سوريا: الحرب تصل الكنوز الأثرية
٢٩ أغسطس ٢٠١٢بدلاًمن أن يكون دومينيك بوناتس في موقع "تل الفخارية" على الحدود السورية التركية، فإنه يجلس في مكتبه ببرلين. ورغم أن هذا هو أوج موسم التنقيبات الأثرية، فإن مدير معهد آثار الشرق الأوسط لم يغادر مكتبه في جامعة برلين الحرة.
يرأس بوناتس فريقاً عديده 60 شخصاً عملوا في واحد من أهم وأكبر مواقع الآثار في المنطقة واجروا تنقيبات بتمويل من مجمع البحوث الألمانية، في خطة طموحة كان يؤمّل أن تمتد بضعة عقود من الزمن. لكن، ومنذ عام 2011، صار ذهاب بوناتس وزملائه إلى تلك المنطقة محفوفاً بالمخاطر.
هذا الموقع يعود إلى العصر البرونزي (نحو 1500 عام قبل الميلاد)، وقد عثر الفريق فيه على القصر الملكي لسلالة ميتاني، يوضح بوناتس في حديث مع DW، لكنه يخشى اليوم تفاقم الأوضاع، مشيراً إلى " أن العديد من مواقع التنقيب القريبة من خطوط التماس - مثل تل عفش وبالميرا- قد دُمرت، فالدبابات قد سحقت طبقات الأرض العليا التي تحمي الآثار، كما أن عمليات نهب قد وقعت في مواقع أخرى".
موقع "تل الفخارية" لا يزال سالما ولم يتعرض لأي اعتداء، لكن حارساً محلياً واحداً يحميه، وأي هجوم يتعرض له سيجبره على تسليم الموقع دون مقاومة.
مهد الحضارات
تعد سوريا مهد الحضارات، حيث اكتشفت فيها أول ألف باء اللغات حتى قبل اكتشافها في اليونان، ويرى جان فالكه ماير أستاذ علم الآثار في جامعة فرانكفورت أن هذا البلد يمثل نقطة تلتقي فيها تأثيرات الحضارات على مدى التاريخ "فالقادمون من مصر ومن الأناضول ومن شرق المتوسط ومن شمال بلاد ما بين النهرين اجتمعوا كلهم في هذا البلد. سوريا تمثل نقطة التقاء الحضارات التي يمكن أن تكون أساساً للثقافات الأوروبية".
ماير أجرى تنقيبات في "تل شويرة" على الحدود التركية السورية على مدى 15 عاماً. ويعرف خبراء التنقيب عن الآثار عن كثب أن أسم تل شويرة يقترن دائما بـ(ماكس فون اوبينهايم 1860-1946)، وهو أحد أوائل الباحثين والمنقبين في تاريخ الحضارات بسوريا.
وتحتل آثار مدينة الرقة الواقعة على بعد 120 كيلومترا عن تل شويرة الموقع الثاني في الآثار المهمة في سوريا. لكن ورغم بعدها النسبي عن الاشتباكات فإن الخطر يهددها. "كل سوريا تفتقد إلى السلام"، كما يقول ماير .
مستقبل آثار سوريا في خطر
حين بدأت المعارك في سوريا، كانت 5 معاهد أثرية ألمانية تتولى عمليات التنقيب في هذا البلد، لكن اشتداد المعارك أنهى عمل كل هذه المؤسسات وبينها معهد الآثار الألماني الذي احتفظ بمكتبه في دمشق لمدة 30 عاماً.
وطبقا لمعهد الآثار الألماني "فإنهم قد انهوا عملهم في حمص وحماه منذ آذار/ مارس سنة 2011".
ويرى دومينيك بوناتس أن التدمير المتعمد للآثار في تل الفخرية سيضع نهاية لعقود من البحث والتنقيب المضني، مشيراً إلى أنه "لن يبقى ثمة معنى لمتابعة العمل بعد ذلك"، متابعاً القول "هذا الوضع سيستمر على ما هو عليه لفترة طويلة".
فالكه ماير شارك زميله بوناتس في نظرته المتشائمة مشيراً إلى أنه لا يرى نهاية قريبة للعنف في سوريا "لا أرى إمكانية حل سلمي لهذا البلد، ولا أرى إمكانية تشكيل حكومة جديدة يمكن أن تعلن وقفاً فورياً لإطلاق النار".