سوريا ـ سياسة روسيا في مأزق
٤ يونيو ٢٠١٢لا لتدخل عسكري ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بل وجب عوض ذلك البحث عن حل سياسي للازمة في سوريا. هذا هو موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لم يتغير ولو بعض الشيء حتى خلال لقائه بالمستشارة ميركل وبالرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند. ولم يستسلم الرئيس الروسي المنتخب حديثا للضغوط الغربية بشأن الملف السوري، مثلما يعبر عن ذلك خبير الأمم المتحدة في معهد "مؤسسة القرن" للبحوث في نيويورك جيف لاورانتي الذي قال "الهوة أصبحت أكبر من ذي قبل".
تفادي إزعاج الشريك الروسي في برلين
حاولت المستشارة الألمانية خلال استقبالها بوتين أن تبذل ما في وسعها وتكون أكثر ودية وترحيبا، وأن لا تنتقد السياسة الروسية علنا. وبعد الترحيب الحار بالضيف الروسي فلاديمير بوتين، اتفقت معه على ضرورة العمل من اجل "حل سياسي" في سوريا، التي رأى فيها بوتين مؤشرات تنذر بـ"حرب أهلية". ليتفق الطرفان بعد ذلك على تأييد خطة الأمم المتحدة لحل الأزمة. بعدها أكدت ميركل من خلال جملة غامضة أن هناك بعض الاختلافات، حول السبل التي يجب نهجها لتطبيق خطة الأمم المتحدة.
موقف الرئيس الفرنسي اولاند كان أكثر وضوحا، عندما قال، إنه لا حل للازمة السورية إلا بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة. لكن بوتين أوضح قائلا إن موقف روسيا لا يدعم الأسد ولا معارضيه. في حين أن موقف وزارة الخارجية الروسية التي أعلنت أن مذبحة الحولة قبل أسبوع ليست إلا "عملية مبرمجة من قبل ناشطين لتقويض فرص حل سياسي للأزمة في سوريا"، لتنضم في ذلك لرواية نظام الأسد. منذ شهور وروسيا تترنح وتبذل الجهد حتى ولو بدون جدوى لتحقيق نجاح تفاوضي في دمشق، وتسد الطريق في آن واحد أمام جميع التهديدات بفرض عقوبات داخل مجلس الأمن الدولي. شتيفان مايستر خبير الشؤون الروسية في الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية يعتقد "أن الروس اختاروا موقف التعنت، لتصل المسألة إلى طريق مسدود".
صادرات أسلحة روسية مربحة
موقف روسيا العنيد بشان الملف السوري له عدة أسباب. فهناك المصالح الاقتصادية، إذ تستخرج شركات روسية النفط والغاز، كما أن صناعة الأسلحة تستفيد بوجه خاص من سوريا التي تعد ثالث أهم سوق لصادراتها في العالم. وردا على سؤال بهذا الشأن خلال تواجده في برلين، قال بوتين إن بلاده لا تصدر أسلحة إلى سوريا قد تستخدم في حرب أهلية. "إنه تعبير دبلوماسي"، كما أكد ذلك شتيفان مايستر الذي قال "إذا كانت تباع أنظمة أسلحة لسوريا، فلن يقدر عسكري أو رئيس روسي على التحقق مما إذا لم يتم استخدامها ضد متمردين. سأذهب إلى أبعد من ذلك، وأقول إنها تستخدم بالتأكيد ضد المتمردين".
والأهم من المصالح الاقتصادية لموسكو، حسب وجهة نظر مارغريتا كلاين من مؤسسة العلوم والسياسة هي المصالح الجيو استراتيجية. فسوريا هي الحليف المتبقي لموسكو في الشرق الأوسط. وقالت كلاين إن سوريا تمثل على كل حال بالنسبة إلى موسكو "عامل توازن في العالم العربي في وجه الهيمنة الأمريكية في المنطقة". كما أن في ميناء طرطوس السوري هو أيضا آخر قاعدة للبحرية الروسية خارج أراضيها.
هذه المعطيات ستكون في خطر في حال سقوط نظام الرئيس السوري. وهنا يعتبر شتيفان مايستر أن موسكو في معضلة كبيرة، بقوله "لقد تمت مساندة نظام الأسد لوقت طويل. والسؤال هو هل أصبح متأخرا بالنسبة إلى روسيا التخلي عنه". وعليه فإن الخبير الألماني مايستر يشك في أن تلحق روسيا فيما يخص القضية السورية بالمسار الغربي. وأكد مايستر أن "روسيا تراهن على الحصان الخاسر، الأسد ليس إلا مسألة وقت. روسيا ستفقد على المدى المتوسط هذا الشريك". خلافا لذلك ترى مارغريتا كلاين بوادر على أن "روسيا بدأت تدرك أن الأسد لن يتمكن ربما من البقاء سياسيا. ويتجلى ذلك في أن موسكو لم تعد تتمسك مؤخرا بشخص الأسد، بل تشدد على الالتزام بمبادئ القانون الدولي. فروسيا "تريد حلا وطنيا للازمة لا يفرض من الخارج، ولا يتم تنفيذه عسكريا انطلاقا من الخارج". بمعنى آخر، على السوريين أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم. حسب رأي الخبيرة الألمانية.
هل من حل في الآفاق؟
لكن كيف يمكن حل "العقدة الدبلوماسية" الراهنة؟ جيف لارونتي الخبير الأمريكي في الأمم المتحدة يرى بصيص أمل في الاقتراح الأخير الذي تقدمت به مندوبة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي. واقترحت الأخيرة نقل ملف مذبحة الحولة إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. هنا يمكن أن يشكل تعيين "وسيط مستقل" مخرجا للأزمة. وقال إن ذلك يمكن أن يشكل إمكانية لممارسة الضغط على الرئيس الأسد، دون اللجوء فورا إلى تشديد العقوبات ضده أو التهديد بإسقاطه. لكن من المشكوك فيه أن تقبل روسبا هذا الاقتراح، لأنها ترفض على غرار الصين والولايات المتحدة الأميركية التعامل مع محكمة الجنايات الدولية.
كلاوس داهمان/ عباس الخشالي
مراجعة: محمد المزياني