سوريا ـ مسيّرات النظام تهدد حياة المدنيين في مناطق المعارضة
٢٠ مارس ٢٠٢٤رغم مرور قرابة شهر، إلا أن طنين الطائرة المسيرة التي كانت تحلق فوق رأس المزارع محمد زكريا الجنيدي وهو في طريقه إلى حقله بأطراف النيرب شرق إدلب، ما زال يدوي في أذنه.
وفي مقابلة مع DW، قال الجنيدي "كنت في طريقي لشراء بعض الطعام لزوجتي وأطفالي عندما بدأت طائرة مسيرة مسلحة بمطاردة الدراجة النارية التي كنت استقلها. كنت أنا وابني على وشك الموت".
وأضاف الجنيدي، الأب البالغ من العمر 33 عاما، "لم يكن لدينا أي مكان للاختباء حيث كنت أقود الدراجة في الشارع بين القرية ومزارعنا"، مضيفا أنه اضطر إلى قيادة الدراجة النارية بسرعة عالية صوب طريق ترابي في محاولة للهروب من المسيرة الانتحارية.
وقال "تمكنا من الإفلات من المسيرة لبضع ثوان، لكنها بمجرد أن حددت مكاننا مرة أخرى، انفجرت،" مضيفا أنه أُصيب وأحد أطفاله بشظايا بسبب قوة الانفجار.
ميزة تكتيكية للطائرات بدون طيار
تشهد سوريا منذ منتصف مارس/ آذار 2011 حركة احتجاج غير مسبوقة ضد الرئيس بشار الأسد ما أودى بحياة ما بين 500 إلى 650 ألفا مع انقسام البلاد إلى مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة السورية المدعومة من روسيا وإيران من جهة ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة جماعات معارضة تحظى بدعم أمريكي أو تركي من جهة أخرى.
ومؤخرا، رصد نشطاء زيادة في وتيرة استخدام المسيرات الانتحارية من قبل حكومة الأسد في أحدث تكتيك لاستهداف عناصر المعارضة والمدنيين في محافظة إدلب التي تعد آخر معاقل المعارضة المسلحة في البلاد.
وفي مقابلة مع DW، قال نانار هواش، كبير محللي الشأن السوري في "مجموعة الأزمات الدولية"، إن القوات الحكومية تستخدم الطائرات بدون طيار لتحقيق ميزة تكتيكية من أجل استهداف مسلحي "هيئة تحرير الشام" في شمال غرب سوريا.
ويقول مراقبون إن هذه النوعية من المسيرات المسلحة قادرة على حمل ما يصل إلى كيلوغرامين من المتفجرات في وسيلة رخيصة الثمن، لكنها قادرة رغم ذلك على استهداف مجموعات صغيرة ومركبات وطرق الإمداد بدقة.
وفي ذلك، قال هواش إن بعض المسيرات يتم إنتاجها في سوريا، مضيفا أنها تلحق خسائر بشرية في صفوف المدنيين.
بدورها، تقول كيلي بيتيلو، الباحثة والمتخصصة في شؤون الشرق الأوسط بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لـ DW إن "النظام السوري وداعميه من روسيا وإيران يكثفون استخدام الطائرات المسيرة الانتحارية في المناطق ذات الأهمية الزراعية مثل حماة وإدلب وحلب”.
وأضافت أن الهدف يتمثل في "تهديد شريان حياة المدنيين في المناطق خارج سيطرة النظام فيما يتوقع أن يتسبب ذلك في خسائر بشرية فادحة. رصدت بعض المجموعات المحلية حدوث 140 هجوما من هذا النوع منذ بداية العام".
وفي تعليقها، قالت هبة زيادين، باحثة أولى في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، إن "قوانين الحرب تحظر الهجمات التي تستهدف المدنيين والمناطق المدنية، وتلزم أطراف النزاع بالتمييز في جميع الأوقات بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية".
تزامن هذا مع تحذير أطلقه باولو بينهيرو، رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، الشهر الجاري، قائلا: "يؤدي الانتشار المتزايد لحالة انعدام القانون إلى ممارسات ضارة وإلى الابتزاز من طرف القوات المليشيات المسلحة."
وأضاف "لا يمكن للشعب السوري أن يتحمل أي تكثيفٍ لهذه الحرب المدمرة التي طال أمدها. إن أكثر من %90 يعانون حاليا من الفقر، ويشهد الاقتصاد انهيارا تاما في ظل تشديد العقوبات."
المسيرة الانتحارية.. نقطة تحول
ورغم الانتقادات والتحذيرات الدولية، يعتقد المراقبون أنه سيتم استخدام الطائرات المسيرة الانتحارية بشكل متكرر لاستهداف المدنيين عمدا في مناطق المعارضة بشمال سوريا.
وفي ذلك، قال نانار هواش إن "تجاهل حياة المدنيين من قبل الأطراف المتحاربة بات القاسم المشترك في الحرب الأهلية السورية"، مضيفا أن القوات الحكومة والجماعات المدعومة من إيران "ليست الطرف الوحيد" الذي يستخدم طائرات مسيرة غير عسكرية.
وأضاف "تستخدم ميليشيات هيئة تحرير الشام طائرات بدون طيار في عملياتها العسكرية كجزء من مسار واسع النطاق تتبناه كافة الأطراف الفاعلة للاستفادة من هذه التكنولوجيا سواء لأهداف الاستطلاع أو شن هجمات".
وشدد الباحث على أن الاستخدام المتزايد لمسيرات الانتحارية يشكل نقطة تحول في ديناميكيات الصراع الحالي في سوريا، قائلا: "قامت إيران بتزويد روسيا بطائرات بدون طيار خلال حرب أوكرانيا، وبالنظر إلى أن روسيا وإيران تدعمان القوات الحكومة في سوريا، فإن الأمر لم يكن سوى مجرد وقت حتى تصل الطائرات المسيرة إلى أيدي القوات التي تدعمها في سوريا".
وأضاف أنه على الرغم من أنروسيا مازالت تتمركز في سوريا، إلا أن الأونة الأخيرة شهدت انخفاضا ملحوظا في الضربات الجوية الروسية منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا.
وقال "أرى أن الاستخدام المتزايد للطائرات بدون طيار من قبل القوات الحكومية يشير إلى محاولتها تعويض خسارة القوة الجوية الروسية فضلا عن هدفها في تحقيق ميزة تكتيكية."
تهديد لحياة المدنيين
ويقول النشطاء إن هجمات الطائرات المسيرة الانتحارية تشكل خطرا على حياة المزارعين في شمال غرب سوريا مما يلقي بظلاله على إمدادات الغذاء في هذه المناطق.
وفي هذا الصدد، قال هواش إن هجمات الطائرات المسيرة تتسبب في "تقليل إنتاج القمح، وهو الأمر الذي لا يهدد سبل عيش المزارعين الذين باتوا يساورهم الخوف الشديد من هجمات المسيرات أثناء تواجدهم في الحقول فحسب، وإنما بات يقوض صناعة أساسية في المنطقة".
وبالعودة إلى محمد زكريا الجنيدي، فقد قرر عدم الذهاب إلى حقله في خيار صعب لأنه يعني خسارة المحصول. ورغم إقراره بذلك، إلأ أن الجنيدي قال "ليس أمامي أي بديل فما جدوى حصاد المحصول إذا كان هذا قد يكلفني خسارة أحد أطفالي؟"
أعده للعربية: محمد فرحان