"الإصلاح الاقتصادي لا يُختزل في التعويم والقروض فقط"
١٨ نوفمبر ٢٠١٦في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري حرر البنك المركزي سعر صرف الجنيه المصري لينهي ربطه عند نحو 8.8 جنيه للدولار ورفع أسعار الفائدة لتحقيق الاستقرار للجنيه بعد التعويم، ووصل الدولار مقابل الجنيه حتى وقت إعداد الحوار التالي إلى نحو 15.50 جنيهاً.
ورفعت مصر في اليوم ذاته أسعار المحروقات بنسب تتراوح بين 30.6 بالمئة و47 بالمئة، وهي خطوات ساعدت على تنفيذ الدفعة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي 2.75 مليار دولار من إجمالي 12 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات لدعم خطة الإصلاح الاقتصادي.
لكن هذه الإجراءات السريعة أتت بعد زيادة الضرائب بعد إصدار قانون "القيمة المضافة" بدلاً من ضريبة المبيعات، ما أثر سلباً على قطاعات عريضة من المصريين.
وعلى هامش مؤتمر اقتصادي حضر فيه معظم وزراء الحكومة على رأسهم رئيس مجلس الوزراء التقت DW عربية الخبير الاقتصادي الدكتور سمير رضوان لمناقشته في خطة "الإصلاح الاقتصادي" التي تنتهجها مصر.
وكان رضوان قد تولى منصب وزير المالية في عهد المجلس العسكري إبان ثورة 25 يناير في حكومة تسيير الأعمال التي رأسها الفريق أحمد شفيق، ثم استمر في وزارة الدكتور عصام شرف لمدة 6 أشهر، بعد أن كان قد تقلد مناصب عديدة منها محاضرا في جامعة أوكسفورد.
وإلى نص الحوار:
DW عربية: من وجهة نظرك.. لماذا أقدم البنك المركزي على تحرير سعر الصرف في ظل ضعف الجنيه أمام العملات الأخرى؟
سمير رضوان: جاء هذا القرار في محله تماماً وإن كان متأخراً بعض الشيء، لأن التوقيت له أهمية كبيرة جداً في صنع السياسات العامة، لكنه قرار صائب. بيد أنه يجب علينا ألا نختزل الإصلاح الاقتصادي في مجرد تغيير سعر الصرف. هناك أشياء كثيرة جداً تدخل في عملية الإصلاح الاقتصادي، مثل النظام الضريبي ونظام الاستثمار ومناخ الاستثمار وسياسات التشغيل وسوق العمل. بعبارة أخرى: يجب ألا نعول على أن تغيير سعر الصرف سيحقق المعجزة.، بل بالعكس لو توقفنا عنده وحده، فقد تكون آثاره عكسية.
هل ترى أن الحكومة اتخذت هذا القرار وحده ولم تتحرك في الجوانب الأخرى من عملية الإصلاح الاقتصادي؟
لا، في نفس وقت اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف، قرر البنك المركزي رفع سعر الفائدة. أرى أنه قرار سليم، لأنه عندما ترفع سعر الفائدة تصبح أكثر جذباً للاستثمار. لدينا أعلى سعر فائدة في العالم حالياً وهو 15 بالمئة، لكن هذا كله في إطار السياسات النقدية. ماذا عن السياسات المالية؟ وماذا عن السياسات الضريبية؟ ماذا عن مناخ الاستثمار؟ لدينا قوانين وإجراءات تُهرِّب المستثمر سواء المصري أو الأجنبي، فمصر الآن تريد أن تعالج كل هذه المسائل. الأجندة ثقيلة وكبيرة لأننا تركنا الأمور لمدة خمس سنوات بدون إنتاج وتصدير. من رأيي أنه يجب الآن أن ندخل موجة جديدة من التصنيع. لماذا نستورد كل هذه الأشياء التي نستوردها، والتي يمكن أيضاً إنتاجها محلياً؟ كنا ننتجها في الستينيات وتوقفت. حتى الصادرات 40 إلى 60 بالمئة من مكوناتها ومستلزماتها يتم استيرادها من الخارج، وهذا لا يصح.
هل ترى أن هناك رؤية محددة للحكومة للإصلاح الاقتصادي وخطوات مستقبلية واضحة أم أن هناك قرارات متخبطة؟
لا أستطيع القول إنها متخبطة، لكن الوضع صعب، وبالتالي يغلب عليها الإجراءات الوقتية والسريعة وإطفاء حرائق. هذا ما يحدث وهو يحدث في دول كثيرة، لكن المفترض أن نطفو فوق المياه ونسأل أنفسنا أين نذهب. ليس معنى ذلك أن تعقد مؤتمرات لمدة 10 سنوات. دعك من المؤتمرات. تعلمت من ماليزيا أن المحك في السياسة الاقتصادية هو التنفيذ ولا يمكن تحقيق أي شيء بدونه. الكلام الذي سمعتَه اليوم (في المؤتمر الاقتصادي) جميل لا تستطيع أن تختلف معه. لكن كيف تنفذ هذا؟
ماليزيا أخذت كل نوع من أنواع السياسة سواء المالية أو النقدية أو التصنيع إلى آخره وترجموها إلى مشروعات وقوانين وإجراءات وإلى خطط محددة زمنياً وتحديد من المسؤول عن تنفيذها ومؤشرات للتنفيذ، لكن هذا غائب عندنا تماماً.
هل ترى أن المسؤولين عن السياسات المالية والمسؤولين عن السياسات النقدية وسياسات التصنيع والعاملين في ملف الاقتصاد بشكل عام في الحكومة يعملون في شكل متناسق؟
لا.. نحن لدينا ظاهرة الأبراج المنعزلة، كل منهم يبذل جهداً ويقوم بمهمته بكل جدية واجتهاد، لكن بمعزل عن الآخر لأنه ليس لدينا الرؤية الشاملة التي تجمع الجميع.
أدى ارتفاع الدولار إلى ارتفاع كبير في الأسعار واختفاء منتجات مهمة مثل بعض الأدوية. هل ترى أن الحكومة قامت بحساب الآثار الاجتماعية قبل أن تحرر سعر الصرف أم اتخذته لتسريع الحصول على قرض صندوق النقد الدولي؟
لا أستطيع قول ذلك، ولكن دعني أقولها بشكل مختلف لأنني أحب أن نكون إيجابيين، ولذلك أقول إن علينا ألا نتصور أن هذه الخطوة فقط هي أجندة الإصلاح.
لكن خطوة تحرير سعر الصرف ورفع أسعار المحروقات مع خطوات أخرى كانت مؤلمة لبعض الطبقات الاجتماعية مع عدم توسيع الحكومة شبكة الحماية الاجتماعية؟!
وقعنا على القرض يوم الجمعة الماضي (11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)فقط أي أنه قبل ذلك ليس له وجود. وبالتالي لا يُنكر أنك عندما تدخل في إصلاح اقتصادي سترى شبكات الحماية الاجتماعية. لا نقاش في ذلك، ولكننا بالكاد وقعنا الاتفاق.
ألم يكن من المفترض أن تتم حماية الفقراء قبل اتخاذ هذه الخطوات وليس بعدها؟
ببساطة نعم، كان من المفترض ذلك، ولهذا قلت إنه يجب ألا نختزل الإصلاح في تغيير سعر الصرف والاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
حصلت مصر على قروض ومساعدات بعشرات مليارات الدولار في الثلاث سنوات الأخيرة.. ألا تعد هذه القروض عبئاً على الأجيال القادمة؟
إنها حمل بالفعل، لكن هل يريد الناس المعيشة بدون عمل، والبلد لا تصدر ولا تنتج أي شيء؟ وفي الوقت نفسه "تقفل البلد ولا تحصل على قروض". هذه القروض والمساعدات حتى تخرج مصر من أزمة رهيبة. وأما كيف ستخرج منها؟ الأشقاء العرب الذين كانوا يساعدونك هم أيضاً فوجئوا بانخفاض أسعار النفط فانخفض دخلهم وبالتالي انخفضت قدرتهم لمساعدتك، فضلاً عن دخول عوامل سياسية مع السعودية مثلاً. يجب النظر للمسائل الاقتصادية من منظور شامل.
مصر حصلت على أكثر من 40 مليار دولار من دول الخليج وحدها.. أين ذهبت؟
على الاستهلاك، لأن مصر تستهلك ولا تنتج فضلاً عن وجود أعلى معدل نمو سكاني في العالم.
ولماذا لم نحسن بيئة العمل من أجل تحسين الإنتاج؟
الـ90 مليون مصري يساهمون في الأزمة الاقتصادية أيضاً. والدولة تتحمل مسؤولية في ذلك هي الأخرى. فقد موَّلت الاستهلاك.. المصريون يستهلكون كهرباء ولا يريدون انقطاعها، فالدولة صرفت بعض الأموال في هذا القطاع مثلاً.
لا أقول إنها كانت سياسة سليمة وإننا سرنا في الاتجاه الصحيح مائة بالمائة، لا أقول ذلك مطلقاً، ولكني أقول إنه حدث نتيجة توقفنا عن الإنتاج بهذا الشكل.
ألا ترى أنه كان يمكن استغلال أموال الخليج أفضل من ذلك؟
نعم إذا كنا نعمل، لكن خمس سنوات بدون تصدير وبدون سياحة، وواردات قناة السويس وقفت عند 5 مليار ، وهذا لأن حركة الملاحة الدولية انخفضت، وهي انعكاس للتجارة الدولية.
ولماذا إذاً صُرفت مصر عليها المليارات؟
ستأتي نتيجتها في المستقبل، عذراً أنا متحمس لمشروع قناة السويس. الطاقة السلبية في هذا المجتمع غير عادية. أرى أنه خلال العشرين سنة أو الثلاثين عاماً القادمة سنرى ربحية قناة السويس الجديدة. أتذكر تماماً عندما بُني السد العالي كيف تم انتقاد المشروع، صرفنا عليه وقتها 400 مليون جنيه، لكن اليوم السد العالي يحمينا من مخاطر كثيرة.
نرى الهند وباكستان وبنجلاديش عائمين في المياه لكن هنا المياه تأتي منتظمة. إذاً، عندما ننظر إلى مشروع قناة السويس، ننظر للمنطقة الصاعدة في العالم، وهي آسيا وليس الغرب وأمريكا. وأيضاً، ميزة هذا المشروع أنه استثمر أموال الأسر المصرية فقلل من التضخم فضلاً عن عائد فوائد الشهادات للأسر. علينا أن ننظر للنواحي الإيجابية ولا ننظر للنواحي السلبية.
هل تعتقد أن اتجاه مصر للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي صحيح؟
صندوق النقد الدولي يقول لمصر السياسات التي من المفترض عملها لماذا نرفض الإصلاح؟ لماذا يرفض الشعب الإصلاح؟ لا شيء مما يقول به الصندوق أنا لا أريدها. أنا كسمير رضوان أريد تنفيذها. أيضاً مشكلتنا أن لدينا فجوة تمويلية قدرها من 20 إلى 23 مليار دولار كيف نسدها؟ نُصدِّر أو نأتي بسياح، لا نفعل أي شيء من كل ذلك. وهذا ليس بدعة بالمناسبة، نحن عضو مؤسس في صندوق النقد الدولي. انجلترا اتجهت لصندوق النقد الدولي، ودول كثيرة اتجهت إليه، لكن المسألة كيف تصلح مصر السياسات الاقتصادية بحيث تسير في الطريق السليم، ويكون هناك جدول زمني ومراجعة للسياسات للاطمئنان إلى أننا نسير بشكل صحيح. والبرنامج الزمني من الإصلاح مدته ثلاث سنوات.
هل ترى أن المناخ الحالي جاذب للاستثمار؟
نحتاج لإصلاحات كثيرة جداً، كإصدار قانون للاستثمار وإزالة المعوقات البيروقراطية وحماية المستثمر من البيروقراطية المصرية و"اللَّوَع والمسارب بتاعتها" والالتفاف حولها. هم يتحدثون عن قانون للاستثمار منذ أن عدت إلى مصر وأصبحت عضواً في مجلس إدارة هيئة الاستثمار في 2004، ولكن حتى اليوم لم يصدر القانون.
البعض يقول إن دخول الجيش في الاقتصاد قد يكون عائقاً لبعض المستثمرين.. ما رأيك؟
الجيش المصري حَمى هذا البلد من مصيبة سوداء وأنا أعرف ماذا أقول. رأيت نظماً مختلفة وانقلابات وتغييرات في الحكومات وشرق أوروبا، ويمكنني أن أقول إن الجيش حمى هذا البلد وذلك ليس معناه أيضاً أنه مقدس ولا ينتقده أحد. لكن ماذا يفعل الجيش؟ هو يستثمر في البنية الأساسية، وعندما يستثمر هو يسد فجوة في الإنتاج. المصريون يبنون على الأرض الزراعية مبان حقيرة وقبيحة وهو ينتج بيض وزيت، لا أستطيع أن ألومه، لكني أتساءل: أين القطاع الخاص؟ هل هو ينتج ويسد حاجة السوق المحلي؟ أين منتجاته؟ كل شيء أصبحنا نستورده، ثم يتساءلون لماذا يتدخل الجيش.
من وجهة نظرك، إلى متى سيستمر تحرير سعر الصرف؟
حتى نستعيد الإنتاج ونصدر. قيمة الجنيه تتحدد بالتصدير والإنتاج والسياحة. عندما توليت الوزارة كان لدينا 36 مليار دولار في الاحتياطي النقدي، والآن النصف تقريباً. ميزة ما يحدث والإجراءات الاقتصادية الأخيرة هي أنها كشفت للناس مدى صعوبة الوضع الاقتصادي وضرورة اتخاذ إجراءات مهمة.
أجرى الحوار: مصطفى هاشم