوقيت انعقاده من خلال تدوينات لم تخلو من السخرية. ويأتي هذا التشكيك على ضوء استمرار الحرب السورية وعدم الاتفاق على أسس مشتركة لحل سياسي. في المقابل ترى الأطراف المؤيدة للمعرض والمحتفلة بانعقاده وفي مقدمتها الحكومة السورية في المعرض إشارة لعودة الاقتصاد السوري إلى التعافي والبدء بإعادة إعمار ما هدمته الحرب المستمرة منذ عام 2011. ويدعمها في هذه النظرة الانحسار السريع لنفوذ تنظيمي "داعش" و"النصرة"الإرهابيين في مختلف المناطق السورية عدا محافظة دير الزور جنوب شرق البلاد. أما المناطق التي تسيطر عليها مجموعات المعارضة الأخرى التي يصنفها الغرب وحلفاؤه الخليجيين في خانة "المعارضة المعتدلة" فقد تم إخضاعها لاتفاقات "مناطق خفض التوتر ووقف الأعمال القتالية" التي شاركت فيها روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة والأردن.
أنشطة أجنبية محدودة
هذا الوضع خلق خلال الأشهر العشر الماضية مناخا أدى إلى انتعاش اقتصادي محدود تمثل بعودة نشاط المزيد من الشركات السورية لاسيما في حلب وحمص وحماه والساحل للعمل وتوقف تدهور الليرة السورية. وعلى صعيد العلاقات مع الخارج بدأت شركات أجنبية في العديد من المناطق بالنشاط أيضا. فالشركات الصينية وفي مقدمتها شركة "ام دي اف" على سبيل المثال تزود شركات سورية لتجميع سيارات في حماه وحمص. وتعمل بكين التي سبق لها المساهمة في تطوير مناطق صناعية سورية على بناء منطقة صناعية سورية صينية شرق حمص بتكلفة تصل إلى 2 مليار دولار.
وبدأت شركات روسية مثل "ستروي ترانس غاز" بإعادة إصلاح منشآت ومعامل مناجم فوسفات "الشرقية وخنيفيس" شرق حمص للبدء بتسويقه عالميا. وتعمل شركات أخرى روسية وإيرانية على إصلاح مطاحن الحبوب محطات توليد الكهرباء وشبكاتها وبناء محطات جديدة في حمص وحلب ودمشق وطرطوس واللاذقية. في هذاالإطار يتم أيضا الاعتماد على تقنيات ألمانية بشكل غير مباشر بحكم التعاون الألماني الوثيق مع الصين وروسيا في تقنيات الطاقة واستخراج النفط والاتصالات وغيرها.
غياب الإطار السياسي
رغم هذه المعطيات من المبكر الحديث عن إعادة الإعمار بزخم ملموس لأن ذلك يحتاج قبل كل شيء إلى إنهاء الحرب والتوصل إلى حل سياسي يرسي دعائم دولة علمانية تعددية ويشيع الاستقرار والثقة بمناخ الاستمثار. كما يحتاج أيضا إلى إصلاح إداري راديكالي يقضي على الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وهدم دعائم البيروقراطية المقيتة. غير أن الوضع في الوقت الحاضر لايمنع من القيام بمشاريع متفرقة يمكن تصنفيها في خانة إعادة الإعمار اللاحقة، لاسيما في مناطق بعيدة عن الصراعات المسلحة كحمص وحماه وطرطوس واللاذقية. من الأسئلة المطروحة هنا، أي دور لألمانيا في المشاريع المطروحة حاليا وفي مشروع إعادة الإعمار لاحقا؟
اعادة اعمار مغرية
رغم أن كل شيء ممكن في عالم السياسة التي تحكمها البراغماتية والمصالح الاقتصادية المتبادلة كما يظهر في التجربة الألمانية المصرية على سبيل المثال، فمن السابق لأوانه الحديث عن عودة ملموسة للتعاون الاقتصادي بين ألمانيا وسوريا بسبب قطع برلين لعلاقاتها الدبلوماسية مع دمشق ومشاركتها القوية في فرض العقوبات الاقتصادية الغربية عليها. بالمقابل تقول الحكومة السورية إن الأولوية في مشاريع إعادة الاعمار ستكون للدول التي دعمتها وفي مقدمتها روسيا وإيران والصين. غير أن وضعا كهذا يمكن أن يتغير بسرعة وتبدأ العلاقات الاقتصادية بالعودة التدريجية إذا تغير الإطار السياسي للعلاقات الحالية على أساس التوصل إلى حل سياسي بضمانات دولية ورفع العقوبات الغربية المفروضة على دمشق. ويدعم هذه العودة تكلفة إعادة الاعمار التي ستصل إلى نحو 200 مليار دولار حسب صندوق النقد الدولي. يضاف إلى ذلك أنه من الصعب جدا أو من غير الممكن على بلد يريد إعادة تحديث بنيته التحتية واستغلال ثرواته تجاوز التقنية الألمانية الفريدة في مجالات الاتصالات وتجهيز المرافئ والمطارات والطرق والأجهزة الطبية والصناعات الاستخراجية.
أهمية الجودة الألمانية
في سياق متصل وانطلاقات من اتفاق المجتمع الدولي على عدم تقسيم سوريا وضرورة التوصل إلى حل سياسي فيها فإن هذا البلد سيبقى بالنسبة لألمانيا والغرب دولة هامة ووازنة في منطقة الشرق الأوسط. وحتى عام 2011 كان الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأهم لها في حين كانت ألمانيا في طليعة شركائها الدوليين بتبادل تجاري زاد على ملياري دولار سنويا. فألمانيا كأنت أكبر مستورد للنفط السوري في حين ساهمت شركات "سيمنس" وتيسن كروب" وفي تطوير الاتصالات والمرافئ والطاقة وصناعة الأدوية والمعدات الطبية السورية بشكل وقوي.
من جهة أخرى هناك اهتمام سوري كبير بعودة الشركات الألمانية إلى سوريا بسبب منتجاتها العالية الجودة حسب تامر ياغي مدير شركة "الباشق" الدمشقية لتنظيم معارض "إعادة بناء سوريا". ولا ننسى أن نحو مليون سوري يعيشون اليوم في ألمانيا وعيون الكثيرين منهم على المشاركة في كعكة إعادة الاعمار التي ستقسم بعد نهاية الحرب والاتفاق على أسس الحل السياسي.